الرئيسية / ثقافة وادب / أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد

أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد

فيينا / الأثنين 16. 06 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

محمد علي محيي الدين

في مدينة الحلة، حيث تتنفس الفرات عبق الحضارات القديمة، وُلد أحمد عبد الصاحب الناجي يوم السادس عشر من أيلول عام 1955، وكأن مصيره ارتبط منذ الوهلة الأولى بمهمة التوثيق والتأريخ والحفر في الذاكرة الجمعية لمدينته ووطنه، لا بصفته مؤرخًا أكاديميًا فحسب، بل كمثقف موسوعي يلتقط من أطراف الفكر والثقافة ما يبني به نصًا يعبر الأزمنة.

أكمل الناجي دراسته في مدينته، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في علوم وصناعة الأغذية من جامعة السليمانية عام 1977، قبل أن يأخذه العمل في دوائر وزارة الصناعة عقودًا طويلة، غير أن شغفه بالمعرفة لم يهدأ، وظلت الحروف ترافقه كظلٍّ لا ينفصل عنه، حتى بعد أن أحيل على التقاعد. ومن هذا الظل الممتد كتب وألّف وشارك وأضاء مساحات ظلت لفترة طويلة في غياهب النسيان.

ينتمي أحمد الناجي إلى جيل ظلّ وفيًا لفكرة الثقافة بوصفها رسالة وحضورًا ومسؤولية. فنشر عشرات المقالات والدراسات في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وتوزع نشاطه بين عضوية اتحادات مهمة كاتحاد الأدباء والكتاب في العراق، واتحاد المؤرخين العرب، ونقابة الصحفيين العراقيين. كما شغل مواقع ثقافية مؤثرة، منها عضويته في الهيئة الإدارية لاتحاد أدباء بابل، ومشاركته في لجنة انتخابات الاتحاد العام للأدباء سنة 2022.

في رحاب مؤلفاته: الذاكرة الوطنية والتنوير الثقافي

من يطالع مؤلفات أحمد الناجي المطبوعة يقف أمام مشروع ثقافي حقيقي، تتداخل فيه مجالات التأريخ والفكر والنقد الاجتماعي والفلسفي، وقد بلغت مؤلفاته المطبوعة خمس عشرة، حملت كلها بصمته التوثيقية ورؤيته التحليلية. فمن “أوراق من الاحتلال البريطاني للعراق 1914-1918” (2005) إلى “نوافذ على الذاكرة الحلية” (2022)، يراوح الناجي بين صرامة المؤرخ ومجازات الكاتب.

وقد كان من أوائل من أنصف المفكر التنويري الشيخ عبد الكريم الماشطة في طبعتين في 2006 و2019، وكأنه أراد أن يعيد الاعتبار لرموز نهضوية أهملها التاريخ الرسمي. كما سعى في كتابه الفريد “هيغل والحلة” (بطبعتيه 2007 و2021) إلى رسم علاقة غير تقليدية بين مدينته وبين الفلسفة الهيغيلية، فحاول أن يجعل من الحلة بوابة للتأمل الفلسفي.

ولعل كتابه “التاريخ في ذاكرة الشعر” (2008) نموذج آخر لقدرته على العبور بين الحقول، حيث جعل من الشعر مدخلاً لتأمل التاريخ، ومن الذاكرة نافذة لإعادة سرد ما سُرد بعيون جديدة وكتابين آخرين عن علمين من اعلام الحلة أولهما: ناجح المعموري.. غواية الأسطورة وسحر الكلام، دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، 2018. والثاني هذا هو موفق محمد، دار الفرات للثقافة والإعلام، بابل، 2021.

  لم يقتصر الناجي على التأليف الفردي، بل ساهم في العشرات من الكتب المشتركة، سواء بمقالات أو دراسات أو مقدمات، وتوزعت جهوده فيها بين قراءات لمدينته، واستذكارات لشخصيات ثقافية، وتحليلات لخطابات نقدية، لعل أبرزها مساهمته في موسوعة “الحلة الحضارية”، أو دراسته عن المجتمع الحلي في الانتداب البريطاني.

أما في الدوريات، فكان قلمه حاضرًا في أبرز الصحف العراقية من طريق الشعب إلى المدى، ومن الصباح إلى المؤتمر، فضلًا عن المجلات الثقافية مثل الثقافة الجديدة وجدل ومتون والجنائن، التي تولى في بعضها مواقع تحريرية، مثل مدير تحرير الجنائن وسكرتير تحرير أوراق فراتية، ما يعكس التزامه العملي بالثقافة، لا الاكتفاء بالنشر العابر.

امتد صوته إلى المنصات الدولية، فحاضر في مؤتمرات ومهرجانات داخل العراق وخارجه، منها مؤتمر مالمو الثقافي في السويد سنة 2013، حيث تحدث عن التنوير والثقافة العراقية وعلي الوردي، بل وأعاد تقديم أفكاره في منتديات الدنمارك ويوتوبري، وكأن فكر الحلة بات مهيئًا ليتجاوز محليته نحو آفاق أرحب.

رؤى نقدية عنه وشهادات تثبت المنجز

تناول عدد من الأدباء والنقاد منجزه بالقراءة والاحتفاء، منهم ناجح المعموري، جمال العتابي، رشيد الخيون، رياض الغريب، جاسم عاصي، شريف الزميلي، جبار الكواز، وغيرهم، واحتفت بمشروعه كتبٌ متخصصة بتراجم الكتّاب مثل: أدباء وكتاب بابل المعاصرون لعبد الرضا عوض، ومعجم رجال الحلة لصباح المرزوك، وتراثيون في الذاكرة لرفعت الصفار، ما يشير إلى انغراسه في تربة الثقافة العراقية المعاصرة.

ذاكرة مثقف لم تهادن النسيان

في سيرة أحمد الناجي نجد ملامح المثقف الذي لم يركن إلى ضوء المكتب، بل جال في الندوات والمجلات والمنابر ليصنع أثرًا، لا بصراخ الخطابة، بل بهدوء المعرفة وبصبر المؤرخ. ظل وفيًّا لمدينته الحلة، لكنه جعل منها مجازًا لوطن يبحث عن ذاته. انه باحث جاد ومؤرخ ومثقف عضوي، يمثل شاهدًا حيًا على كيف يمكن للثقافة أن تكون مقاومة، وللكلمة أن تكون واحة ضد النسيان.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً