فيينا / الثلاثاء 23. 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
مصطفى منيغ / المغرب
قالت : ما كان عليَّ تَرككَ المُجازفة بما أقدمْتَ عليه وأنتَ تعرف أن المرأة على درجة كبيرة من الخطورة بما هي منتسبة إليه وبما ترسَّخ في ذهنها من زمان الانتقام منك لأنكَ حرمتها من حبّْها لك الذي لا زال في قلبها مترَسِّب ، وأنا أدرَى بألاعيب بعض النساء حينما يرغبن في تصفية حسابات قديمة ضيعن الجزء الأكبر من حياتهن في التخطيط وابتكار المصايد القوية لاستعمالها في الوقت المناسب .
قُلتُ : أقدِّرُ الحالة التي جعلت منكِ تتوهَّمين أموراً غريبة بل تقرِّين بوقوعها أصلاً وهو موقف في غير محله ستكونين عليه المحسوبة وأنا الحاسِب ، ، علما أنني أكثر إدراكاً بمشاعر بعض النساء و منهن “المرأة” التي شغلت فكركِ من مدريد ونحن في الطريق إلى مدينة “سان سبستيان” لتجعلينه على ما تنوين راسب ، حيث تقطن التي دعتني للالتحاق بها إن كنتُ رجلاً لا يخاف ولا يخون وعوده إذا منحها متحمِّلاً كل التبعيات أكانت لصالحه أو ضده . أؤكد لك عزيزتي ” كارمين” أنني سأكون بخير خلال مراحل هذه الزيارة معتمداً أن المرأة التي تحب شخصاً الحب الصادق لا تأذيه مرة ثانية لندمها الفظيع عن المرة الأولى وهي على وعي تام أنه بريء .
… على باب البيت الناطق بثراء صاحبته ومكانتها الاقتصادية المميزة وجدناها منتظرة فاسحة لنا الطريق بابتسامتها المعهودة ، وهذه المرة على سجيتها وبأسلوب خالي من أي تصنع أو مبالغة ، فرحة مستبشرة بقضاء رفقتنا وقتاً ممتعاً يعوضنا عن المواقف التي تعرضنا إليها في ذاك الفندق ونحن نغادره وضحكاتنا مسموعة لرواده بشكل ملفت لا يليق بمثل تلك الأمكنة المرموقة . أوحت إليَّ برغبتها في الانفراد بي للتحدث في أشياء خاصة تريدها أن تبقى من أسرار أسرارنا ، “كارمين” لذكائها تفهمت واستعدت للتنقل بمهية الخادمة لمكان آخر في نفس البيت لكنني أوقفتها كي تشاركنا كل حديث قد يدور سَمْعاً أو تَدخُّلاً ، ما دامت صندوق أسراري ومحطة ثقتي وعنوان إقامتي مهما ومع مَن كنتُ في هذه الديار المحترمة التي جمعتني وإياها عشرات السنين .
قالت : اسمع عزيزي منيغ ، أخطأتُ في حقِّكَ مرة إذ أبعدتُكَ عن التي اعتبرتها كل حياتك في تلك المدينة الهولندية التي قادني إليها قدري ، وبدل أن احترم اختيارك تصرفتُ بكبرياء فتاة وحيدة أبويها المستعدان لتقديم أي شيء لإسعادي ، فلم أجد أمام إصرارك على إبعادي سوى تدبير مؤامرة دنيئة ظل ضميري يؤنبني عليها لحد اليومين الماضيين ، حيث وجدتُ فيكَ الإنسان الكبير القلب الراقي في تعامله مع الغير حتى إن كان هذا الغير “أنا” التي سببتُ فيما رافقك طيلة مقامك كما علمتُ بعد ذلك في المملكة البلجيكية محروماً من حقك فيما اجتهدتَ لتحقيقه ، ذاك الحق الذي استغله البعض من أصدقائك (المنتسبين بعضهم لمدينتك القصر الكبير) واستولوا على كل انجازاتك التي قضيتَ الأيام الطوال مُفكراً في إقامتها لصالح أبناء وطنك المغرب ، ومنها تلك المقابلة التي جمعتكَ والملكة “جليانة” لتقدم لها بمناسبة عيد ميلادها هدية علِمت بعدها أنك دفعتَ ثمنها من رصيدٍ مَثَّل كل ثروتك ، لتؤكد عن كرم المغاربة واعترافهم بالجميل لمن يستحق هذا الاعتراف ، وعشرات المزايا التي رفعَت اسمك فوق رؤوس الذين عرفوك عن كثب وأنا منهم . المهم حضورك اليوم لبيتي أعتبره بداية حقيقية تجدِّد في كيا ني ما مضى وتريح أحاسيسي وتتركني أتخلص من كابوس لازمني كل هذه السنين الطويلة وأنت بعيداً عني ، ربما تظن ” كارمين” إنني أريد نزعكَ منها وكذا “البهلولية” وكل نساء لك معهن علاقات صداقة صادقة من جنسيات مختلفة عبر العالم ، ولكن أطمعُ في جلب ولو قسطٍ من اهتمامك بي وخاصة أنني قررتُ ترك الديانة اليهودية ، والتخلص نهائياً من إسرائليتي التي لم أتمكن معها إلا الشعور أنني من عالم آخر مليء بالشر مزدحم بأشباح شيطانية لا عمل لها إلا التوقيع بالأبرياء والزج بهم في متاهات من الصعب الخروج منها إلا وعاهة قد أصابت كيانهم ومنهم مَن فقد حتى التعلق بالحياة ، لقد وقفتُ على حقيقة الإسرائيليين حينما أدركت مثل القليل القليل أنهم يكرهون كل شيء حتى لأنفسهم أحيانا ، الكره بدل الدم يسري في شرايينهم ، أسعد أيام حياتهم حينما يحققون إشعال فتنة داخل مجتمع أكان عربيا أو من أجناس أخرى ، حتى الأمريكان يتعالون عليهم معتبرينهم وسيلة تبلِّغهم لهدف هم في حاجة لبلوغه وينتهي الأمر وتلك شيم ناكري الجميل ، لذا أعلن براءتي التامة من هذا العنصر البشري الذي عدتُ لا أتلاءم وحمل ما ينسبني اليه حتى ، أريد أن أغير أي شيء يربطني بذاك العالم غير النظيف ، وكان علىَّ أن أجدكَ َلأتحمَّس ، ليس لأنك تكره اليهود ولكن لدفاعك طول عمرك على المظلومين ، خير مثال وقوفك الآن مع المناضلين في غزة بما تنشر عنهم من كلام طيب يدخل ألباب العقلاء ويمهد لهم الطريق لفهم همجية إسرائيل وفداحة الجرائم النكراء التي تفننوا في إعادتها على امتداد 10 شهور حتى الآن .
… اتجهت العزيزة “كارمين” في تلقائية وعفوية نبيلة لتقبِّل رأس المرأة وتضمها في عطف وحنان وقد اغرورقت عيناها بالدموع وهي تخاطبي : كم أنت عبقري يا أستاذ منيغ بحدسك ربحنا هذه المرأة ، وبخاطرك الذي تغلب عليه السماحة وتقدير الغير فزنا بهذه القيمة المضافة ، مهما صدر منها التمس منك أن تصافح وأمامنا ما يحتاج لتضامن أقوى من مجرد عاطفة مؤقتة وليدة ظرف معين ، وإنما ذاك المستمر عن قناعة ومعرفة متبادلة بالجذور وليس الأفنان أو الفروع ، وهكذا شجرتنا الطيِّبة المشعَّة بالود ونثر السلام ، أثمرت تفاحة أحسن من تلك التي لا تنمو إلا في الصين بل أفضل منها بمراحل ، أنظر إليها خُضْر المآقي ، وخرير الحيوية في وجنتيها يجري بجريان السواقي ، المضبوطة على الباقي ، الذي لا ينفذ المُستَمَد من حلاوة الروح المزروعة في أجساد أجمل الخَلقِ ، صناعة الباري سبحانه وتعالى الخَالق .
… أري الخادمة متبوعة بالبهلولية لم أتعجب من حضورها ليثيني أنني مهما كنت تكون كظلي ، أين ؟؟؟ لا أدري ، الدراية لدى “كارمين” فهما ككماشتي الحارس المتفاني في تحمل مسؤولية المتابعة والمراقبة والدقة في التنظيم بطريقة لا يهمنى الدخول في تفاصيلها مادامت الأمور كما تبتدئ تنتهي ، إذ العمل في معترك الدفاع عن حقوق الإنسان علميا بألسن متباينة وعقليات متضاربة وقوانيين محلية غير مطابقة أحبانا لنلك الدولية ، يقتضي التكوين المعمق الملازم الحفاظ على سلامة جنود الخفاء أكانوا من الرجال أو النساء الواصلين بحد تضحياتهم عن تواضع لنكران الذات ، حضرت والدموع تفضح تأثرها البين عما سمعته ولو عن بعد إذ العلم تقدم في ميدان التقاط الصوت بواسطة آلتين من الصحب العثور عليهما إلا بموافقة المزروعتين في مكان محدد لديهما معا.