السيمر / الأحد 04 . 12 . 2016 — يحوي شريط من الصور السلبية (النيجاتيف) عثر عليه وسط ما تبقى من أنقاض بيت في شمال العراق لقطات من حياة أصحابه قبل أن يجتاح تنظيم الدولة الإسلامية المنطقة قبل نحو عامين ويجبر المسيحيين على الفرار منها.
وفي بعض اللقطات تبدو إمرأة وهي تقوم بشواء لحم على أسياخ وحولها مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب ربما يحتفلون بعيد ميلاد أو خطبة وفي لقطات أخرى يظهر رجل وهو يرتقي سلما مسنودا على حائط بيت تحت الانشاء.
تتناقض تلك الصور مع ما حاق بمدينة قرة قوش من دمار بعد أن كانت أكبر تجمع سكاني للمسيحيين قبل أن يسيطر عليها المتطرفون في 2014 ويوجهوا إنذارا لسكانها: دفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو الموت.
وفٌر أغلب سكانها البالغ عددهم 50 ألف نسمة في أحدث فصل في تاريخ يرجع إلى دخول الديانة المسيحية إلى العراق قبل ألفي عام.
استعادت القوات العراقية قرة قوش قبل شهر في المراحل الأولى من حملتها لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل وإنهاء دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم لكن ربما يكون قد فات الاوان لتعديل اتجاه تراجع أعداد الأقلية المسيحية في العراق.
ورغم مغامرة السكان بالعودة لتقييم الأضرار فإنهم يقولون إنهم لن يقيموا في قره قوش مرة أخرى ما لم يحصلوا على تعويضات وضمانات بالحماية من المجتمع الدولي.
وعادت قلة منهم في أكفان لدفنهم في بلدتهم بعد أن جنبهم الموت رؤية الدمار الذي حل بها.
وتعرضت قره قوش للنهب على أيدي المتشددين الذين سرقوا كل ما له قيمة من أجهزة تلفزيون وغسالات ومبردات (ثلاجات) لتوزيعها على أتباعهم أو بيعها لتحقيق ربح.
وأحرقت بعض المنازل سواء لعمل سحابة دخان تحجب الرؤية عن طائرات التحالف التي تقصف التنظيم دعما للقوات العراقية أو نكاية في السكان فيما يبدو.
وقال المدرس وسيم رؤوف بولي وهو يحاول أن يبعد عن ذهنه صورة المتشددين وهم يفرغون المنزل من محتوياته ويجمعونها في الخارج لحرقها “الوضع أسوأ مما توقعناه”.
ووسط الأنقاض وجد قطعة ملابس داخلية لأحد المتشددين وغطاء صندوق ذخيرة لقذائف مورتر من عيار 120 مليمترا كتب عليه “دولة الخلافة لجنة التطوير والتصنيع العسكري-إدارة المفرقعات”.
وقالت زوجته زينة وهي تواسي ابنتها الصغيرة في فقد عروستها المفضلة التي وجدت متسخة وممزقة “بكيت عندما دخلنا المنزل.”
*مصنع قنابر
وبالقرب من منزلهم وجد سعد بهنام بطوس منزله وقد تحول إلى مصنع للقنابل.
كانت رائحة مواد كيماوية تفوح من المنزل ووجد في غرفة المعيشة مكونات لصناعة عبوات ناسفة منها دلاء مملوءة بأسمدة طحنت إلى مسحوق وإناء ممتلئ بمفصلات للأبواب على الأرجح لاستخدامها كشظايا.
وفي كل المنازل وجدت محتويات دواليب الملابس والأدراج ملقاة على الأرض فيما يشير إلى أن المتشددين كانوا يبحثون عن أشياء قيًمة مخبأة.
لكنهم لم يعثروا على 12 مليون دينار (عشرة آلاف دولار) دفنها خضر عبادة تحت كومة من التراب على سطح منزله قبل أن يغادره غير أن المتشددين نجحوا في تخفيض قيمة مدخراته.
وشاشة البلازما التي دفع أبو مريم 1600 دولار لشرائها اختفت لكنهم تركوا جهاز التلفزيون القديم في مكانه على الطاولة حيث تركه عندما غادر البلدة في تلك الامسية في شهر أغسطس آب 2014.
وعندما سئل عن شعوره لدى دخوله منزله مرة أخرى لم يجد كلمات يصف بها إحساسه وتقلصت حنجرته قبل أن ينطق أخيرا بكلمة “الغضب”. قام واحد من أبنائه برحلة الهجرة غير الشرعية الخطرة في زورق إلى أوروبا هذا العام ويقيم الآن في ألمانيا بعد أن فقد الأمل في العراق.
وفي السنوات التي تلت سقوط صدام حسين أصبح المسيحيون هدفا للمتشددين وسعى العديد منهم للجوء إلى قره قوش ومنهم ضياء روفا الذي كان يقيم في الموصل ثم فر بعد أن هدده المتشددون بخطف ابنته في عام 2006.
حتى لو كان العيش مرة أخرى في قره قوش آمن يقول روفا وغيره أنهم لا يملكون سبل إعادة البناء لأن مصادر رزقهم دمرت ومدخراتهم أنفقت.
وقال روفا “عمري 64 عاما. لو كنت صغيرا لكنت بدأت من جديد لكن في هذه السن ما الذي يمكنني عمله؟.. نحن (المسيحيون) ليس لنا مستقبل في العراق.”
ورفعت صلبان خشبية مؤقتة فوق كنائس قره قوش لتحل محل تلك التي حطمها أفراد تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي إحدى الكنائس بقي تمثال للمسيح قائما لكنه مقطوع الرأس. وتناثرت على الارض صفحات من الكتاب المقدس باللغة الآرامية.
وكتبت شعارات التنظيم المتشدد على أبواب المتاجر في الشارع الرئيسي ووقع تحتها مقاتلون تشير أسماؤهم إلى أن بعضهم جاء من داغستان والشيشان.
وكتب باللون الأحمر على متجر منهوب للأدوات الكهربائية “واالله.. سنكسر صليبك”.