السيمر / فيينا / السبت 02 . 04 . 2022 —— الرجب نجح في تطوير مكتبته وتحقيق شهرة واسعة خلال سنوات قليلة، وتواصل مع دور النشر العربية الكبيرة، وتوسعت خبرته وذاع صيته.
عاش الأديب والكاتب والمؤلف العراقي قاسم محمد الرجب الأعظمي قصة كفاح عانى خلالها من حياة الفقر والعوز، ووصلت به الحال إلى العجز عن شراء ملابس المدرسة أو سداد ثمن ثوب العيد للخياط، ويقول في مذكراته “بقيت في داري لا أخرج منها حتى انتهى العيد”.
وبعد حياة كرسها للكتب والشغف بها من خلال البحث عنها وقراءتها، وطباعتها، ونشرها، وبيعها، توفي في الأول من أبريل/نيسان 1974 عن عمر ناهز 55 عاما بعد وعكة صحية ألمّت به.
بدايات قاسية
ولد الرجب عام 1918 ميلادية في مدينة الأعظمية ببغداد، وبها نشأ وتعلم القرآن الكريم، ثم أكمل دراسته الابتدائية ولم يواصل الدراسة، وله 4 أولاد، حسب الكاتب والمؤرخ خالد عوسي الأعظمي.
وفي حديثه للجزيرة نت أشار الأعظمي إلى أن الباحثين والدارسين كانوا يرجعون إلى الأستاذ الرجب فيخبرهم بالمصادر والمراجع التي لها صلة ببحوثهم ودراستهم، وكان كثير المطالعة مع اتسامه بالذكاء والبراعة وقوة الذاكرة في حفظ أسماء الأعلام وأسماء الكتب وتواريخ الوفيات، وكان رجلا سهلا جميل الأخلاق بشوش الوجه.
وينقل الأعظمي عن الرجب في مذكراته وهو يتحدث عن بداياته أن صلته بسوق السراي تعود إلى سنة 1930 يوم اضطر إلى ترك المدرسة مع شقيقه، وكان حينها في الصف السادس الابتدائي وعمره حينذاك 12 عاما، بسبب الفقر وعدم قدرته على سداد ثمن ملابس المدرسة.
وكان يتمرن للعودة إلى بيته في الأعظمية ماشيا بعد خروجه من المدرسة المأمونية ويقطع مسافة طويلة لتوفير بعض النقود وشراء جزء من كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، وكان لهذا الكتاب الفضل في إذكاء روح المطالعة لديه، حسب الأعظمي.
ويعد الرجب من المؤسسين لجمعية منتدى الإمام أبي حنيفة، وأهدى إلى مكتبة الجمعية كثيرا من الكتب والمصادر التي تولى طبعها ونشرها.
مكتبة المثنى
وبدأ مشوار الرجب في نشر الكتب عام 1935 عندما افتتح مكتبة صغيرة وسط سوق الكتب في منطقة السراي ببغداد، وكان اسمها “مكتبة المعري”، ثم غير اسمها إلى “مكتبة المثنى” بعد أن نصحه أحد أصدقائه بذلك، وفق مذكراته.
ونجح الرجب في تطوير مكتبته وتحقيق شهرة واسعة خلال سنوات قليلة، وتواصل مع دور النشر العربية الكبيرة، وتوسعت خبرته وذاع صيته.
ويلفت مدير دار الرافدين للطباعة والنشر محمد هادي إلى أن الرجب عمل بداية مع الحاج نعمان الأعظمي في المكتبة العصرية قبل أن يفتتح مكتبته الخاصة، التي أسماها “المثنى”.
وفي حديثه للجزيرة نت رأى هادي أن انطلاقة الرجب كانت عندما استورد مجموعة كتب وموسوعات من ألمانيا وهولندا واستطاع بيعها، فلم يبدأ على نحو نمطي كما يفعل آخرون حينها عندما كانت تصل مجموعة كتب قليلة من إسطنبول أو إيران وتعرض بمزاد علني لندرتها.
ويؤكد أنه استطاع إدخال كتب غير موجودة في باقي الدول العربية، وتوجه صوب لبنان واتفق مع دور النشر هناك.
ويضيف أن الرجب توسع عمله وأصدر مجلة “المكتبة”، وكانت تعنى بآخر الإصدارات، وهي مجلة مختصة بمهنة النشر والوراقة والكتبيين، وكان يصدر قائمة بالكتب المتوفرة بشكل مطبوع ويوزعها على القراء والأساتذة والجامعات، وكان عمله منظما.
وعن مصير المكتبة اليوم يقول هادي إنها أصبحت مخزن قرطاسية، أما المكتبة القديمة فقد اندثرت بشكل نهائي لانشغال أولاده بمهنة الطباعة التجارية ولم يطوروا إرث والدهم في النشر.
دوره الفكري
ويقول الكاتب والباحث أحمد الملاح إن الرجب يعد من أفضل وأشهر أصحاب المكتبات في منتصف القرن الماضي بالعراق، ومن أهم الأشياء التي قدمها مذكراته التي تحدثت عن الواقع الكتبي في العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي، خاصة عندما يتكلم عن نعمان الأعظمي صاحب المكتبة العربية الرائدة في طباعة الكتب التاريخية والتراثية.
ويضيف الملاح للجزيرة نت أن الرجب واكب انطلاقة الطباعة في العراق والواقع الكتبي الحقيقي، خاصة في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي.
وينوه إلى أن مجلة المكتبة بالإضافة إلى كونها استضافت العديد من الأقلام المهمة، فكان ما يميزها أنها وثقت الكثير من التفاصيل والأحداث، إضافة إلى المواضيع التراثية، خاصة تراث بغداد وتاريخها.
وفي حين يضع الباحثون الرجب في طليعة رواد اليقظة الفكرية الحديثة في العراق، يشيد الملاح بدوره الكبير في حركة الفكر العراقية منتصف القرن الماضي.
ويذكر الملاح أنه من الأشياء المؤلمة جدا أن المكتبة تعرضت لحريق كبير عام 1999 أتى على كل مكتبة المثنى العامرة بالكتب والطبعات الأولى والمخطوطات وغيرها، وأعلن وقتها أن الحريق كان بفعل فاعل، ولكن لم يكشف عن ملابسات هذه الحادثة حتى يومنا الحاضر.
وفاته
وعن ملابسات وفاة الرجب في مثل هذه الأيام قبل نحو نصف قرن، يقول الأعظمي إن الرجب توفي بالسكتة القلبية في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1974.
ويبين أن جثمان الراحل نُقل إلى بغداد وشيع بموكب كبير في جامع الإمام الأعظم، وشهد الصلاة عليه المؤرخ وليد الأعظمي، ودفن في مقبرة الخيزران في الأعظمية بجوار صديقه الخطاط المشهور هاشم محمد البغدادي قرب مرقد الشيخ أبي بكر الشبلي.