السيمر / فيينا / الثلاثاء 05 . 04 . 2022
حامد گعيد الجبوري
أختلف مع المثل العربي الشهير ( مغنية الحي لا تطرب) فقد لمست ان المهرجان الكبير الذي أعُد له اعدادا موفقا قد أخذ الحيز الكبير الشاغل للمجتمع البابلي الحلي المنفتح على الثقافة والفنون العربية والعالمية ،وليبرهن مدنية بابل وحضارتها الممتدة لعمق التاريخ وتأكيدا لنجاح فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون والآداب العالمية بنسخته التاسعة، وبرغم عدم اكتراث الحكومة المحلية في بابل لدعم المهرجان سواء بوصول المواطنين لمنتجع بابل الذي أوصد أبوابه من خلال تعريفة الدخول لمنتجع بابل، أو وسائل دعم أخرى ، ورغم ان المبلغ ٣ آلاف دينار يعد رمزيا للفرد الواحد، ولكنه يشكل عبئا ماليا على أصحاب الدخل المحدود لعائلة تتكون اكثر من الزوجين ، وحال لعدم دخول الكثير من الأسر الراغبة بالحضور لمهرجان بابل والذي استمرت فعالياته ١٠ أيام متتالية ١٧ – ٢٦ آذار ٢٠٢٢ ، توزعت بين معرض الكتاب الذي شاركت فيه أكثر من ٦٠ دار نشر عربية رصينة،وبين الجلسات الشعرية لعدد من الشعراء الأجانب والعرب والعراقيين ، والجلسات النقدية والتعريفية وتواقيع كتب صدرت حديثا للكثير من الشعراء والنقاد ، ناهيك عن العروض المسرحية من دولتي تونس والأردن الشقيقتين، ومسرحيتين عراقيتين بابلية وبصرية، غير الفعاليات الأخرى من مطربين عراقيين وسوريين واردنيين وسودانيين وايرانيين واتراك وأذربيجانيين .
في أمسية ركزت عمق التلاحم الثقافي والمعرفي ،ومن باب العرفان بالجميل لسوريا فقد كانت جلسة دمشقية، تحدث فيها مبدعون عراقيون عن ظروف تواجدهم بدمشق وما قدمته الحكومة السورية من حضن آمن وداعم للمثقفين العراقيين، وكان من المفترض أن يدير الجلسة الدكتور الناقد محمد الحوراني رئيس اتحاد أدباء وكتاب سوريا إلا أن ظرفا صحيا اعاقه عن الحضور، وبعث رسالة شكر أوضحت رؤية المثقفين السوريين وتلاقحهم مع مثقفي العراق ومن مختلف الاتجاهات السياسية، نقلت رسالة الاعتذار الأستاذة الشاعرة ليندا إبراهيم.
شخصيا أجد مجمل الفعاليات بكفة الشكر والعرفان للقائمين على نجاح أعمال المهرجان، والرسالة التي خص بها بابل وأسرة المهرجان المثقف والشاعر والمفكر العربي السوري ادونيس بكفة أخرى، ومعلوم للجميع من هو ادونيس ومكانته الثقافية المرموقة عربيا وعالميا ،وتوجيه رسالة محررة من قبله
لجمهور المثقفين والجمهور البابلي وقراءة أكثر من مقطع لقصيدته (الوقت) المثيرة للجدل سجلت (فيدويا) مع وضع شعار مجسم المهرجان على الطاولة التي يجلس خلفها، واستمع للرسالة جمع كبير احتشد على مدرجات المسرح البابلي الذي أقيمت فيه اغلب الفعاليات الفنية .
جهد استثنائي كبير جدا لا طاقة لعدد من القائمين على إدارة المهرجان من النهوض بها ولكنهم نجحوا نجاحا ملفتا كما رأيت ولمست ، ليس سهلا ان توجه دعوة ل ١٢٠ مثقفا عالميا وعربيا وعراقيا يعيش في خارج العراق، غير المشاركين من المثقفين داخل العراق، وهنا أشير لحجم الأموال التي صرفت لتذاكر طيران ،واجور فنادق خمسة نجوم ،واجور نقل داخل العراق ،ومصاريف أخرى هدايا نقدية للمشاركين، قبالة قلة المال المقدم من الداعمين للمهرجان إزاء المصروفات المالية التي ذكرتها انفا .
لم تطرق أسرة المهرجان ممثلة برئيسه الدكتور علي الشلاه أبواب الحكومة العراقية ، ولا أبواب الأحزاب السياسية لدعم فعاليات المهرجان ماديا حفاظا على استقلالية القرار ، وضمان عدم التدخل لفرض رغبات حزبية أو حكومية تؤطر لصالح الجهات التي ذكرت ، ولا يخفى على اللبيب أن مجمل فعاليات المهرجان أضافت للعراق وللعراقيين ورؤية عالمية وعربية جديدة تضاف لإرثه الحضاري الكبير .
ربما انتصر كثيرا لأمسية الشعر الشعبي الذي أراد لها وتحدث عنها الدكتور علي الشلاه رئيس المهرجان ،داعيا المؤسسات الثقافية الرسمية والجامعات العراقية النظر بعين الحقيقة لهذا الضرب الثقافي الذي بسط بهيمنته حضوريا على المشهد الثقافي العراقي الشعبي لو صح لي هذا التعبير، كانت جلسة أعدُها عين قلادة المهرجان وواسطة عقده .
كل مهرجان صغيرا ام كبيرا لا يخلو من بعض هفوات غير مقصودة، والهفوات التي ربما أشير لها ممثلة باختيار مكان معرض الكتاب اولا ،ومكان عقد فعاليات المهرجان ثانيا، علما ان المكان واحد وداخل منتجع بابل، وذكرت كيف لاقى المواطن البابلي والمواطن القادم من المحافظات العراقية الأخرى صعوبة الوصول لمنتجع بابل، ناهيك عن الطوق الأمني المبالغ فيه كثيرا مما عقد سبل الوصول للفعاليات، واقترحُ للسنين القادمة ان نجد المكان الذي يليق بمهرجان بابل وجمهور بابل ومثقفي بابل.
وميزات المهرجان كثيرة جدا يمكن المرور عليها سراعا وهي التلاقح المعرفي والثقافي بين مثقفين عرب وأجانب، تحاورتُ مع الدكتور الروائي واللغوي التونسي شكري المبخوت ونقل لي كيف تلقى تحذيرا بمقدمه للعراق، وقالوا له أن العراق لا يزال بؤرة للإرهاب والذبح الطائفي المقيت، ورأى ولمس غير ذلك وسيعود لبلاده مرآة ناصعة لما وجده عند العراقيين الذين احتفوا به وكرموه ، وليس رأي الدكتور المبخوت لوحده ،بل هو رأي كل الضيوف العرب والأجانب .
ولا يمكن إلا أن نقف أمام التجربة العربية المصرية الكبيرة ممثلة بالمخرجة إيناس الدغيدي وحديثها بندوة مركزة عن رؤياها لإخراج الأفلام المصرية العالمية ،وانتقائها وتركيزها على النهايات الاخلاقية بمشروعها للإخراج السينمائي .
كحلي بابلي ومن باب العرفان بالجميل اشكر أسرة المهرجان الذين تواصلوا مع المثقفين ،وتوجيه الدعوات لهم ،وعدم التقصير بتقديم الخدمات المطلوبة للضيوف الأعزاء ، وأخص بالذكر الدكتور علي الشلاه رئيس المهرجان والدكتور سيف الشلاه وكافة الأصدقاء من أسرة المهرجان الذين كان لهم البصمة الواضحة لنجاح فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون والآداب العالمية بنسخته التاسعة.
العراق / بابل / الحلة