السيمر / فيينا / الاثنين 16 . 01 . 2023
عبد الخالق الفلاح*
تُعَدّ المعضلة الأمنية أحد الظواهر السياسية التي تخضع لقانون التغير والتفاعل المتبادل مع غيرها من الظواهر وكلمة الأمن لها معاني عديدة في اللغة وجميعها تتفق على أن الأمن هو تحقيق الطمأنينة والسكينة والاستقرار لكل من الفرد والمجتمع عامة ، يعني عدم الخوف من أي تهديد للفرد داخل مجتمعه والدول إذا لم توفر الأمن الداخلي والخارجي لاي دولة فأنها لن تتقدم ولن تنهض و لا تتطور وسيكون الخوف هو أحد سمات مواطنه ، وبالنسبة للمعنى الاصطلاحي لكلمة الأمن فهو مجموعة من الإجراءات الأمنية التي يتم إتباعها لحماية الدولة بجميع أجهزتها مع تأمين المنشآت والمصالح الخاصة بها والعمل على حماية مواطنيها سواء كان ذلك داخل الدولة أو خارجها.
الحياة قد تطورت من حولنا و تم استحداث أسماء كثيرة للأمن ومنها الأمن الدولي والأمن الفكري والأمن القومي والأمن المائي و الأمن الإقليمي وغير ذلك من مسميات بكثرة الدراسات التي عالجت الظاهرة، لا يزال مفهوم الأمن يثير اهتمام الباحثين في المسائل الأمنية، ولا يزال الخلاف مستمرًّا بشأن المرجعية ووحدة التحليل التي تنطلق منها المقاربات الأمنية، على الرغم من الإجماع حول أهمية وضرورة الاهتمام بالمسألة الأمنية .
أن أهمية دراسات الأمن تكمُن في قدرتها على تحديد عناصر الضعف الإستراتيجي ، من أجل العمل على تخطيها عبر اتخاذ إجراءات وقائية تضمن ألّا يكون ذلك مصدرًا لإشكاليات داخلية أو خارجية وقد تكون مُدمِّرة و للأمن الوطني مفهومان، أحدهما ضيق، يقتصر على حماية التراب الوطني، وكيان الدولة، ومواردها من الأخطار الخارجية، والثاني أوسع، يمتَدّ من الجبهة الداخلية، وحماية هوية المجتمع وقِيَمه، ويؤمّن المواطن ضد الخوف والفاقة، ويضمن له حدًّا أدنى من الرفاهية والمشاركة السياسية
رغم إن تأثير وسائل الإعلام على الأمن وإن اختلفت وسائله التقليدية؛ إلا ان تأثيره على الجمهور كبير وبلا شك فقد احدثت ظهور وسائل الإعلام الجديدة تحوًلا نوعي ادا الى تحديات وتهديدات على الأمن وفي المجتمع، حيث خلق عدى الاختراق الإعلامي، والغزو الثقافي، الحرب النفسية، والدعاية المضللة، ولعل أهم مهددات الأمن الناتجة عن تأثير الشائعات تتمثل في مجالات عدة من أهمها نشر ثقافات مختلفة، مثل ثقافة العنف والإرهاب، وروج لثقافات جديدة مثل ثقافة إسقاط الأنظمة، وثقافة خلق الفوضى، وثقافة خلق الفتنة الطائفية وتأجيجها، وذلك من خلال مداخل متباينة لتدمير النظام القيمي وتهديد السلم الاجتماعي، والعمل على هدم الروح المعنوية من خلال نشر مشاعر الإحباط، فضًلا عن خلق حالة التشكيك في مؤسسات الدولة ورموزها.
لم يقتصر مفهوم الأمن على الإجراءات التي تتخذها الدولة فحسب؛ بل شمل وامتد لمعاٍن جديدة، مثلما يعرف بالأمن الاقتصادي والاجتماعي والغذائي؛ فالأمن في مفهومه الواسع لا يمكن أن ينحصر في مجرد التحرر من التهديد العسكري الخارجي، كما يمكن تحديد مفهومه بسلامة الوطن وأراضيه وسيادته، وإنما امتد إلى آفاق تشمل معاني الاستقرار السياسي والنفسي للمجتمع؛ حيث إن الأمن يرتبط بعلاقة ديناميكية جدلية بين الاستقرار الداخلي والعدو الخارجي، ولا يمكن الفصل بين الأمنين الداخلي والخارجي.
تختلف نظريات الأمن حول كيفية تحقيق أمن الدولة، بين: الأمن من خلال الصراع، والأمن من خلال التعاون الدولي ، وتنطلق النظرية الأولى من مفهوم القوة وضرورة العمل على ازدياد قوة الدولة باستمرار، وأن مصالح الدول من خلال حماية الأمن القومي تكون من خلال القوة والصراع وغاياتها المختلفة فيما بينها، أما النظريات الثانية فلا ترى حتمية تناقض الأهداف بين الدول المختلفة، وتنبه إلى الآثار المترتبة على الاستمرار في عملية تراكم القوة وما قد ينشب من حروب وصراعات بسببها، وأنه يمكن تصور تحقيق الأمن من خلال التعاون الدولي، وهذا هو الأساس النظري لمفاهيم الأمن الجماعي وضبط السلاح أو الحد من التسلح .
*باحث واعلامي