الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / مسيحيو حلب يحتفلون بالميلاد للمرة الأولى منذ خمسة أعوام
صورة من أرشيف رويترز لكنيسة في مدينة حلب بشمال سوريا.

مسيحيو حلب يحتفلون بالميلاد للمرة الأولى منذ خمسة أعوام

السيمر / الجمعة 23 . 12 . 2016 — يكاد مسيحيو حلب لا يصدقون أن عيد الميلاد هذا العام سيمر على بيوتهم وشوارعهم ومقاهيهم الليلية ويسعد أطفالهم لكن المعجزة حدثت واستعدت مدينة الحرب لاستقبال أيام العيد ودقت كنائس حلب أجراسها بعد أن كانت أصوات القذائف تغطي على كل صوت يضج بالحياة.
وتحت درجة حرارة تتخطى الصفر بقليل تحلّق المئات من سكان حي العزيزية في وسط حلب ليلا حول شجرة ميلاد أضيئت هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ خمسة أعوام.
ويقع حي العزيزية بالقرب من مركز المدينة وهو من أوائل الأحياء التي بنيت خارج أسوار المدينة القديمة بدءا من عام 1868.
يقطن الحي أغلبية مسيحية حيث ازدان مثل حي السليمانية المجاور بمظاهر العيد للمرة الأولى.
وعلى مدى السنوات الماضية أثارت أعمال العنف التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية بحق المسيحيين في العراق الخوف والذعر في قلوب مسيحيي حلب ما دفع الكثير منهم إلى الهجرة وإن كان كثير منهم أصر على البقاء في مدينتهم.
ويمثل المسيحيون ما بين ثمانية وعشرة في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم ثلاثة وعشرين مليوناً ويشكلون مع المسيحيين العراقيين أقدم التجمعات المسيحية في الشرق الأوسط والشرق الأدنى.
وفي مقهى قديم داخل حي العزيزية يقف جوزيف بريج مراهنا على الماضي والحاضر وعلى سر البقاء في منطقته رغم مغادرة معظم أفراد عائلته.
ويقول بريج لرويترز “منذ بداية الحرب رفضت السفر. كنت أعرف أن حلب ستعود مهما حصل. هدف الحرب هو تهجير المسيحيين من المنطقة .. مرت علينا فترات ندمنا أننا لم نخرج وكنا نقول نيال يلي راح (هنيئا لمن رحل).”
ويملك جوزيف متجرا لزيوت السيارات في العزيزية مما أتاح له العودة إلى العمل بقوة بعد الحرب وهو يردد “مصائب قوم عند قوم فوائد. فعملي اليوم يقوم على بيع الزيت للمولدات” التي تزدهر في المدينة في ظل تقنين الكهرباء.
وكانت حلب على مر العصور تمثل العاصمة الاقتصادية لسوريا وتسكنها معظم رؤوس الأموال وتعتبر مقرا للمصانع والقرى والمقاهي السياحية فضلا عن الأسواق القديمة التي تم تدمير وحرق معظمها اليوم.
وعلق جوزيف على ما وصلت إليه المدينة قائلا “كنا ماشيين إلى الأمام عم بنروح على حضارة .. دخل الفكر المتطرف وأعادنا خمسين ألف سنة للوراء”.
والتندّر على أيام الماضي هي سمة الصامدين في قرى وأحياء حلب حيث تقول صونيا وهي في العقد الستين “في السابق كنا مبسوطين إلى أقصى الحدود كنا طايرين طيران من أشغال وسهر إلى لبس وأكل. كنا محسودين .. خسرنا كل شيء حتى نفسيتنا ولم تبق تلك الحياة الزاهرة والمتعة التي كنا نعيشها هنا في حلب.”
وأضافت قائلة لرويترز وهي تحتسي الشاي في مقهى بالعزيزية “ولكن يجب أن نثبت وجودنا في بلدنا حتى ولو كنا أقلية ويجب أن نحتفل بأعيادنا التي هجرناها منذ سنوات.”
وصونيا هي واحدة من المسيحيين الذين رفضوا النزوح أو اللجوء إلى بلدان أخرى وتضيف لرويترز “لا نريد أن نرحل ونتشرد ونحن نسمع من الذين هاجروا أنهم غير مرتاحين. هل نعيش عالة على الدول في الخارج؟ ماذا يشتغلون هناك؟”.
ويتذكر سكان العزيزية الأيام الصعبة التي قضوها تحت القصف حيث فقدوا الكثير من أقربائهم وأحبائهم في حرب السنوات الست وتقول كارول فريج وهي أم لولدين “نزل علينا الكثير من قذائف الهاون والله حامينا. لم يبق ناس أقرباء ولا رفاق.
وأَضافت “هذه أول سنة نرى الزينة في الطرقات وقبل ذلك لم نكن نجرؤ على وضع شجرة داخل بيوتنا. الآن بدأت الناس ترتاح وتزيّن.”
واندفع المسيحيون وسكان من طوائف أخرى إلى الشجرة الأم في ساحة العزيزية وأضافوا إلى الزينة التقليدية للشجرة ونجومها المضاءة صورا لكل من الرئيس السوري بشار الأسد إلى جانب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقصت مجموعة من السوريين فرحا بما اعتبروه نصرا في شرق حلب.
وأعلن الجيش السوري يوم الخميس أنه استعاد السيطرة على مدينة حلب بالكامل بعد أن غادرت آخر مجموعة من مسلحي المعارضة المدينة مما يمنح الأسد أكبر انتصار له في الحرب.
وأعلن الجيش “عودة الأمن والأمان” إلى حلب منهيا سنوات من سيطرة مسلحي المعارضة على أجزاء من المدينة الواقعة في شمال سوريا.
وجاء في بيان للجيش إن النصر يمثل نقطة تحول مهمة.
واستعادة حلب هو أهم مكسب للأسد حتى الآن في الحرب التي تفجرت منذ نحو ست سنوات وأسقطت 300 ألف قتيل. لكن القتال لم ينته إذ أن أجزاء كبيرة من البلاد لا تزال تحت سيطرة جماعات مسلحة وجماعات متشددة.
وقال الأسد إن استعادة حلب نصر يشاركه فيه حلفاؤه الروس والإيرانيون. وكان الطيران الروسي قد شن مئات الغارات التي دكت أجزاء يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في حلب. وأرسلت جماعات مدعومة من إيران يقودها حزب الله اللبناني آلاف المقاتلين إلى المدينة.
وفي الجزء الغربي من المدينة الذي ظل تحت سيطرة الحكومة طيلة الحرب قال شهود إن أعيرة نارية وألعابا نارية أطلقت في الهواء ابتهاجا وكانت هناك مظاهر احتفالية بالشوارع مساء الخميس. ورددت الحشود الأغاني ورقصت ولوحت بالأعلام وبصور الأسد وهتفت بشعارات تشيد بالجيش والرئيس.
ومنذ خروج المعارضة المسلحة من شرق حلب تكتظ المقاهي في المدينة بالرواد لاسيما أيام الخميس والجمعة والأحد بحيث لا يجد الزائر ليلا أماكن في المطاعم وبعض الفنادق العاملة.
وقال إبراهيم إبرة الذي كان برفقة مجموعة من مصففات الشعر في مقهى آخر في العزيزية “نحن مسيحيون وهاجر الكثير من أهلنا وأصحابنا ونصف عائلتنا صارت في الخارج لكن نحن صمدنا … كان يجب أن يبقى احد منا لكي يعود الآخرون.”
وأضاف إبرة فيما كان ينفث دخان النرجيلة في المقهى “لقد تراجع عدد المسيحيين في حلب من 130000 إلى 35000 في غضون خمس سنوات. وهذا يشكل أقل من خمسة بالمئة من نسبة السكان.. سواء كانوا قتلوا أو أجبروا على الفرار فإن هذا يعتبر تطهيرا عرقيا.”
وقال زميله “المسيحيون وضعوا أمام خيارات أسهلها مر فإما أن نغيّر ديانتنا أو أن ندفع الجزية أو الهرب وهو ما حصل في الموصل العراقية وهذا ما دفع بالكثير من مسيحيي حلب نحو خيار اللجوء إلى دول أخرى. غير أننا صممنا على البقاء مهما كانت النتيجة لأن هدف الإرهاب هو تهجيرنا من أرضنا ونحن لن نمكّنهم من ذلك.”

رويترز

اترك تعليقاً