أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / الاتهامات الجنسية.. “أسلحة ذكورية” لإقصاء النساء عن الساحة السياسية
صورة تعبيرية

الاتهامات الجنسية.. “أسلحة ذكورية” لإقصاء النساء عن الساحة السياسية

فيينا / الأثنين 02. 09 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

أثار الرئيس السابق، المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، جدلا وانتقادات بعدما أعاد نشر محتوى يلمح بأن منافسته في سباق الانتخابات، المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزيرة الخارجية السابقة منافسته في انتخابات عام 2016 هيلاري كلينتون، كانتا “قدمتا خدمات جنسية” مقابل بلوغهما مناصب سياسية رفيعة.

ونشر ترامب محتوى مثير للجدل عبر حسابه على منصة “تروث سوشال”، مع صورة لكلينتون وهاريس، مرفقة بتعليق ساخر بشأن “تقدمهما في المناصب السياسية بشكل مختلف مقابل تقديم خدمات جنسية”.

وتواجه النساء العاملات في الشأن السياسي تحديات كبيرة، بما في ذلك الاتهامات المتكررة باللجوء إلى أساليب غير أخلاقية لتحقيق أهدافهن.

ويثير هذا الأمر تساؤلات بشأن مدى استخدام السلطة لتقويض مصداقية النساء في المجال العام من خلال توجيه اتهامات جنسية بدلاً من تقييم أدائهن وقدراتهن الفعلية.

ويُعد اتهام النساء الناجحات بتقديم خدمات جنسية مقابل الوصول إلى مناصب عليا من القضايا المثيرة للجدل في عالمنا المعاصر، وهذه الممارسات تثير تساؤلات عميقة حول أسبابها ودوافعها.

اتهامات شائعة

“الاتهامات التي تشكك في كفاءة النساء وتزعم أنهن يصلن إلى النجاح والمناصب القيادية عن طريق استغلال شكلهن أو تقديم خدمات جنسية، اتهامات شائعة في جميع المجتمعات، سواء في الشرق أو الغرب”، كما تقول الناشطة النسوية المصرية استشارية النوع الاجتماعي، ومؤسِسَة مبادرة المرأة الريفية، لمياء لطفي.

وتضيف لطفي في حديث لموقع “الحرة” أن “توجيه هذه الاتهامات ليس محصوراً على النخبة السياسية فقط، بل يمتد إلى الخطاب الشعبوي على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يُستخدم حتى لإهانة الرجال الذين يدعمون النساء في العمل”.

وتشرح “نشاهد على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تسيء للنساء، وتصورهن في مواقف مهينة وغير أخلاقية في أماكن العمل، مما يعزز الأفكار النمطية السلبية ويثني النساء عن المشاركة في الحياة العامة والسياسية”.

وتعتبر لطفي أن الاتهامات التي تستهدف النساء الناجحات “جزء من خطاب الكراهية والعنف والتمييز العنصري، الذي يسعى إلى استبعادهن من المشهد السياسي وحتى الاجتماعي”.

واحتلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المرتبة الأخيرة بين جميع المناطق، وفق مؤشر المساواة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في يونيو 2024.

وسجلت المنطقة نسبة تكافؤ بين الجنسين بلغت 61.7 بالمئة، وتصدرت دولة الإمارات المركز الأول بالمنطقة، الـ 74 عالمياً، من أصل 146 دولة، بينما حلّ السودان في المركز الأخير على مستوى العالم.

ويقيس “المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين” سنوياً الوضع الحالي وتطور المساواة بين الجنسين عبر أربعة مؤشرات رئيسية وهي “المشاركة والفرص الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة والبقاء على قيد الحياة، والتمكين السياسي”.

ومن الأمثلة على اتهام من هم في السلطة لنساء في الشرق الأوسط يعملن في الشأن السياسي باللجوء الى الجنس للوصول الى المناصب، السجال الذي وقع عام 2019 بين وزير المهجرين اللبناني حينها غسان عطالله والنائبة بولا يعقوبيان على إحدى شاشات التلفزة، حيث اتهم عطالله يعقوبيان بأنها “وصلت إلى النيابة بطريقة غير أخلاقية”.

وردت يعقوبيان على عطالله مؤكدة أنه “من غير المعقول أنه كلما فاتحنا أحد من التيار الوطني الحر بموضوع الأداء السياسي يرد علينا بمواضيع الشرف، الشرف ليس بين الرجلين انما بالرأس وهذا ما لا تملكه”. وبعد حملة استنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتذر عطالله عن كلامه في تغريدة عبر موقع “إكس”.

دوافع متعددة

وتتمثل دوافع الاتهامات الموجهة للنساء الناجحات بتقديم خدمات جنسية للوصول إلى المناصب العليا في عوامل اجتماعية وثقافية عدة، كما تقول الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية، وديعة الأميوني، مشددة على أن “هذه العوامل تعزز التحيزات التي ترى أنهن غير قادرات على ذلك إلا من خلال وسائل غير شرعية”.

ويتم الترويج لمثل هذه الاتهامات، وفق ما تقوله الأميوني لموقع “الحرة” “بغية تقليل قيمة إنجازاتهن. بل ان بعض الأفراد يقاومون التغيير الاجتماعي ويشعرون بالقلق من تغيير الأدوار التقليدية للنساء، مما يدفعهم لترويج القصص التي تقلل من شأن الناجحات”.

من جانبها تعتبر الناشطة الحقوقية، المحامية ديالا شحادة، في حديث لموقع “الحرة”، أن “السبب الرئيسي هو عاهة التمييز الجندري المتجذر في الأنظمة الأبوية منذ مئات السنين، الذي يختزل المرأة إلى جسدٍ لا أكثر، والسبب كذلك هو الافلاس الفكري الذي يجعل المعني فارغ الجعبة من حجج عقلية ضد خصومه السياسيات فلا يبقى له سوى التهجم عليهن شخصياً لا موضوعياً”.

كذلك تؤكد مديرة جمعية “مفتاح الحياة”، الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، أن “الاتهامات الموجهة للنساء الناجحات بتقديم خدمات جنسية للوصول إلى المناصب العليا تهدف إلى تشويه سمعة المرأة وتقليل قيمة إنجازاتها، مما يعزز الفكرة البالية بأنها لا يمكنها النجاح إلا بطرق غير أخلاقية”.

وتشرح قصقص في حديث لموقع “الحرة” أن “هذه الظاهرة تعكس مشكلات مجتمعية عميقة مرتبطة بالتحيز الجنسي والجندرية، إذ لا تزال هناك نظرة نمطية سائدة في العديد من المجتمعات تحصر المرأة في أدوار محددة. عندما تتجاوز المرأة هذه الأدوار وتحقق نجاحاً بارزاً في مجالات يهيمن عليها الرجال، مثل السياسة، تصبح عرضة لشتى أنواع الشكوك والاتهامات غير المبررة، ليس فقط من الرجال، بل من النساء الأخريات أحياناً”.

كما أن نجاح النساء يشكل تهديداً كما تقول قصقص “للوضع القائم الذي يسيطر عليه الرجال، مما يؤدي إلى محاولات تشويه سمعتهن لتقليل شأن إنجازاتهن. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الغيرة والتنافس دافعاً آخر لهذه الاتهامات، إذ يحاول البعض تقويض الثقة في النساء الناجحات للتقليل من إنجازاتهن”.

وفي البيئات المشحونة سياسياً، تصبح الهجمات الشخصية على العاملات في الشأن العام شائعة، وفق قصقص “وغالباً ما تستهدف نزاهتهن وأخلاقهن، وللأسف تساهم بعض وسائل الاعلام في تضخيم هذه الاتهامات، مما يعزز الصور النمطية الزائفة حول نجاح النساء”.

أضرار جسيمة

وتنتهك هذه الاتهامات حقوق المرأة، كما تقول لطفي “وتحد من حريتها في العمل والمشاركة في الشأن العام، حيث إن الكثير من النساء قد لا يمتلكن القدرة على مواجهتها أو مقاومتها”.

وتقع هذه الاتهامات، وفق ما تشرح شحادة “ضمن جرائم القدح والذم والتشهير”، مشددة على أن “القانون لا يميز عموماً بين المناصب فيما يتعلق بالمرتكب أو المتضرر، غير أن بعض الدول تنزع الطبيعة الجزائية عن الجرائم من هذا النوع فيكون مرجعها المحاكم المدنية للمطالبة بتعويض”.

ويمكن أن تلحق هذه الاتهامات أضراراً جسيمة بالمرأة، كما تقول قصقص “بدءاً من تشويه سمعتها وتقليل مصداقيتها أمام الجمهور وزملائها، وصولاً إلى التأثير سلباً على ثقتها بنفسها وأدائها المهني”.

وهذه الاتهامات قد تسبب أيضاً وفق قصقص “إجهاداً نفسياً كبيراً يؤثر على صحة المرأة العقلية، ويؤدي إلى تدهور علاقاتها المهنية، مما يعرقل تعاونها مع زملائها ويحد من فرصها المستقبلية في الترقي أو الحصول على مناصب جديدة. كما قد تتسبب في إقصائها اجتماعياً بسبب النظرة السلبية التي يمكن أن يتبناها المحيطين بها”.

كذلك ترى الأميوني أنه يمكن لهذه الاتهامات أن تؤدي إلى “زيادة الضغط النفسي والعاطفي على المرأة، مما يؤثر على صحتها النفسية والجسدية واستقرارها، وتدهور العلاقات مع الأصدقاء والعائلة نتيجة التأثر بالمزاعم وتشكيل حكم مسبق عليها”.

وتساهم هذه الاتهامات، بحسب ما تقوله الأميوني “في تعزيز الصورة النمطية السلبية عن النساء وتدعم المفاهيم التقليدية التي تقلل من قيمة المرأة وتعتبرها غير مؤهلة لتحقيق النجاح بمفردها، وتثير مثل هذه الاتهامات الشكوك في قدرتها وتؤثر سلباً على قبول المجتمع للنساء كقائدات ومؤثرات”.

وكانت دراسة أعدتها مؤسسة “مهارات” بعنوان “كسر الصمت عن العنف ضد النساء في السياسة” أظهرت أن الاستهداف المتعمد وغير المتناسب للسياسيات والناشطات له عواقب مباشرة للنظام الديمقراطي، إذ يمكن لهذا الاستهداف “أن يردع النساء عن الترشح للمناصب، أو يجبرهن على الانسحاب من الساحة السياسية، مما يقلل من فعاليتهن ويضر بمشاركتهن في المحادثات السياسية”.

ولفتت الدراسة إلى أن هذه العواقب “قد تتجاوز العملية الديمقراطية لتسبب ضرًراً مباشراً”، معتبرة أن “اتخاذ تدابير لمواجهة جائحة الظل الأبوي أصبح ضرورياً جداً لتجنب التراجع الكبير في المكاسب السياسية للمرأة”.

نصائح للمواجهة

وتعتقد شحادة أن مشكلة توجيه الاتهامات إلى المرأة بسلوك طرق غير أخلاقية للوصول إلى أهدافها السياسية “ليست قانونية بقدر ما هي سياسية تقتضي تطبيق أنظمة تربوية وإعلامية وتوعوية تكسر الأفكار النمطية المتجذرة في العقول منذ مئات السنوات”.

وتضيف “لعل الكوتا الجندرية الإلزامية في المجالس السياسية المنتخبة تساهم جداً في تحقيق ذلك، لأنها تفرض الوجود النسائي في المجالس السياسية بسرعة وبقوة القانون”.

وارتفعت النسبة العالمية لأعضاء البرلمانات من النساء إلى 26.9 في المئة، استناداً إلى الانتخابات والتعيينات التي جرت عام 2023، وفق ما أفاد به تقرير بشأن النساء في البرلمانات لعام 2023، الصادر عن الاتحاد البرلماني الدولي في مارس الماضي.

وأشار التقرير إلى أن هذه النسبة تمثل زيادة قدرها 0.4 نقطة مئوية على أساس سنوي، وهو معدل نمو مماثل لعام 2022. ومع ذلك، فإن النمو أبطأ مما كان عليه في السنوات السابقة، فقد شهدت الانتخابات عامي 2021 و2020 زيادة في عدد النائبات البرلمانيات بنسبة 0.6 نقطة مئوية.

ووفقاً للتقرير، تستمر رواندا في قيادة التصنيف العالمي للاتحاد البرلماني الدولي، حيث تشغل النساء 61.3% من مقاعد مجلس النواب، تليها كوبا ونيكاراغوا بنسبة 55.7% و53.9% على التوالي.

وتسجل المنطقة العربية بحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أقل مشاركة في الحياة السياسية على مستوى العالم، “ورغم جهود بعض البلدان في المنطقة لتضمين المساواة بين الجنسين ضمن دساتيرها وسياساتها، بما في ذلك إدخال نظام الحصص، إلا أن هذه المبادرات تظل استثناءً وليس قاعدة عامة”.

علاوة على ذلك، تظل المرأة بحسب الهيئة الأممية “ممثلة بشكل ناقص في الأحزاب السياسية وكقضاة وفي المناصب الوزارية، مما ينعكس سلباً على مشاركتها في الأنشطة السياسية والتصويت في الحياة العامة”.

وعن دور المنظمات الحقوقية في دعم النساء المستهدفات بهذه الاتهامات تجيب شحادة “يكمن دورها في إدانة المرتكبين ومجابهتهم”.

أما الأميوني فترى أن مواجهة هذا السلوك يتطلب “نشر الوعي حول التحيز الجنساني وتعليم الأفراد كيفية التعرف على هذه الأنماط من السلوك مما يساعد في تقليل انتشار مثل هذه الاتهامات”.

كما يجب، وفق ما تقوله الأميوني “توفير الدعم القانوني للنساء اللواتي يتعرضن لمثل هذه الاتهامات بهدف حماية حقوقهن والتصدي للاتهامات غير المبررة. كذلك تعزيز الخطاب الإيجابي وتقدير إنجازات المرأة بدلاً من الترويج للاتهامات والتشكيك في قدراتها لأجل تحسين صورتها ودعمها في الأدوار القيادية”.

من جانبها ترى قصقص أن تغيير النظرة السلبية للمرأة تتطلب تغييراً ثقافياً يركز على تقدير النساء بناء على كفاءتهن وليس جنسهن، وذلك من خلال العمل على عدة مستويات “أولًا، يجب توعية المجتمع بأهمية المساواة بين الجنسين وتغيير النظرة النمطية تجاه المرأة. ثانياً، يجب سن قوانين صارمة تعاقب على تشويه سمعة الآخرين، وتضمن حماية النساء من أي نوع من التمييز”.

كما يتعين، كما تقول قصقص “دعم المرأة وتشجيعها على المشاركة في الحياة السياسية، مع توفير الفرص اللازمة لتطوير قدراتها. كما يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دوراً إيجابياً في تغيير الخطاب الإعلامي، والابتعاد عن نشر الشائعات التي تسيء إلى المرأة”.

وتنصح الأخصائية النفسية النساء بمواجهة الضغوط التي يواجهنها في مسيرتهن العملية عبر إحاطة أنفسهن بأشخاص داعمين، والتركيز على أهدافهن المهنية، والاستعانة بخدمات نفسية متخصصة عند الحاجة.

أما لطفي فتشدد على أهمية دور الإعلام في التصدي لهذه الظاهرة، “بدلاً من استخدامها كوسيلة لجذب الجمهور”، وتنتقد الصحافة الصفراء التي تركز على الفضائح، مشددة على ضرورة محاسبة أي شخص يساهم في تشويه سمعة النساء عبر وسائل الإعلام أو المنصات السياسية والاجتماعية.

وتدعو لطفي إلى فرض عقوبات صارمة على السياسيين والإعلاميين الذين يروجون لهذه الاتهامات، معتبرة أنهم “يتحملون مسؤولية توجيه الرأي العام نحو الإقصاء والتمييز”.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك

اترك تعليقاً