السيمر / فيينا / الثلاثاء 16. 05 . 2023
تتجه تركيا، بعد اليوم الطويل الذي عاشته الأحد، إلى جولة إعادة جديدة للانتخابات الرئاسية، وبينما ستكون هذه الخطوة الاختبار الأول من نوعه الذي ستعيشه البلاد، فإن السباق في البرلمان حسم لصالح تحالف “الجمهور” الحاكم، الذي نجح في الحفاظ على أغلبيته.
وستكون جولة الإعادة، المقررة في الثامن والعشرين من مايو الحالي، محصورة بين شخصين فقط، هما رجب طيب إردوغان ومنافسه مرشح تحالف “الأمة” المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، على أن يختار الناخبون في الداخل والخارج واحد منهما لمنصب الرئيس الثالث عشر، وبولاية تمتد لخمس سنوات.
وتشير المعطيات والأرقام والأجواء التي سادت على مدى الساعات الـ48 الماضية إلى أن حظوظ إردوغان في جولة الإعادة ستكون أكبر عن تلك الخاصة بكليتشدار أوغلو، ومع ذلك لم يستسلم الأخير، وأعلن عبر حسابه في “تويتر” أنه “سيقاتل حتى النهاية”.
واعتبر أيضا في تغريدة صباح الثلاثاء أن “أولئك الذين يريدون التغيير في البلاد هم الآن أكثر من أولئك الذين لا يريدون التغيير”، في إشارة منه إلى النسبة التي كسبها، التي تقل عن إردوغان بخمسة بالمئة (44.89 مقابل 49.50).
وفي الوقت الحالي تتكرر استعدادات الأحزاب السياسية المنضوية في التحالف الحاكم (الجمهور)، أو ضمن تحالف المعارضة (الأمة) لخوض الجولة الثانية.
وستتميز هذه الجولة بخاصية “استثنائية” كونها الأولى من نوعها التي ستشهدها البلاد، بينما سيلعب فيها المرشح الرئاسي الخاسر سنان أوغان “دورا محوريا”، بحسب ما يرى البعض من الكتّاب الأتراك، وما تحدث به لوسائل إعلام غربية وتركية.
“أصداء بين شوطين”
ووفق ما نشرته الصحف التركية بكافة توجهاتها، يوم الثلاثاء، انقسمت الأصداء بين مجموعة من المحددات التي حللها المراقبون والكتّاب.
وبدا لافتا من خلال المقالات التي نشروها تركيزهم على صعود الدور القومي في البلاد، سواء ضمن التحالف الحاكم والمعارض، والدور الذي ستلعبه هذه الفئة في مرحلة ما بعد الكشف عن نتائج الإعادة.
وفي غضون ذلك ركّزت الصحف وكتاب العمود على دور سنان أوغان في المرحلة المقبلة، وما إذا كان بالفعل سيكون “صانع ملوك” أم لا، والأهداف التي يريدها من كل الاشتراطات التي تحدث عنه، والجهة الأكثر حظوظا التي ستستقر أصواته فيها.
علاوة على ذلك، شرّح صحفيون ومحللون الوضع الحالي للمعارضة ومرشحها كليتشدار أوغلو، والتحديات التي بات واضحا أنه سيواجهها في جولة الإعادة، وفي الوقت ما بين الشوطين، المحدد بأسبوعين فقط.
وتقول الكاتبة والصحفية هاندي فيرات في صحيفة “حرييت” إن “إحدى النتائج الأكثر لفتا للانتفاه في انتخابات عام 2023 هي بلا شك صعود أصوات القوميين.
وتوضح: “عندما ننظر إلى أغلبية أعضاء البرلمان لتركيا ونتائج الانتخابات العامة، فإن أصوات القوميين هي بلا شك الفائزة في الانتخابات”.
ويأتي ذلك بسبب “رد الفعل على الدعم السري المقدم لتحالف الأمة” من حزب “الشعوب الديمقراطي” الكردي، الذي تتهمه الحكومة بالارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني”.
“هذه هي عواقب إجبار الناس على اتخاذ قرارات بشأن أمور الحياة أو الموت”، حسب تعبير فيرات، وتضيف من جانب آخر أن “العناوين التي نشرتها وسائل إعلام غربية ضد إنجازات الجمهورية التركية بأكملها من خلال العداء لإردوغان مقدر لها أن تأتي بنتائج عكسية أيضا”.
وكان لافتا، ووفقا للنتائج التي أعلنها “الهيئة العليا للانتخابات” ظهر الاثنين، تسجيل الأحزاب القومية في تركيا من كلا التحالفين أكثر من 22.26 بالمئة من إجمالي الأصوات في الانتخابات البرلمانية.
وذلك ما انطبق على حزب “الحركة القومية”، الذي خالف التوقعات بتخطيه العتبة الانتخابية لدخول البرلمان، إذ كسب نسبة 10.07 بالمئة، وحجز له 50 مقعدا. أما أوغان وتحالفه ورغم أن نسبتهم استقرت على 5 بالمئة في انتخابات الرئاسة، إلا أن زعيم “حزب النصر” أوزداغ فشل في حجز مقعد داخل البرلمان عن مدينة غازي عنتاب.
ويشير إلى ذلك الكاتب التركي، برهان الدين دوران في صحيفة “صباح”، بقوله: “من النتائج المهمة الأخرى للانتخابات ثقل الناخبين القوميين في المعادلات السياسية”.
ويوضح أن “حزب الحركة القومية حصل على 10 في المئة، مما فاجأ بعض منظمي الاستطلاعات مرة أخرى”.
في المقابل حصل “حزب الجيد”، حليف كليتشدار أوغلو، على ما يقرب من 10 بالمئة، وأظهر أوغان أن “الجولة الثانية ستشكل من قبل الناخبين القوميين”، وفق دوران.
ويشير الصحفي التركي ليفنت كمال إلى أن “التصويت القومي لم يكن متوقعا من قبل أي من الجانبين”.
ومع ذلك، فإن “فترة الدعاية العدوانية المتبادلة للكتلتين الرئيسيتين (تحالف الجمهور والأمة) تضمنت أمورا أزعجت الكتلة القومية المتطرفة من أجل تعزيز قاعدتهم، مما أدى إلى هذه النتيجة”، وفق كمال.
ما دور أوغان؟
ورغم أنه خرج من السباق الرئاسي في الجولة الأولى، ولن تكون له أي حظوظ في الثانية، بعدما حسمت “الهيئة العليا” السباق بين إردوغان وكليتشدار أوغلو، إلا أن سنان أوغان يرى الأمور مغايرة لذلك.
وخلال الساعات الماضية صوّر نفسه على أنه “سيحدد نتيجة الجولة الثانية”، بناء على النسبة التي حازها والتي تجاوزت 5 بالمئة.
وفي حين توقع مراقبون أن يكون لأوغان دور بالفعل في انتخابات الإعادة استبعد آخرون هذا الأمر، بالنظر إلى بنية الكتلة التصويتية التي صوتت له.
وكتب الصحفي في جريدة “حرييت”، عبد القادر سيلفي أن “عامل سنان أوغان الذي ارتقى إلى مركز رئيسي بعد انسحاب محرم إينجه سيكون مهما”.
ومع ذلك “لا ينبغي لأحد الاعتقاد بأن الأصوات المدلى بها لسنان أوغان هي أصوات صلبة”، في إشارة إلى أن مرشح “تحالف الأجداد” كسب الأصوات لاعتبارات تتعلق بانسحاب إينجه، وأخرى بتوجه ناخبين إليه، لا يرغبون بالتصويت لإردوغان وكيلتشدار أوغلو.
ويرى الكاتب سيلفي أنه “لا يوجد عمل سهل لأحد في الجولة الثانية، ومع ذلك يعتبر إردوغان أكثر حظوظا من كليتشدار أوغلو”، بينما يحتاج لتطوير استراتيجيات جديدة خلال الأسبوعين المقبلين، لكسب الناخب الكردي في إسطنبول.
ومن المقرر أن يعقد أوغان اجتماعا مع الرؤساء العامين لـ”حزب النصر”، و”حزب العدالة” ضمن “تحالف الأجداد” المرشح عنه.
كما سيلعب موقف أوميت أوزداغ، زعيم “حزب النصر”، دورا رئيسيا في هذه العملية، أي بالخيارات التي سيتم اتخاذها في جولة الإعادة.
وذكر الصحفي أوموت إرديم في صحيفة “حرييت” أن “أوغان سيتوجه إلى قاعدته بعد اجتماع الرؤساء العامين، وسيعقد لقاء مع قادة الرأي الذين وقعوا على ترشيحه للرئاسة، وعلى إثر ذلك سيتم تحديد خارطة الطريق لعملية الـ 14 يوما المقبلة”.
وأوضح الصحفي التركي، ليفنت كمال، أنه ورغم أن أصوات أوغان تبدو كردة فعل، إلا أن الواضح أنه “سيستخدم 2 مليون و 800 ألف صوت حصل عليها للتفاوض مع المرشحين اللذين تُركا للجولة الثانية”.
“بدون حزب الشعوب الديمقراطي، فإن أصوات أوغان لا معنى لها بالنسبة للمعارضة، لكن بدون تصويت أوغان، من المستحيل أيضا على كليتشدار أوغلو أن يفوز على إردوغان”،
ويتابع كمال: “ومع ذلك يمكن لإردوغان بسهولة إقناع مؤيديه المخلصين والتوصل إلى اتفاق مع أوغان بشأن قضية اللاجئين، كما هو الحال في العديد من القضايا الأخرى”.
ماذا عن المعارضة؟
وتبدو الصورة ضبابية ضمن أوساط المعارضة بعد الإعلان عن نتائج الجولة الأولى وعدم التمكن من تحقيق أغلبية في البرلمان. ومع ذلك ما يزال يؤكد كليتشدار أوغلو على مساعيه للفوز، وأيضا باقي أعضاء تحالفه المعارض.
وكما هو الحال بالنسبة للصحف التركية المقربة من الحكومة أفردت وسائل إعلام وصحف مقربة من المعارضة تحليلات أولية عن النتائج المعلن عنها، والأخرى المتوقعة بعد أسبوعين.
واعتبر الصحفي مراد يتكين أن “كليتشدار أوغلو ترك بمفرده، على الرغم من في حوله”.
ويقول في مقالة نشرها عبر مدونته الخاصة، الثلاثاء: “حاليا المشهد السياسي في صالح إردوغان، بل إنه أكد في خطابه في الشرفة أن السيادة البرلمانية تعني الاستقرار”.
ومع ذلك “إن أوضح مثال على كيف يمكن للرياح أن تغير اتجاهها في السياسة شوهد يوم 14 مايو”، في إشارة من يتكين إلى الفرص التي لا تزال بيد تحالف المعارضة.
ويضيف: “اجتمع قادة الأحزاب الستة فقط من أجل الوعد بالفوز في الجولة الثانية؟ ألم يكن بإمكانهم إظهار الوحدة من قبل والتدخل بفعالية في الجولة الأولى؟”.
“لم يكن كليتشدار أوغلو ليحصل على هذا العدد الكبير من الأصوات لولا دعم حزب الشعوب الديمقراطي أولا، ثم حزب اليسار الأخضر وحزب العمال التركي”.
ويرى الكاتب أن “مجلس الأمة الذي تشكل بعد انتخابات 14 مايو هو البرلمان الأكثر قومية ومحافظة في تاريخ جمهورية تركيا”.
ويوضح: “دخل للبرلمان 14 نائبا من حزب علي باباجان و10 من حزب داوود أوغلو و10 من حزب السعادة. وهذه الأرقام جميعها من قوائم حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه كليتشدار أوغلو”.
من جهته، يقول الكاتب محمد تيزكان في موقع “هالك تي في”: “لم يكن لدى باباجان ولا داود أوغلو قاعدة، ولم يتمكنوا من جر أي شخص من حزب العدالة والتنمية من بعدهم”.
واعتبر أنهم “بالونات منفوخة، وقاموا بتسويق أنفسهم بشكل جيد!”، في وقت “لم يتمكنوا من جلب ناخبين محافظين مخلصين أو يتمكنوا من إقناع هذه الفئة”.
“الضحية الوحيدة”
وفي غضون ذلك أوضح الكاتب عبد القادر سيلفي أن حلفاء كليتشدار أوغلو، وهم “جولتكين أويصال وداوود أوغلو وباباجان فازوا في مقاعد برلمانية من قوائم حزب الشعب”.
وكذلك الأمر بالنسبة لمصطفى ساريغول الذي دخل للبرلمان بعد 29 عاما، من قوائم “حزب الشعب الجمهوري” أيضا.
واستمرارا لمهمة والده السياسية، نجح فاتح أربكان في دخول البرلمان، بعدما دخل ضمن القائمة المشتركة لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم.
واعتبر سيلفي أن “الضحية الوحيدة لهذه الانتخابات هو محرم إينجه”.
ويقول: “كان يدير حملة انتخابية نظيفة للغاية، وواصل ادعائه على حساب تعرضه لعمليات قتل سياسي من قبل أعضاء حزب الشعب الجمهوري، لكنه قرر الانسحاب من الانتخابات بالشريط الذي أنتجته منظمة فيتو”.
ويعتقد الكاتب أن “إينجه كان سيكبر لو قاوم وتحدى، لكنه اختار الانسحاب”.
وأشار الكاتب في صحيفة “جمهورييت”، أتول بيهرام أوغلو، إلى أن “طاقة محرم إينجه، الذي أعتقد أنه في قلب مكسور في الوقت الحالي، يجب بالتأكيد إحضارها إلى تحالف الأمة إذا كان ذلك ممكنا”.
ويقول: “بما أن غالبية أعضاء البرلمان ستكون في تحالف الجمهور، لا ينبغي أن يكون الرئيس واحدا منهم”، داعيا “مرشح تحالف المعارضة أن يتخذ خطوات مهمة لإخراج البلاد من المأزق”، حسب تعبيره.
أما الكاتب التركي، برهان الدين دوران، فأوضح أن “إردوغان سيذهب إلى الجولة الثانية بـ3 مزايا على الأقل، هي الأغلبية في البرلمان والمركز الأول في انتخابات الرئاسة الأولى والتقدم الواضح”.
واعتبر دوران أنه “ومع الإقبال الحالي من المتوقع أن يفوز إردوغان، الذي يحتاج إلى 0.5 في المائة من الأصوات الإضافية، بسهولة في الجولة الثانية”.
المصدر / الحرة