فيينا / الأربعاء 19 . 06 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الام “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ” ﴿المؤمنون 50﴾ وَأُمَّهُ: وَ حرف عطف، أُمَّ اسم، هُۥ ضمير. وجعلنا عيسى بن مريم وأمه علامة دالة على قدرتنا، إذ خلقناه من غير أب، وجعلنا لهما مأوى في مكان مرتفع من الأرض، مستوٍ للاستقرار عليه، فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون. قوله سبحانه “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا” (النساء 23) وَأُمَّهَاتُكُمُ: وَ حرف عطف، أُمَّهَاتُ اسم، كُمُ ضمير. حرَّم الله عليكم نكاح أمهاتكم، ويدخل في ذلك الجدَّات مِن جهة الأب أو الأم، وبناتكم: ويشمل بنات الأولاد وإن نزلن، وأخواتكم الشقيقات أو لأب أو لأم، وعماتكم: أخوات آبائكم وأجدادكم، وخالاتكم: أخوات أمهاتكم وجداتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت: ويدخل في ذلك أولادهن، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة -وقد حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع ما يحرم من النسب وأمهات نسائكم، سواء دخلتم بنسائكم، أم لم تدخلوا بهن، وبنات نسائكم من غيركم اللاتي يتربَّيْنَ غالبًا في بيوتكم وتحت رعايتكم، وهن مُحرَّمَات فإن لم يكنَّ في حجوركم، ولكن بشرط الدخول بأمهاتهن، فإن لم تكونوا دخلتم بأمهاتهن وطلقتموهن أو متْنَ قبل الدخول فلا جناح عليكم أن تنكحوهن، كما حرَّم الله عليكم أن تنكحوا زوجات أبنائكم الذين من أصلابكم، ومن أُلحق بهم مِن أبنائكم من الرضاع، وهذا التحريم يكون بالعقد عليها، دخل الابن بها أم لم يدخل، وحرَّم عليكم كذلك الجمع في وقت واحد بين الأختين بنسب أو رضاع إلا ما قد سلف ومضى منكم في الجاهلية. ولا يجوز كذلك الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها كما جاء في السنة. إن الله كان غفورًا للمذنبين إذا تابوا، رحيمًا بهم، فلا يكلفهم ما لا يطيقون.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿المائدة 17﴾ عنى بذلك أنه لو كان المسيح إلها، لقدر على دفع أمر الله تعالى، إذا أراد إهلاكه، وإهلاك غيره، وليس بقادر عليه، لاستحالة القدرة على مغالبة القديم، أي: فكيف يجوز اعتقاد الربوبية فيه، مع أنه مسخر مربوب مقهور؟ وقيل: معناه إن من قدر على هذا، لم يجز أن يكون معه إله. قوله تعالى “مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” ﴿المائدة 75﴾ “وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ” لأنها تصدق بآيات ربها، ومنزلة ولدها، وتصدقه فيما أخبرها به، بدلالة قوله “وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا” عن الحسن، والجبائي، وقيل: سميت صديقة لكثرة صدقها، وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز من قائل “وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ” ﴿عبس 35﴾ لا أحباب ولا أنساب يوم القيامة لأن كل إنسان مشغول بنفسه منصرف لما هو فيه عن غيره.. هذا، إلى انه أعزل من كل شيء. وفيه إيماء إلى ان الذين يحرص الإنسان عليهم في الحياة الدنيا، ويعصي اللَّه من أجلهم لا يغنون عنه شيئا في الآخرة، ولا هو عنهم بمغن شيئا. وفي بعض التفاسير: ان ذكر الأرحام في الآية جاء على الترتيب الطبيعي حيث قدمت الأخ ثم الأبوين ثم الزوجة والولد لأن عاطفة الإنسان نحو أبويه أقوى منها نحو أخيه، وعاطفته نحو زوجته وولده أقوى منها نحو أبويه. فكأنه قال تعالى: يفر المرء من أخيه بل من أمه وأبيه بل من صاحبته وبنيه. قوله عز وجل “وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ” ﴿الأنعام 92﴾ ” ولِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها “. وأم القرى هي مكة، وسميت بذلك، لأن فيها أول بيت وضع للناس لعبادة اللَّه. وزعم بعض المستشرقين، ومن قبلهم اليهود ان محمدا ( صلى الله عليه وآله ) أرسل للعرب فقط، واحتجوا بهذه الآية، وتجاهلوا الآية 107 الأنبياء: “وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ” (الانبياء 107). والآية 28 سبأ: “وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً ونَذِيراً ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (سبأ 28). ومصدر القرآن واحد، وكلامه يفسر بعضه بعضا، وهاتان الآيتان بيان لقوله تعالى: “ولِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها” وان المراد به أن تبدأ دعوة الإسلام أول ما تبدأ في بلد صاحبها مكة، حتى إذا صار لها أتباع وأنصار بشروا بها في أرجاء العالم، كأية دعوة عامة تبتدئ، حيث تولد، ثم تنطلق إلى سائر الأقطار.
جاء في البوابة الالكترونية لصحيفة الوفد عن تعظيم الإسلام لمكانة الأم في المجتمع للكاتب احمد الجعفري: أوصانا الله عز وجل بالأم وعَظم مكانتها وأكد الإسلام على فضل الأمر ومكانتها، وكرر تلك الوصية في القرآن الكريم، “ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون” (لقمان 14-15) وقدس والإسلام رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات، فحرم الزواج من الأمهات “حُرمت عليكم أمهاتكم” (النساء 23). كما بيّن أن رباط الزوجية لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة أبداً، وشتان بينهما “وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن” (الاحزاب 4). وأوجب الله سبحانه وتعالى للأم ميراث ولدها إن مات في حياتها كما أوجب له ميراثها إن ماتت في حياته. قال سبحانه وتعالى “فإن لم يكن له ولد ووَرِثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس” (النساء 11).
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله سبحانه وتعالى “وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل 78) أى: والله تعالى وحده هو الذي أخرجكم أيها الناس من بطون أمهاتكم إلى هذه الحياة، وأنتم لا تعلمون شيئا لا من العلم الدنيوي ولا من العلم الديني، ولا تعرفون ما يضركم أو ينفعكم، والجملة الكريمة معطوفة على قوله تعالى قبل ذلك: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً. وجملة (لا تعلمون شيئا) حال من الكاف في (أخرجكم). وقوله سبحانه” وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل 78) نعمة ثانية من نعمة الله سبحانه التي لا تحصى. أى: أن من نعمة الله تعالى أنه أخرجكم من بطون أمهاتكم بعد أن مكثتم فيها شهورا تحت كلاءته ورعايته وأنتم لا تعرفون شيئا، وركب فيكم بقدرته النافذة، وحكمته البالغة، (السمع) الذي تسمعون به، والبصر الذي بواسطته تبصرون، (والأفئدة) التي عن طريقها تعقلون وتفقهون، لعلكم بسبب كل هذه النعم التي أنعمها عليكم، تشكرونه حق الشكر، بأن تخلصوا له العبادة والطاعة، وتستعملوا نعمه في مواضعها التي وجدت من أجلها. قال الجمل: وجملة: (وجعل لكم السمع والأبصار) ابتدائية، أو معطوفة على ما قبلها، والواو لا تقتضي ترتيبا، فلا ينافي أن هذا الجعل قبل الإخراج من البطون. ونكتة تأخيره أى الجعل أن السمع ونحوه من آلات الإدراك، إنما يعتد به إذا أحس الإنسان وأدرك وذلك لا يكون إلا بعد الإخراج. وقدم السمع على البصر، لأنه طريق تلقى الوحى، أو لأن إدراكه أقدم، من إدراك البصر. وإفراده أى السمع باعتبار كونه مصدرا في الأصل. جاء في الحديث القدسي (من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب. وما تقرب إلي عبدى بشيء أفضل مما افترضت عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينه، ولئن دعاني لأجيبنه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدى المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولابد له منه). فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة، صارت أفعاله كلها لله، فلا يسمع إلا لله، ولا يبصر إلا لله أى: لما شرعه الله له. وشبيه بهذه الآية قوله تعالى: “قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ” (الملك 24).