فيينا / الأربعاء 05 . 06 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: وصل الاتصال: اتحاد الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفي الدائرة، ويضاد الانفصال، ويستعمل الوصل في الأعيان، وفي المعاني. يقال: وصلت فلانا. قال الله تعالى: “ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل” (البقرة 27)، وقوله تعالى: ﴿إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق” (النساء 90) أي: ينسبون. يقال: فلان متصل بفلان: إذا كان بينهما نسبة، أو مصاهرة، وقوله عز وجل: “ولقد وصلنا لهم القول” (القصص 51) أي: أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض، وموصل البعير: كل موضعين حصل بينهما وصلة نحو: ما بين العجز والفخذ، وقوله: “ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام” (المائدة 103) وهو أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلا يذبحون أخاها من أجلها، وقيل: الوصيلة: العمارة والخصب، والوصيلة: الأرض الواسعة، ويقال: هذا وصل هذا. أي صلته.
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن يصل ومشتقاتها “الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” ﴿البقرة 27﴾ يوصل فعل، الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة، وقد أكَّده بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة. قوله عز وجل “إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا” ﴿النساء 90﴾ يَصِلُونَ: يَصِلُ فعل، ونَ ضمير. يصلون إلى قوم: ينتمون إليهم. لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فلا تقاتلوهم، وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم، كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم، فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم، فلا تقاتلوهم، ولو شاء الله تعالى لسلَّطهم عليكم، فلقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله وقدرته، فإن تركوكم فلم يقاتلوكم، وانقادوا اليكم مستسلمين، فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم. قوله سبحانه “وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ” ﴿الأنعام 136﴾ يصل فعل، وجعل المشركون لله جلَّ وعلا جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام يقدمونه للضيوف والمساكين، وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء لشركائهم من الأوثان والأنصاب، فما كان مخصصًا لشركائهم فإنه يصل إليها وحدها، ولا يصل إلى الله، وما كان مخصصا لله تعالى فإنه يصل إلى شركائهم. بئس حكم القوم وقسمتهم. قوله عز وعلا “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ” ﴿هود 81﴾ يَصِلُوا: يَصِلُ فعل، وا ضمير. قالت الملائكة: يا لوط إنَّا رسل ربك أَرْسَلَنا لإهلاك قومك، وإنهم لن يصلوا إليك، فاخرج من هذه القرية أنت وأهلك ببقية من الليل، ولا يلتفت منكم أحد وراءه، لئلا يرى العذاب فيصيبه، لكنَّ امرأتك التي خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من الهلاك، إن موعد هلاكهم الصبح، وهو موعد قريب الحلول.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ” ﴿الرعد 21﴾ قيل المراد به الإيمان بجميع الرسل والكتب كما في قوله ” لا نفرق بين أحد من رسله” (البقرة 285) وقيل هو صلة محمد وموازرته ومعاونته والجهاد معه عن الحسن وقيل هو صلة الرحم عن ابن عباس. وروى أصحابنا أن أبا عبد الله عليه السلام لما حضرته الوفاة قال أعطوا الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين دينارا فقالت له أم ولد له أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة فقال لها ويحك أ ما تقرئين قوله تعالى ” وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ” الآية وقيل هو ما يلزم من صلة المؤمنين بأن يتولوهم وينصروهم ويذبوا عنهم ويدخل فيه صلة الرحم وغير ذلك عن الجبائي وأبي مسلم وروى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بر الوالدين وصلة الرحم يهونان الحساب ثم تلا هذه الآية. روى محمد بن الفضيل عن موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام في هذه الآية قال: صلة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وهي تجري في كل رحم وروى الوليد بن أبان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له هل على الرجل في ماله سوى الزكاة قال نعم أين ما قال الله ” والذين يصلون “. قوله سبحانه “وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ” ﴿الرعد 25﴾ قد ذكرنا معنى عهد الله وميثاقه وصلة ما أمر الله به أن يوصل ” وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ” بالدعاء إلى غير الله عن ابن عباس وقيل: بقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والمؤمنين عن الحسن وقيل: بالعمل فيها بمعاصي الله والظلم لعباده وإخراب بلاده وهذا أعم ” أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ” وهي الإبعاد من رحمة الله والتبعيد من جنته ” وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ” أي: عذاب النار والخلود فيها. قوله عز وجل “قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا” ﴿القصص 35﴾ والمعنى سنجعله رسولا معك ونؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة وننصرك به “ونجعل لكما سلطانا” أي حجة وقوة وبرهانا “فلا يصلون إليكما ب آياتنا” أي لا يصل فرعون وقومه إلى الإضرار بكما بسبب ما نعطيكما من الآيات وما يجري على أيديكما من المعجزات فيخافكما فرعون وقومه لأجلها وقيل إن قوله “بآياتنا” موضعه التقديم أي ونجعل لكما سلطانا ب آياتنا فلا يصلون إليكما. قوله جل وعلا “مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” ﴿المائدة 103﴾ “ولا وصيلة” وهي في الغنم: كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا وأنثى، قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، عن الزجاج. وقيل: كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع جديا ذبحوه لآلهتهم، ولحمه للرجال دون النساء، وإن كان عناقا استحيوها، وكانت من عرض الغنم، وإن ولدت في البطن السابع جديا وعناقا، قالوا: إن الأخت وصلت أخاها، فحرمته علينا، فحرما جميعا، فكانت المنفعة واللبن للرجال دون النساء، عن ابن مسعود، ومقاتل. وقيل: الوصيلة: الشاة إذا أتأمت عشر إناث في خمسة أبطن، ليس فيها ذكر، جعلت وصيلة، فقالوا: قد وصلت، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإناث، عن محمد بن إسحاق. وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول المجبرة، لأنه سبحانه نفى أن يكون جعل البحيرة، وغيرها، وعندهم أنه سبحانه هو الجاعل والخالق له، ثم بين أن هؤلاء قد كفروا بهذا القول، وافتروا على الله الكذب، بأن نسبوا إليه ما ليس بفعل له، وهذا واضح.