فيينا / االثلاثاء 24. 09 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
الافتراء على الله بما لم يقله: من صور الافتراء على الله تزكية اليهود والنصارى لأنفسهم من غير برهان على ذلك، كما قال تعالى: “انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا” ﴿النساء 50﴾ هذا توبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى و كل من زكى نفسه بأمر ليس فيه، لأنهم يقولون: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” (المائدة 18)، ويقولون: “وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” (البقرة 111) وهي دعوى لا برهان عليها، فتزكيتهم أنفسهم افتراء على الله جل جلاله، لأن تزكيتهم لأنفسهم يعني بأن الله جعلهم على حقً، و المسلمون على باطل، وقلبٌ للحقائق بجعل الحق باطلًا، والباطل حقًا، وهذا الكذب بعينه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: تقول الآية الكريمة: “مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ” ﴿المائدة 60﴾ وإطلاق تسمية عبد الطاغوت على أهل الكتاب، إما أن يكون إشارة إلى عبادة العجل من قبل اليهود، أو إشارة إلى انقياد أهل الكتاب الأعمى لزعمائهم وكبارهم المنحرفين. الآيتان”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا” (النساء 51-52) سبب النزول قال كثير من المفسرين في شأن نزول الآيتين الحاضرتين: أنه بعد معركة أحد توجه أحد أقطاب اليهود وهو كعب بن الأشرف مع سبعين شخصا من اليهود إلى مكة للتحالف مع مشركي مكة ضد رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ونقض ما كان بينهم وبين رسول الله من الحلف. فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: أنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب، فلا نأمن أن يكون هذا مكر منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين (الجبت والطاغوت) وأشاروا إليها وآمن بهما، ففعل. وقال ابن عباس”الْـجِبْتِ” هنا حيي بن أخطب”وَالطَّاغُوتِ” كعب بن الأشرف فالمراد على هذه الآية القوم الذين كانوا معهما من بني إسرائيل لإيمانهم بهما واتباعهم لهما وقال ابن عباس”الْـجِبْتِ” الأصنام”وَالطَّاغُوتِ” القوم المترجمون عن الأصنام الذين يضلون الناس بتعليمهم إياهم عبادة الأصنام. روي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال: من قال: اللهم العن الجبت والطاغوت. كل غداة مرة واحدة كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة.
والقرآن الكريم سمى أصحاب الديانة المسيحية بالنصارى وليس المسيحيين حيث ارفق النصارى باليهود “وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ” (البقرة 113). ودعوة اليهود والنصارى انهم ابناء الله فقد فندها القرآن الكريم “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” (المائدة 18).
عندما قدم الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم المدينة بعد هجرته من مكة عقد اجتماع بمنزل اليهودية دمنة بنت الحارث وصدرت من الاجتماع الوثيقة التالية: المؤمنون و المسلمون من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس، و أن يهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، و أن يهود أمة ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، و أن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، و أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، و أن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم و أنه من كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله و إلى محمد رسول الله.
جاء عن مركز الرصد العقائدي هل اليهود يعودون إلى بني إسرائيل أو هم بنو إسرائيل؟ للسيد رعد المرسومي: هل اليهوديّةُ هي ديانةُ بني إسرائيلَ السماويّة؟ من خلالِ إجراءِ مقارنةٍ بسيطةٍ بينَ الآياتِ التي ذُكرَ فيها بنو إسرائيلَ والآياتِ التي جاءَت على ذكرِ اليهود، نلاحظُ أنَّ اللهَ طلبَ منَ الرّسولِ محمّدٍ عليهِ الصّلاة والسّلام، وأتباعِه في عددٍ منَ الآياتِ التي جاءَت على ذكرِ موسى عليهِ السّلام وبني إسرائيلَ بأن يحذوا حذوَهم في طاعةِ الله، وأيضاً أن يجتنبوا المعاصي التي إرتكبها بنو إسرائيل. أمّا اليهودُ، فليسَ مِن آياتٍ تدلُّ على طاعتِهم للهِ، بل وجاءَت إحدى الآياتِ لتضعَ اليهودَ في مرتبةٍ أشدَّ كُفراً وإيلاماً وعداوةً للمسلمينَ مِن باقي الدياناتِ والمللِ، وجاءَ ذلكَ واضحاً في قولِه عزَّ وجل: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسِّيسِينَ وَرُهبَانًا وَأَنَّهُم لَا يَستَكبِرُونَ” (المائدة 82). فجاءَ ذكرُ اليهودِ قبلَ المُشركين. لو كانَت اليهوديّةُ ديناً سماوياً كما هوَ سائدٌ أو أن يكونَ قسمٌ مِن مُعتنقيها منَ المؤمنينَ بوحدانيّةِ اللهِ وبما أنزلَ على موسى منَ الكتابِ، فهل منَ المعقولِ أن يلعنَ اللهُ جميعَ اليهودِ على الإطلاقِ ودونَ استثناءِ أحدٍ منهم؟ قالَ جلَّ وعلا: “وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا” (المائدةُ 64)، على عكسِ الحالةِ في ذكرِه لمعصيةِ بني إسرائيل، حيثُ خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ اللعنةَ على الذينَ كفروا مِن بني إسرائيل، ولم يشملهم جميعاً، وذلكَ دليلٌ على رساليّةِ بني إسرائيل، رغمَ وجودِ عصاٍة بينهم، كما يردُ في سورةِ المائدة أيضاً الآية 78: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ” (المائدة 78)، ولعلَّ المعنى يشيرُ إلى فئةِ اليهودِ في ذكرِ الذينَ كفروا من بني إسرائيل، خاصّةً وأنَّ ظهورَ اليهوديّةِ كانَ متزامناً معَ قيامِ مملكةِ داوودَ وذريّته، ما جعلَهم ملعونينَ عندَ داوود في (الزّبور)، وعندَ عيسى (في الأنجيل) فلو تتبّعنا تراتبَ الآياتِ الكريمةِ من 78 وحتّى 82 منَ المائدةِ، فسنجدُ: “لُعن الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ (80) وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنهُم فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسِّيسِينَ وَرُهبَانًا وَأَنَّهُم لَا يَستَكبِرُونَ (82)” (المائدة 78-82)، وهُنا تكملُ الآية 82 الآياتَ الأربعَ سابقاتها، لتُطلقَ على أولئكَ “الذينَ كفروا مِن بني إسرائيل” (المائدة 78) تسميةَ “اليهود”، ما يعني بأنّهم لا يدينونَ بدينِ بني إسرائيلَ الذي أنزلَه اللهُ على نبيّهِ موسى عليه السّلام. ختاماً: على افتراضِ أنّنا توصّلنا إلى فكرةِ فكِّ الارتباطِ ما بينَ (الديانةِ اليهوديّة) وبني إسرائيل، وأيضاً ما بينَ توراةِ موسى واليهود، وكذلكَ ما بينَ اليهوديّةِ والدياناتِ السماويّةِ والتوحيديّةِ، فما إسمُ الديانةِ التي نزلَت على موسى والتي إعتنقها بنو إسرائيلَ قبلَ وبعدَ التوراة؟ الجوابُ حسبَ النصِّ القرآني: “إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلَامُ” (آل عمران 19). والإسلامُ هو ليسَ فقط الذي نزلَ على محمّدٍ، بل ما نزلَ على جميعِ الأنبياءِ والرّسلِ، حسبَ إشارةِ القرآنِ إلى ذلكَ في قولِه تعالى: “إِذ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُون” (البقرة 133).
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك