السيمر / فيينا / الأربعاء 05 . 10 . 2022
سليم الحسني
لم أرغب بإزعاجك أو أجعلك تغضب كل هذا الغضب فترمي عدة أشخاص بأنهم السبب وراء مقالي السابق عنك. وما كنتُ أظنّ أن مقالاً فيه تذكير ونصح يضيق به صدرك فيصبح حرجاً. لم أرمِك بباطل القول، ولم ألصق بك ما ليس فيك. لقد وضعتُ حالك أمامك، على أمل أن تنظر اليه فترى دورة الزمان التي غيّرتك عن ماضيك. لقد اسمعتك صوت الضمير بداخلك قبل أن يتلاشى، عسى أن تسمع رجْعَ الصوت فتترك طموحك الجامح، وتسلك درب الواقعية والتواضع.
أنت يا أبا حسن مسحور بعالم لم تُخلق له. أنت مسكون بأحلام استعرتها من رأس رجل آخر. ولو أنك جلستَ مع نفسك لوجدتَ ما أقوله لك هو الحقيقة عاريةً من الملق والمجاملة والخداع.
لا تجلس مع نفسك لتراجع حالك. إسأل الناصحين من غير المقربين منك. إسأل السابقين من أصدقائك أيام سنوات الجهاد والقلوب النظيفة، واسمع ما يقولون. إني على ثقة بأنك ستسمع كلامي مكرراً على ألسنتهم.
هناك أمور لا يمكن أن يحجبها الكلام مهما تغطت الكلمات بالستائر. هناك طموحات مهما حاولتَ أن تخفيها، يطلّ رأسها صارخاً بما تريد. والأهم من هذا وذاك، هناك حقيقة ساطعة لا يمكنك أن تحجبها.. الحقيقة هي أنك لا تصلح لمنصب رئيس الوزراء إذا أردنا للعراق أن يتعافى بعض الشيء. أما إذا كنتَ تريده أن يستمر في التردي فأنت لا تختلف عن الكاظمي في دفعه نحو الانهيار السريع.
لم أظلمك في مقالي السابق. لقد أنصفتك حين تحدثتُ عن تاريخك البطولي مجاهداً شجاعاً ثابتاً. وعندما كتبتُ عن إخلاصك في الولاء للإمام الخميني والثورة الإسلامية، فقد كنتَ ذائباً عن قناعة ويقين بهذا الخط الثوري.
لم أطعنْ بشخصك عندما كنتَ هادي العامري البسيط المتواضع الذي احترمَ قدراته وقدّرها حق قدرها فعاش السياسة من هامشها، مبتعداً عن تعقيداتها وصعوباتها وحواراتها مع رجال الأحزاب والكيانات الضالعين بالعمل السياسي من شيعة وسنة وكرد في ساحات المعارضة العديدة.
لقد حصلتَ على حبّ الشيعة في أيام الجهاد ضد تنظيم داعش الإرهابي، وسمّوك شيخ المجاهدين، وكان ذلك أكبر وسام وأرفع منصب لو أنك عرفتَ قيمته وحفظتَ سمعته. لكنك وللأسف صيّرته سلّم مجد ومعبر طموح، فضاع منك حبّ الناس، وتحوّل عنوان شيخ المجاهدين الى كلمة تندّر.
صدقني، إنني أشعر بالحزن الثقيل حين أقرأ وأسمع ما يُقال عنك، وأحزن أكثر عندما أقارن بين حالك اليوم وحالك بالأمس. وكثيراً ما أقول عنك وعن غيرك من رجال زمن النضال الصادق، لقد خسر العراق صدقهم القديم، وخسر الشيعة إخلاصهم السابق. ولو أنهم حفظوا تاريخهم وحرصوا على سمعتهم لكان العراق بأحسن حال بعد سقوط نظام البعث. لكنها عثرة السلطة والمال التي أسقطتْ معظمهم في أتعس حفرة، فمحتْ تاريخهم، وكتبتْ حاضرهم ومستقبلهم بلعنات الفقراء.
بمقدورك أن تنجح في مجالات أخرى. يمكنك أن تتفرغ لخدمة عوائل الحشد الشعبي، تبحث عن محتاجيهم وجرحاهم وعوائل الشهداء منهم. ترعى أيتامهم وتعمل على حفظهم من منزلقات الحياة وانحرافاتها. وتلك خدمة جليلة أنت قادر عليها.
اتركْ السياسة يا هادي العامري، وابتعدْ عنها قدر ما تستطيع، فالشيعة أنهكتهم الأزمات وشطرتهم المخططات وأرهقهم الوضع المتردي. رفقاً بهم مما تطمح اليه. لقد أخذتَ نصيبك مضاعفاً مئات المرات من المال والنفوذ، فدعْ ما أنت فيه واعتزْل.
٤ تشرين الأول ٢٠٢٢