الرئيسية / مقالات / مفهوم الوصل في القرآن الكريم (يصل، يوصل، يصلون، يصلوا، وصيلة) (ح 2)

مفهوم الوصل في القرآن الكريم (يصل، يوصل، يصلون، يصلوا، وصيلة) (ح 2)

فيينا / الأربعاء 24. 07 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن يصل ومشتقاتها “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ” ﴿الرعد 21﴾ يَصِلُونَ: يَصِلُ فعل، ونَ ضمير. يَصِلونَ ما أمَرَ اللهُ بِهِ أنْ يوصَلَ: أخوَّة الإيمان و صلة الأرحام. وهم الذين يَصِلون ما أمرهم الله بوصله كالأرحام والمحتاجين، ويراقبون ربهم، ويخشون أن يحاسبهم على كل ذنوبهم، ولا يغفر لهم منها شيئًا. قوله سبحانه “وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” ﴿الرعد 25﴾ يوصل فعل، أما الأشقياء فقد وُصِفوا بضد صفات المؤمنين، فهم الذين لا يوفون بعهد الله بإفراده سبحانه بالعبادة بعد أن أكدوه على أنفسهم، وهم الذين يقطعون ما أمرهم الله بوصله مِن صلة الأرحام وغيرها، ويفسدون في الأرض بعمل المعاصي، أولئك الموصوفون بهذه الصفات القبيحة لهم الطرد من رحمة الله، ولهم ما يسوءهم من العذاب الشديد في الدار الآخرة. قوله عز وجل “قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ” ﴿القصص 35﴾ قال الله لموسى: سنقوِّيك بأخيك، ونجعل لكما حجة على فرعون وقومه فلا يصلون إليكما بسوء. أنتما -يا موسى وهارون- ومَن آمن بكما المنتصرون على فرعون وقومه، بسبب آياتنا وما دلَّتْ عليه من الحق. قوله جل جلاله “وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” ﴿القصص 51﴾ وَصَّلْنَا: وَصَّلْ فعل، نَا ضمير. وَصّلنا لهم القول: أنزلنا القرآن عليهم متواصلاً. او أتبعنا بعضه بعضاَ فاتَّصل. أو أكثرنا لهم القول موصولاً بعضه ببعض. وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القَوْلَ: أخبرناهم بما حلّ بالأمم السابقة وتنزيل القرآن بذلك متتابعا. ولقد فصَّلنا وبيَّنا القرآن رحمة بقومك أيها الرسول، لعلهم يتذكرون، فيتعظوا به. قوله جل وعلا “مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” ﴿المائدة 103﴾ وصيلة اسم، وَصيلَةٍ: الناقة البكر تبكر بأنثيين ليس بينهما ذكر تترك لطواغيتهم. الوصيلة: الشاة التي تلد سبعة أبطن عناقين عناقين ( و العناقين الأنثى ). فإن وصلت أخاها فلا يذبحون الذكر من أجل الأنثى. و قيل: هي الناقة البكر تبكِّر في أول النتاج، ثم تُثَني بعدها أنثى و كانوا يسيبونها لآلهتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. أو كانت العرب إذا وضعت الشاة ذكراً قالوا: هذه لآلهتنا فبقرِّبون بها، و إذا ولدت أنثى قالوا: هذه لنا، و إذا وضعت ذكراً و أنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوه لمكانها. ما شرع الله للمشركين ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام مِن تَرْك الانتفاع ببعضها وجعلها للأصنام، وهي: البَحيرة التي تُقطع أذنها إذا ولدت عددًا من البطون، والسائبة وهي التي تُترك للأصنام، والوصيلة وهي التي تتصل ولادتها بأنثى بعد أنثى، والحامي وهو الذكر من الإبل إذا وُلد من صلبه عدد من الإبل، ولكن الكفار نسبوا ذلك إلى الله تعالى افتراء عليه، وأكثر الكافرين لا يميزون الحق من الباطل.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ” ﴿النساء 90﴾ استثنى الله سبحانه من قوله “فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ”، طائفتين: (إحداهما) “الَّذِينَ يَصِلُونَ” (إلخ) أي بينهم وبين بعض أهل الميثاق ما يوصلهم بهم من حلف ونحوه، و (الثانية) الذين يتحرجون من مقاتلة المسلمين ومقاتلة قومهم لقتلهم أو لعوامل أخر، فيعتزلون المؤمنين ويلقون إليهم السلم لا للمؤمنين ولا عليهم بوجه، فهاتان الطائفتان مستثنون من الحكم المذكور، وقوله “حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ”، أي ضاقت. قوله سبحانه “وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ” ﴿الأنعام 136﴾. قوله عز وعلا “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ” ﴿هود 81﴾ عدم وصولهم إليه كناية عن عدم قدرتهم على ما يريدون، والمعنى لما بلغ الأمر هذا المبلغ قالت الملائكة مخاطبين للوط: إنا رسل ربك فأظهروا له أنهم ملائكة وعرفوه أنهم مرسلون من عند الله، وطيبوا نفسه أن القوم لن يصلوا إليه ولن يقدروا أن يصيبوا منه ما يريدون فكان ما ذكره الله تعالى في موضع آخر من كلامه: “ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم” (القمر 37)، فأذهب الله بأبصار الذين تابعوا على الشر وازدحموا على بابه فصاروا عميانا يتخبطون.

وعن الحوار القرآني مع الإمام الصادق عليه السلام: نقض العهد وقطيعة الرحم: “الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون” (البقرة 27). يقول السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره عن قطيعة الرحم فقد عد من الكبائر في صحيح عبد العظيم مشيرا إلى الاستدلال عليه وعلى قطيعة الرحم. ويقتضيه أيضا شدة الوعيد عليه في الكتاب المجيد في قوله تعالى “الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ  مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ  بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (البقرة 27).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ” ﴿الرعد 21﴾ من صفات أُولي الألباب هي ” وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ”. لا نجد صيغةً أوسع من هذه في هذا المجال، فالإنسان له صلات وروابط كثيرة، صلته مع ربّه، ومع الأنبياء والقادة، وروابطه مع الأصدقاء والجيران والأقرباء ومع كلّ الناس، والآية تأمر أن تُحترم هذه الصلات، وتنهى عن أي عمل يؤدّي إلى قطع هذه الصلات والروابط. والإنسان في الحقيقة ليس منزوياً أو منفكّاً من عالم الوجود، بل تحكم كلّ وجوده الصلات والروابط، ومن جملة هذه الصلات: 1 ـ صلته بالله سبحانه وتعالى، والتي إذا ما قطعها الإنسان تؤدّي إلى هلاكه كما في إنطفاء نور المصباح في حالة قطع التيار الكهربائي عنه، وعلى هذا فإنّ هذه الصلة التكوينيّة بين الإنسان وربّه يجب أن تتبعها صلة بأوامره وأحكامه من حيث الطاعة والعبودية. 2 ـ صلته بالأنبياء والأئمّة عليهم السلام على أساس أنّهم قادة للبشرية وقطعها يؤدّي بالإنسان إلى الضلال والإنحراف. 3 ـ صلته بالمجتمع كافّة وخصوصاً بذوي الحقوق عليه أمثال الأب والاُمّ والأقرباء. 4 ـ صلته بنفسه، من حيث أنّه مأمور بحفظها وإصلاحها وتكاملها. إنّ إقامة أي صلة من هذه الصلات، هي في الواقع مصداق للآية “يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ” وقطعها قطع لما أمر الله به أن يوصل، لأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بأن توصل ولا تقطع. وبالإضافة إلى ما قلناه، فهناك أحاديث واردة بخصوص هذه الآية يتّضح منها أنّ المراد القرابة مرّة، ومرّة الإمامة أو آل الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومرّة أُخرى كلّ المؤمنين فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية قال: (قرابتك) وعنه أيضاً عليه السلام قال: (نزلت في رحم آل محمّد وقد يكون في قرابتك) ومن الطريف أنّه عليه السلام يقول في نهاية الحديث: (فلا تكونن ممّن يقول للشيء أنّه في شيء واحد) وهذه الجملة إشارة واضحة إلى المعاني الواسعة للقرآن الكريم. وعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث ثالث يقول: (هو صلة الإمام في كلّ سنة (أي بالمال) بما قلّ أو أكثر، ثمّ قال: وما اُريد بذلك إلاّ تزكيتكم).

اترك تعليقاً