فيينا / الجمعة 21 . 06 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
المأمن: هو موضع الأمن أو المكان الآمن، ومنه قول الله تبارك وتعالى: “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ” (التوبة 6). جاء في موقع اسلام ويب عن ألفاظ (الأمن) في القرآن: وردت لفظ (الأمن) في القرآن في نحو سبعة وعشرين موضعاً، و باشتقاقات متعددة منها بمعنى المكان الآمن، ومنه قوله سبحانه: “وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه” (التوبة 6).
قال الله جل جلاله “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ” (التوبة 6) وورد ان هذه الاية المباركة تعتبر حجر الزاوية للتشريع القرآني للجوء، وهو دليل على تشجيع دولة الاسلام على استقبال اللاجئين وحتى لو كانوا مشركين. واكد القرآن الكريم على اللجوء بمعاني مختلفة منها الهجرة والاجارة والأمن والاستضعاف. واللجوء كان حاصلا قبل الإسلام ومن ذلك وردت اهميته في الديانات السماوية التي سبقت الاسلام، فقد لجأ المسلمون الاوائل الى ملك الحبشة فأعطاهم الأمان وحسن وفادتهم. الاستجارة او الاجارة هي من معاني اللجوء المعروف في الوقت الحالي. قرأ غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة الآية السادسة من سورة التوبة في إحدى المؤتمرات الدولية حول اللاجئين قائلا (هذه الآية مثال على التسامح ضد اللاجئين، وجاءت قبل مئات السنين من الاتفاقية الأممية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951).
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ” (التوبة 6) والمعنى: وإن استأمنك يا محمد أحد من المشركين، وطلب جوارك وحمايتك بعد انقضاء مدة الأمان المحددة له، فَأَجِرْهُ أى: فأمنه وأجبه إلى طلبه، “حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ” اللَّهِ أى: لكي يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه من تعاليم مقنعة للعقول السليمة بأن الشرك ظلم عظيم. واقتصر على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم، لأنهم من أهل الفصاحة والبلاغة، وقد كان سماع بعضهم لشيء من كلام الله سببا في هدايته. وقوله: “ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ” بيان لما يجب على المسلمين نحو هذا المشرك المستجير إذا ما استمع إلى كلام الله ثم بقي على شركه. أى: عليك- يا محمد- أن تجيره حتى يسمع كلام الله ويتدبره ولا يبقى له عذر في الإصرار على شركه، فإن آمن بعد سماعه صار من أتباعك، وإن بقي على شركه وأراد الرجوع إلى جماعته، فعليك أن تحافظ عليه حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره، وهو ديار قومه: ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك، ويعامل بما يعاملون به. عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من المشركين إلى على بن أبى طالب فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أو لحاجة: قتل؟ فقال له على لا، لأن الله يقول “وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ” (التوبة 6) الآية. هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآية ما يأتى: 1- أن المستأمن لا يؤذى، بل يجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله وعرضه مادام في دار الإسلام، وقد حذر الإسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير، ومن ذلك ما رواه البخاري والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برىء من القاتل وإن كان المقتول كافرا). وروى الشيخان وأحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة). 2- يلحق بالمستجير الطالب لسماع كلام الله من كان طالبا لسماع الأدلة على كون الإسلام حقا، ومن كان طالبا للجواب على الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام، لأن هؤلاء وأمثالهم يطرقون باب الفهم والمعرفة ويبحثون عن الحق فعلينا أن نحميهم، وأن نبذل أقصى الجهود في تعليمهم وإرشادهم وإزالة الشبهات عنهم، لعل الله أن يشرح صدورهم للإسلام بسبب هذا التعليم والإرشاد. قال ابن كثير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى الأمان لمن جاءه مسترشدا أو في رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود، ومكرز بن حفص، وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين لرسولهم صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم، وأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ” (التوبة 6) ان أي مشرك ممن يجوز قتله إذا استجار وطلب الأمان من المسلمين فعليهم ان يجيروه ويعطوه الأمان على نفسه وماله، وان يدعوه إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فان قبل جرت عليه أحكام المسلمين، وان رفض فلا يحل قتله، ويجب أن يوصله المسلمون إلى مكان يأمن فيه على نفسه “ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ” ذلك إشارة إلى إجارة المسلم للمشرك، وإسماعه كلام اللَّه، وإبلاغه مأمنه، وقوله: “بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ” بيان للسبب، وهو جهل المشركين المستجيرين بالإسلام وحقيقته. وأفتى الفقهاء بأن للمسلم ان يؤمّن حين القتال آحادا من المشركين المقاتلين شريطة عدم المفسدة في الأمان بأن لا يكون المستجير جاسوسا، ولا يتعطل الجهاد والقتال بأمانه.