أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / الكونكلاف: هل انتخاب البابا بمنأى عن أي شكل من أشكال التأثير؟
أيادي الكرادلة خلال صلاة بعد وفاة البابا فرنسيس في الفاتيكان. أول مايو/أيار 2025 © أ ف ب

الكونكلاف: هل انتخاب البابا بمنأى عن أي شكل من أشكال التأثير؟

فيينا / الثلاثاء  06 . 05 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

لم تعد الدول قادرة على التدخل المباشر في انتخاب البابا، لكن ذلك لا يعني أن محاولات التأثير -المحيطة بالكونكلاف، الذي يفتتح يوم الأربعاء- اختفت. لقد تغيّرت الأساليب وأصبحت تعتمد على شبكات غير رسمية وتحركات دبلوماسية هادئة وضغوط إعلامية مدروسة.

إنها رقصة خفية على الحدود بين الحياة الروحية والسياسية

في الأيام الأخيرة، أشعلت وسائل إعلام إيطالية محافظة جدلا واسعا باتهامها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمحاولة التأثير على مجريات الكونكلاف الذي يتوقع أن يبدأ أعماله الأربعاء وذلك من خلال إجراء لقاءات خاصة مع شخصيات ذات نفوذ داخل الفاتيكان.

وذكرت هذه الوسائل أن ماكرون استضاف مؤسس جماعة “سانت إيجيديو” التي تتمتع بنفوذ كبير في دوائر الكرسي الرسولي لتناول العشاء. كما نظم أيضا غداءً رسميًا في فيلا بونابرت (سفارة فرنسا لدى الفاتيكان) مع أربعة كرادلة فرنسيين يملكون حق التصويت في الكونكلاف.

وكان دعم الولايات المتحدة غير معلن، لكنه محسوس، لا سيما أن اختيار الكاردينال البولندي كارول فويتيلا وُصف بأنه رسالة موجهة إلى الكتلة السوفياتية.

هذا، ويشير مؤرخ العلاقات الدولية آرون باتيمان إلى أن الاستخبارات السوفياتية (الكي جي بي) شعرت بقلق بالغ بعد انتخاب البابا البولندي. وأفاد باتيمان، نقلا عن وثائق أرشيفية، أن يوري أندروبوف، رئيس الكي جي بي آنذاك، تفاجأ بشدة من اختيار شخصية تنتمي إلى بلد شيوعي.

حشود في الفاتيكان توافدت على المكان بعد انتشار خبر وفاة البابا فرنسيس. 22 أبريل/نيسان 2025.
حشود في الفاتيكان توافدت على المكان بعد انتشار خبر وفاة البابا فرنسيس. 22 أبريل/نيسان 2025. © بوعلام غبشي/فرانس24

كما أظهرت وثائق رفعت عنها السرية من وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) أن انتخاب بابا بولندي كان من شأنه أن ينعش الحس القومي في بولندا، ويشكل تحديا حقيقيا لسلطة الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية.

“ماكرون لا يملك أي نفوذ فعلي على مجريات الكونكلاف”

بالعودة إلى الحاضر، يرى الباحث الفرنسي أوليفييه ماتونا، المتخصص في دراسة وسائل الإعلام والاتصال في سياق الفاتيكان، أن لقاء الرئيس ماكرون بالكرادلة الفرنسيين لا يحمل بالضرورة تأثيرا مباشرا ولن يتوصل إلى نتيجة بشكل حتمي. ويوضح: “أن الرغبة في رؤية كاردينال من بلد معين يصبح بابا، أمر طبيعي. لكنه ليس عاملًا حاسما”.

وقال هذا المتخصص: “هناك شيء من الحماسة الوطنية، لكنه غير مؤذ”، مضيفا بنوع من التحذير: “لكن إذا تم التعبير عن ذلك بأساليب دبلوماسية ضاغطة أو متكررة، فقد تكون النتائج عكسية. الكرادلة لا يحبذون أن يشعروا بأنهم يستخدمون أو يستغلون”.

في السياق نفسه، صرح فريديريك مونييه، المراسل السابق للجريدة الفرنسية «لا كروا” في روما، بأن ماكرون “لا يملك أي نفوذ فعلي على مجريات الكونكلاف”.

رغم ذلك، لا تجري الانتخابات البابوية في ظل وجود فراغ سياسي. بل إن محاولات التأثير، وإن اختلفت أساليبها، لا تزال حاضرة.

هذا، وتلعب جماعات كاثوليكية مؤثرة مثل جمعية “سانت إيجيديو” دورا فاعلا في الكواليس، نظرا لدورها التاريخي في الوساطات الدولية، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، وعلاقاتها الوثيقة مع قيادات الفاتيكان.

في المقابل، أصبح الإعلام ساحة جديدة لصناعة صورة “البابا المحتمل” عبر الشبكات الاجتماعية، والمؤتمرات الصحفية، والمقالات، وحتى الشائعات، تبني أو تُهدم صور المرشحين.

طرق عديدة للتأثير؟

خلال الأسابيع الماضية، تداولت مواقع كاثوليكية محافظة في الولايات المتحدة وإيطاليا شائعات عن الوضع الصحي للكاردينال بيترو بارولين، الذي يُعد من أبرز المرشحين. نُشرت هذه الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي الكاثوليكية اليمينية في الولايات المتحدة، وفي صحيفة إيطالية محافظة.

لكن المتحدث الرسمي باسم الفاتيكان نفى صحتها، ووصفت وسائل الإعلام الإيطالية الأمر بأنه “محاولة لتقويض فرص بارولين”.

كما ظهر بعد وفاة البابا فرنسيس فيديو قديم يعود لعام 2019 يُظهر الكاردينال الفلبيني لويس أنطونيو تاغلي وهو يغني مقطعا من أغنية “Imagine” لجون لينون. اتُّهم تاغلي بـ”الهرطقة”، رغم أنه لم يغن المقطع الذي يتحدث عن غياب الدين أو الجنة. وكتبت مواقع محافظة تتساءل: “هل هذا هو الشخص الذي نريده ليصبح بابا؟”

من جهة أخرى، وزع صحافيان محافظان من بريطانيا والولايات المتحدة كتيبا مكونا من 200 صفحة على الكرادلة، قبيل بدء اجتماعات ما قبل الكونكلاف. احتوى الكتيب على ملفات شخصية لثلاثين كاردينالا، مع تحليلات لمواقفهم العقائدية والاجتماعية.

أما الأصوات الإصلاحية، فقد عبرت بدورها عن مواقفها. إذ نشر شبان كاثوليك من شمال أوروبا رسالة مفتوحة دعوا فيها الكرادلة إلى اختيار بابا يكمل نهج فرنسيس، مؤكدين أنه “فتح الأبواب وكسر المحظورات”.

واستغلت مجموعات أخرى الجدل المتواصل حول قضايا الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة، ونظمت مؤتمرات صحفية في روما لتسليط الضوء على مواقف بعض الكرادلة من هذه الفضائح، متهمة بعضهم بالتقصير أو التواطؤ.

كل هذه التحركات، سواء كانت علنية أو خلف الأبواب المغلقة، تؤكد أن انتخاب البابا لم يفقد طابعه السياسي. ورغم الجدران الصامتة للكنيسة السيستينية، تبقى الانتخابات البابوية حدثا عالميا يحمل رهانات تتجاوز الدين.

المصدر / فرانس 24

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً