السيمر / فيينا / الخميس 16 . 12 . 2021 —— بعد تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة، أنالينا بيربوك، بعدم إمكانية تشغيل خط “السيل الشمالي-2″، تجاوز سعر الغاز في أوروبا مرة أخرى عتبة الـ 1500 دولار لكل ألف متر مكعب.
تلعب ألمانيا دوراً محدداً للغاية في العالم، فهي تحاول مراراً وتكراراً أن تثبت للإنسانية أن الديمقراطية، على أقل تقدير، ليست الشكل النموذجي من أشكال الحكم، بل إنها أحياناً ما تكون مميتة. حيث ترى الألمان يختارون تارة شخصاً مثل أدولف هتلر، أو يدخلون حزب الخضر إلى الحكومة، فيضعون على رأس وزارة الخارجية الألمانية وزيرة ليس لديها أي خبرة عملية، بما في ذلك في مجال العلاقات الدولية، سوى أنها كانت ناشطة سياسية. بل إن نجاح حزب الخضر نفسه يعدّ مثالاً رئيسياً على كيفية خلق الدعاية الحكومية الموجّهة أشباحاً سياسية، تصبح لهم فيما بعد حياتهم المستقلة الخاصة.
إن فكرة “التحوّل الأخضر” برمتها، في رأيي المتواضع، ليست سوى محاولة من قبل الدول الغربية للحد من النمو الاقتصادي للدول النامية، من خلال فرض متطلبات بيئية تعجيزية لا يمكنها تحقيقها، تضاعف سعر الطاقة للمستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، وبموجب هذه الذريعة، سيفرض الغرب رسوماً إضافية على البضائع القادمة من الدول النامية.
ومع ذلك، وعندما لا يبدأ الناس وحدهم، ولكن كذلك النخبة نفسها، في تصديق دعايتها الخاصة، تبدأ هذه التعهدات في إلحاق الأذى بمن اخترعها.
فكما هو معروف، ارتفعت أسعار الغاز العالمية منذ بداية هذا العام، ولم تقم شركات الطاقة الأوروبية بإنشاء مخزون احتياطي في الربيع والصيف، على أمل أن ينخفض السعر لاحقاً. إضافة إلى ذلك، وبسبب الطقس الهادئ والغيوم في أوروبا، كان توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية غير نشط تقريباً. علاوة على كل ذلك، حوّلت قطر والولايات المتحدة الأمريكية إمداداتها من الغاز من أوروبا نحو آسيا، حيث الأسعار أعلى، وذلك على الرغم من وعود واشنطن لأوروبا بمساعدتها في “تقليل اعتمادها على روسيا”. نتيجة لذلك، اندلعت أزمة الطاقة في أوروبا، وارتفعت أسعار الغاز عدة مرات، على الرغم من أنها، مع كل ذلك، لا تزال أدنى من الأسعار الموجودة في آسيا.
في الوقت نفسه، تفضل شركة “غازبروم” الروسية، وحتى وقت قريب، توفير الغاز بشكل أساسي بموجب عقود طويلة الأجل، أصبح سعرها الآن أقل عدة مرات مما يسمى بالسعر “الفوري” Spot Price المحدد في البورصة. وكانت سلطات الاتحاد الأوروبي قد فرضت قبل عدة سنوات على شركة “غازبروم” الانتقال إلى العقود، بناء على أسعار الصرف إلى حد كبير، الآن تدفع أوروبا أكثر بعدة مرات، لكنها وكما جرت العادة تلوم في ذلك “غازبروم” وبوتين” في كل مصائبها.
المشكلة في واقع الأمر منهجية: فأوروبا تحاول، بمنطق معكوس، إنشاء مخطط ما “صحيح إيديولوجياً”، إلا أن ذلك المخطط لا يعمل على أرض الواقع.
يعتمد ذلك المخطط الأوروبي على الوضع في هولندا، التي كانت في يوم من الأيام منتجاً رئيسياً للغاز، حيث كانت هناك في ذلك الوقت شركة منفصلة لكل حقل غاز، وكان هناك موردون خارجيون، وكانت شبكة أنابيب نقل الغاز متطورة، والمسافات قريبة، لا تتطلب استثمارات طويلة الأجل بالمليارات، حينها، ونتيجة لذلك، كان تحديد السعر في البورصة، والعقود قصيرة الأجل، أمراً منطقياً.
إلا أن تطبيق هذا المخطط على شركة “غازبروم”، التي توفّر ثلث احتياجات أوروبا من الغاز، عبر عدد قليل من خطوط الأنابيب، الممتدة عبر آلاف الكيلومترات، ولا يسمح لها بتجارة التجزئة، فهذا ما يتعارض مع المنطق.
لقد اقترحت المفوضية الأوروبية مؤخراً إلزام دول الاتحاد الأوروبي بالتخلي عن العقود طويلة الأجل لتوريد الغاز حتى عام 2049، وفي الوقت نفسه إلزام شركات الغاز بإنشاء احتياطيات غاز قبل موسم الشتاء طواعية. يبدو كل شيء في الجملة السابقة مدهشاً، أليس كذلك؟ من “الإلزام الطوعي”، وحتى الفكرة الجديدة الخاصة بالتخزين قبل الحاجة إلى ذلك…
يبدو أن أوروبا تحاول هذا العام أن تترشح لـ “جائزة داروين الهزلية” التي تمنح لأكثر حالات الوفاة سخافة، فقد فعلت كل ما بوسعها للبقاء دون غاز والتجمّد من البرد، وتسعى وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة، أنالينا بيربوك، نحو هذا الهدف بكل ما هو معروف عن الدقة والانضباط الألماني. الآن، تبدو رواية عمل أنالينا بيربوك لحساب بوتين أكثر توافقاً مع الجو العام للمرحلة، إلا أنني لا أستبعد رواية تدهور النظام السياسي في أوروبا، الذي دفع بالشعبويين والحمقى عديمي الخبرة إلى كراسي السلطة.
على أي حال، فإن أسعار الغاز المرتفعة مفيدة لمصدريه، بما في ذلك روسيا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية. وبفضل ارتفاع أسعار الغاز، بسبب التأخير المصطنع لتشغيل خط أنابيب “السيل الشمالي-2” لنقل الغاز، فقد استعادت شركة “غازبروم” فعلياً جميع الاستثمارات في الخط. يبقى الشيء الرئيسي، وهو ألّا تتبع أوروبا خطى نابليون وهتلر في التدمير الذاتي لأوروبا، حتى لا تضطر روسيا مرة أخرى إلى إيقافها. أما تلك الألعاب الأوروبية حول الغاز، فلا يسع روسيا إلا أن ترحب بها، وبنتائجها الحالية. ومع ذلك، يتعيّن على شركة “غازبروم” الإسراع في بناء خط أنابيب ثان إلى الصين، ومحطات الغاز المسال لتزويد الغاز إلى أجزاء أخرى من العالم، بتجاوز أوروبا. فلم تعد أوروبا شريكاً تجارياً يمكن الوثوق به.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر / RT