السيمر / السبت 14 . 01 . 2017
ثريا عاصي
كأني أرى شاهدة اللحد : هنا يرقد مطران القدس الكاثوليكي هيلاريون كبوجي .. 01.01.1965 ـ 01.01.2017.
توفي يوم إستهلال العام الجديد، المطران هيلاريون كبوجي. يا له من يوم عظيم في مسيرة نضالنا. وما أدراك من هو مطران القدس! ففي هذه المدينة ـ الرمز، يصير المطران مقاوماً يدفع العدوان عن الناس.
أن يضطر مطران مسيحي إلى أن ينخرط في المقاومة الفلسطينية الوطنية، أشدد على انها كانت وطنية، التي انطلقت في 01.01.1965 ليس أمراً عادياً، كونه يبطن إشارات على درجة كبيرة من الأهمية، لا بد من الوقوف عندها والتعمق في مقاصدها ودلالاتها.
مشى المطران مع المقاومين الفلسطينيين الأوائل، مع طلائع المقاومة ضد الإستعمار الاستيطاني العنصري الإسرائيلي، لأنه أحس بأن المستعمرين يـُعـِّنتون الناس، جميع الناس، في فلسطين ويطردونهم من أرضهم ويخرجونهم من بيوتهم، ليستوطنوا مكانهم، ليأخدوا ممتلكاتهم، فكل الأمور مباحة «للشعب المختار» بما في ذلك النزق والصلف والسلوك العنصري!
إعترض سماحة المطران كبوجي على الاستعمار وعلى الظلم العنصري . فهبّ مدافعاً في صفوف حركة فتح. كانت المقاومة آنذاك إسمها «فتح»، كانت بذلا وعطاء، كانت إيماناً صادقاً، قبل عصر النفط والأمير والولي وولي الولي والشيخ.
المطران كبوجي وأمثاله يفـْدون الإنسان لكي يسترد حقوقها ويتحرر من نير الظالم الغاشم، لا شيء يغويه عن رسالته الإنسانية. فهو لا يضع يده بيد أميركا ولا يستقوي بها، وهي في مختلف الأحوال لن تنصره، لا يسألها أن تقف «وقفة الرجال كما وقفت في ليبيا»! وقفة الرجال في ليبيا، قالها الذين أنطقتهم العصبية.
اعتقل المطران المقاوم هيلاريون كبوجي في سنة 1974 «بجرم مقاومة المستعمر العنصري» المشهود. هذا المستعمر الذي يجبرنا منذ ست سنوات، الأميركيون مع حلفائهم، بقوة السلاح وأموال أمراء النفط وفتاوى شيوخ النفط، على التطبيع معه، زج المطران الحلبي السوري في سجونه طيلة أربع سنوات وعذبه كما يُعذّب المناضلون الفلسطينيون الأسرى!
لم يصالح المطران كبوجي المستعمر الغاصب العنصري الذي شكا بعض «ثوار سورية» إليه أمرهم . فنـُفي إلى روما حيث انتظر في كنف كنيستها العودة إلى القدس. فظلت أولى القبلتين قبلته حتى وافته المنية ورجع إلى ربه راضياً مرضياً.
لبّ المطران كبوجي السوري في 2009 نداء أهل قطاع غزة المحاصرين المجوعين . فركب «اسطول الحرية» في تظاهرة إنسانية «غير حكومية» بقصد إيصال المساعدات إلى الأطفال والمرضي والفقراء في القطاع. ولكن المستعمر العنصري إعتدى على المتظاهرين وقتل عدداً منهم . لم تحرك دول الغرب ساكناً، لأن قطاع غزة في ذلك الوقت لم يكن عنوانه دارفور في السودان، أو حماه أو حلب في سورية. كان المطران كبوجي حاضراً وشاهداً!
ولم يتردد في الإنضمام إلى وفد حكومة بلاده إلى جنيف في سنة 2014 . فالتحف علم الوطن السوري . كان على يقين من أن سورية تتعرض «لحرب صهيونية دنيئة»، أي لنفس الحرب المستمرة منذ سنوات 1930 في فلسطين والتي أسفرت عن إخلاء الفلسطينيين منها!
لا توجد من وجهة نظري إدانة للثورة المزيفة في سورية ولثوارها الجهلة وللمعارضات المنتشرة في مدن المستعمرين وفي مدن مستعمراتهم، أقوى من قول المطران كبوجي أن سورية تتعرض لمؤامرة صهيونية دنيئة!
ماذا سيقول المعارضون السوريون لأبنائهم إذا سألهم الأخيرون عن مطران سوري حلبي إسمه هيلاريون كبوجي؟ قال المطران كبوجي، لا يجب أن نكون حيث يكون المستعمرون الإسرائيليون، لا يجب أن نكون حيث تكون أميركا . كان المطران كبوجي على حق وسيبقى دائماً على حق!
«أنا سوري النشأة فلسطيني الكفاح عربي الهوية» هذه وصية المطران كبوجي التي يبين فيها النهج الذي اختطه لنفسه. حتى تكون فلسطيني الكفاح عليك أن تكون مناهضاً للإستعمار الإسرائيلي ومعاونيه الرجعيين العرب. وحتى تكون عربي الهوية عليك أن تناضل وتنشط من أجل رفع مستوى وعي الناس إلى أن التضامن والإتحاد ضرورة لازمة إذا هم أرادوا البقاء والتقدم، أمة بين الأمم الأخرى!
وفي الختام لقد جسد هذا الرجل من خلال سيرته معنى الإيمان والوطنية الحقة بما هي دفاع عن الإنسان وعن كرامته وحريته. ففي إنسانية المطران كبوجي اجتمعت الرسالات السماوية. ولو لم يحفظها ويهذب نفسه بتعاليمها ويعمل بهديها لما سلك بثبات وشجاعة نهج النضال التحريري ضد المستعمر فكان إماماً من أئمة المقاومة . لم يكن سماحة المطران كبوجي، كما كانوا يطلقون عليه، مسيحيا فقط وإنما كان أيضا كل ما يجب أن نكون، لقد اختزل كل إنسانيتنا.
فسلام على المطران هلاريون كبوجي يوم يموت ويوم يبعث حياً!
الديار