السيمر / الثلاثاء 14 . 06 . 2016
نــــــــــزار حيدر
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
٢/ حِمايَةُ المستضعفين في المجتمعِ، فقد قال تعالى {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} الامر الذي يلزم، لتحقيقهِ، ان نُحيي مبدأ التّكافل الاجتماعي ونظام الحماية الاجتماعيّة.
لا ينبغي أبداً ان نتجاهل الطبقات الضّعيفة في المجتمع، خاصّة الأطفال اليتامى، وأَطفال الشّوارع الذين يكونون عُرضةً للاستغلال السيّء بكلّ اشكالهِ، الجنسي منه والتجنيد في شبكات الموت [المخدّرات] وجماعات العُنف والارهاب، وغير ذلك.
ان حالة اليتيم في المجتمع هي المقياس الحقيقي للتّكافل الاجتماعي والاخلاق والرّحمة، فاذا وجدتهُ ضائعاً في الشّارع يستجدي المارّة، فاعلم انّ اخلاق الشّوارع هي الحاكمة في المجتمع، امّا اذا رأيتَ اليتيم معزّز ومُكرّم ومحميّ لا يشعر بثقل فقدان والدَيهِ او أَحدهما فاعلم انّ المجتمع تحكمهُ الأخلاق الرّاقية وعلى رأسها الرّحمة والتسامح والتَّكافل الاجتماعي.
ولهذا السّبب حدّثنا القرآن الكريم كثيراً عن اليتامى، وأَوصانا بالطّبقة الضعيفة والمستضعفة في المجتمع كقوله عز وجل {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وقوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ} وقوله {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} {وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} وقوله {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وفي خطبتهِ التي استقبلَ بها شهرُ الله الفضيل، شهرُ رمضان المبارك، يَقُولُ رَسُولُ الله (ص) {واذكروا بجوعِكم وعطشِكم فيه جوعَ يَوْمِ القيامةِ وعطشهِ وتصدّقوا على فقرائِكم ومساكينِكم ووقّروا كباركُم وارحموا صغاركُم وصِلوا أرحامكُم واحفَظوا ألسنتكُم وغضّوا عمّا لا يحلُّ النظرَ إليه أبصاركُم وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكُم وتحنّنوا على أيتامِ النّاسِ يُتحنَّنُ على أيتامكُم وتوبوا إلى الله من ذنوبكُم وارفعوا إليه أيديكُم بالدّعاء في أوقاتِ صلواتِكم فإنّها أفضلُ السّاعات ينظرُ الله عز وجل فيها بالرّحمةِ إلى عبادهِ، يُجيبهُم إذا ناجَوه ويُلبّيهم إذا نادَوه ويستجيبُ لهم إذا دَعَوه} وهو القائلُ (ص) حاثّاً على كفالة الأيتام {أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى}.
امّا أَميرُ المؤمنين (ع) فلقد أوصى الحسنَين عليهُما السّلام بقولهِ (ع) {اللهَ اللهَ فِي الاَْيْتَامِ، فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ، وَلاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ}.
وعن الطّبقة الضّعيفة والمستضعفة في المجتمع يقول أَميرُ المؤمنين (ع) في عهده للاشتر {ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِين وَالْـمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى، فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظْ لله مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسمْاً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الاِْسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد، فإِنَّ لِلاَْقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلاَْدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ، فَلاَ يَشْغَلنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ التَّافِهَ لاِِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ.
فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لاُِولئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُع، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بَالاِْعْذَارِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الاِْنصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيهِ.
وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَى أَقْوَام طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ.
وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(عليه السلام)يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: “لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع”}.
للأَسف الشّديد فانّ مجتمعنا تزداد فيه الطّبقة المسحوقة يوماً بعد آخر، كما انّ أَعداد الأيتام والأرامل في تزايدٍ مستمرٍّ بسبب ما ورثناهُ من دمارٍ مجتمعي خلّفتهُ لنا سياسات نظام الطّاغية الذّليل صادم حسين الذي تركت حروبهُ العبثيّة اكثر من مليون يتيم وأرملة، زادت عليها السّياسات الفاشلة للدّولة والتي لم تحقّق الحدّ الأدنى من أسباب العيش الكريم والعدالة الاجتماعيّة، من جانبٍ، وبسبب الارهاب الذي لازال يحصد أَرواح الابرياء بلا رحمةٍ، من جانبٍ اخر.
والحمدُ لله فانّ المجتمع يتحمّل اليوم مسؤوليتهُ إِزاء هذه الطّبقات الضّعيفة والمسحوقة، فمؤسّسات رعاية الأيتام والأرامل وضِعاف الحال مُنتشرة في كلّ مجتمعنا، فهي تتبنّى الأيتام وأُسَرهِم بشكلٍ مشهود ما يقلّل ويخفّف من معاناتهِم ويساهم في إِعادة التّوازن لحال المجتمع الذي اتَّسعت فيه الطبقيّة الاجتماعيّة بشكلٍ مُلفت للنّظر بسبب سياسات الدّولة غير العادلة، ولكن، مع وجود كلّ هذا الجهد المجتمعي الذي يتبنّى الطّبقة الضعيفة الا انّنا نحتاج الى المزيد من هذا الجُهد، لانّ تضييع حقوق هذه الطّبقة يدمّر المجتمع على المستوى البعيد، ويكونُ سبباً مُباشراً لرفع رحمة الله تعالى عن المجتمع، وفي الحديث الشّريف {إِرحَم مَن في الأَرْضِ يرحمُكَ مَن في السّماء} فكيفَ سننتظر رحمة السّماء وشآبيب رحمة الله عزَّ وجلّ اذا ضاعَ الأيتام في حضرتِنا؟!.