السيمر / السبت 17 . 12 . 2016 — برغم الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد، الا إن الحياة لازالت تصر على الاستمرار بعصيانها على الكسر في أزقة العاصمة بغداد، وتمردها حتى على الموت. وبمنظر الزينة وثياب “سانتا كلوز” حمراء اللون، واشجار عيد الميلاد، يستعد الأهالي هنا لاحتفالات راس السنة الميلادية كما لو ان إرهاب التنظيمات المتوحشة لم يعد يتربص بهم.
المناسبة التي من المفترض ان تكون مناسبة دينية، يحتفل فيها مسيحيو العالم بولادة السيد المسيح ، صارت تستقطب أبناء الديانات الأخرى، بمن فيهم المسلمين، ليحيوا الليلة بشكل يوازي المناسبات الإسلامية كأعياد الفطر والاضحى.
وحيث تعتبر المناسبة فرصة للفرح، والابتهاج، في البلاد التي تقدم آلاف الشهداء والجرحى سنوياً، قرباناً للحظات السعادة هذه، والتمسك بالحياة، تبدو محال الزينة، وبيع الأشجار، كما لو انها عيد ميلاد مستمر لما يقارب ثلاثة أسابيع قبل ليلة الأول من كانون الثاني.
وتعد منطقة الكرادة، وسط بغداد، واحدة من أكثر المناطق التي سجلت سكن أبناء الديانة المسيحية، ما يمنحها طعماً خاصاً يتجلى بإغلاق شوارعها أمام المركبات، وتلوّن سمائها بالألعاب النارية احتفالاً بالمناسبة، كما وتنتشر فيها ثماني كنائس لطوائف مختلفة من المسيحية.
وإيذاناً منها بانطلاق استعدادات احتفالات راس السنة، شرعت المحال التجارية في الكرادة بعرض بضائعها أمام المارة من المتسوقين، مسجلةً بذلك سبقاً في النزعة نحو الاحتفال والاستمرار.
ويقول أحمد (29 عاماً)، وهو يتنقل بين الأشجار المعلبة بالورق المقوّى، انه “موسم أحياء السوق بعد أشهر من الجفاف، تبعت تفجير الكرادة”، مذكراً بالتفجير الذي استهدف المنطقة مطلع تموز الماضي، وذهب ضحيته ما يقارب 300 شهيد، جلهم من النساء والأطفال.
ويضيف صاحب المحل الذي يكاد يكون أسواقاً بكاملها لتعدد البضائع فيه، لـ(و1ن نيوز)، ان “السوق بدت شبه ميتة بعد التفجير، خصوصاً وإن الاحترازات التي اتخذتها القوات الأمنية خوفاً من تكرار الاستهداف، قد أسهم بتحويل جزء كبير من المتبضعين الى مناطق أخرى، كالمنصور وبغداد الجديدة”.
وفي الشارع الطويل الذي يربط بين ساحة كهرمانة، وتقاطع الأورزدي (1 كم باتجاه الجنوب، عن مكان الحادث)، أغلقت العديد من المحال بسبب توقف السوق، كما ولا زالت العديد من قطع “للبيع”، أو “للإيجار” معلقة على محال هذه المنطقة.
الأهالي هنا علت محياهم بوادر الراحة أيضاً، متأثرين بمظاهر الفرح في الشارع، أو حتى بفعل الزمن، حيث مرت أكثر من خمسة أشهر على الحادثة. مسجلين إقبالاً ملحوظاً على شراء الأشجار وزينتها من كرات ملونة، وأشرطة لمّاعة، في جو تتراوح درجة حرارته بين 10-4 درجات مئوية، ما يضفي شيئاً من الحميمية على المشهد بكامله.
وبرغم كون المناسبة تحرك بشكل او بآخر الأسواق العراقية، إلّا إن نسبة كبيرة مما يتم بيعه لم يصنع في العراق، فالأشجار البلاستيكية أتت عبر الاستيراد من الصين، الى جانب زينتها، في حين تأتي الملابس من تركيا، أو الصين ايضاً، بل حتى ان الأغذية فيها مستوردة، ابتداءً من الموز الأفريقي، وليس انتهاءً بالمشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة سعودية الصنع.
ويقول علي، وهو بائع في السوق في عقده الثالث، كان قد قدم من محافظة جنوبية طلباً لفرصة عمل، ان “الاحتفال بأعياد راس السنة صار من المناسبات التي لا غنى عنها هنا، وهو أمر ربما أقل انتشاراً في المحافظات الجنوبية، لكنه فرصة للتخلص من ضغوطات الحياة، والاستراحة”.
ويضيف بائع الحقائب النسائية، إن “العمل ازدهر خلال شهر كانون الأول، بعد انتهاء المناسبات الدينية، وشهري محرم وصفر، وانطلاق العام الدراسي”، متابعاً ان “الفترة هذه تسمى بالموسم الشتوي، وتستمر لما يقارب الشهرين”.
ويشير علي، مستغرباً، الى ان “مظاهر الاحتفالات بدأت فعلاً، قبل ما يقارب أسبوعين من ليلة رأس السنة”، في إشارة الى انتشار الألعاب النارية، والتي تحرص السلطات في المناسبات المماثلة على التحذير منها، خصوصاً في ظل الاستخدام الخاطئ لهذه الـ “صعّادات”، كما تسمى بالمحكية.
أما على الصعيد الرسمي، فإن المناسبة تعتبر عطلة رسمية في جميع المحافظات العراقية، عملت الحكومات المتعاقبة على منحها للموظفين طوال السنين الماضية، كما وتطبق خطة أمنية خاصة بها، بالتزامن مع التهديدات التي تعيشها مناطق العراق.
وبين التهديد الأمني، والرغبة بالاحتفال التي يبديها العراقيون في كل مناسبة تدعو للبهجة، تبقى المنطقة واحدة من أعرق مناطق العاصمة، وأكثرها تنوعاً اجتماعياً، ما يجعل منها عينة نموذجية من البلاد، بألوانها، وغناها، وقدرتها على التعافي بين فاجعة وأخرى.
وان نيوز