السيمر / الجمعة 17 . 02 . 2017
محمد ضياء عيسى العقابي
أصدر البيت الأبيض يوم 12/2/2017، حسب فضائية (الحرة – عراق)، بياناً توضيحياً بشأن المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي ترامب مع الدكتور حيدر العبادي، قبل يوم. أشار البيان الى إستمرار الدعم الأمريكي للعراق و”بحثا الدور التخريبي لإيران في المنطقة”.
في الحقيقة صيغت الفقرة الخاصة بإيران بطريقة صحفية شيطانية
توحي وكأن الطرفين (ترامب والعبادي) متفقان على وصف الدور الإيراني بكونه “تخريبياً” في المنطقة.
أكاد أكون واثقاً أن الرئيس العبادي لا يشاطر ترامب هذا الرأي بأي قدر لأنه بعيد كل البعد عن الحقيقة. فترامب همه تمكين إسرائيل، والعبادي همه تمكين الشعب الفلسطيني والأمران لا يلتقيان. ويقف العبادي والإيرانيون في هذا المجال بالكفة المقابلة لكفة ترامب و”حلفاءه” في المنطقة والداخل العراقي.
إن هذا جزء من النهج الأمريكي الذي دأب، ومايزال، على إثارة الفرقة داخل المجتمع العراقي بغية تمزيق النسيج الإجتماعي واللحمة الوطنية السياسية بهدف تمرير مشروع المحافظين الجدد الرامي الى تفتيت الدول العربية والإسلامية وتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة بقفاز سعودي.
لمس المخططون الأمريكيون، بغض النظر عن الرئيس الحاكم في البيت الأبيض، فالمهم هو المشروع المعتمد وهو مشروع المحافظين الجدد – لمسوا أن هناك إختراق هام حصل من جانب “حلفائهم” الطغمويين* والبرزانيين والفاشلين في العراق للمشهد السياسي العراقي إذ إستطاعوا دفع جماعات كانت بالأمس الى الجانب الوطني الديمقراطي وإنتقلوا الى الجانب المخرب. والأهم أنهم ينشطون، كقفازات، نيابة عن المخربين ويطرحون ما يريدون. وهم، الطغمويون، الذين إسودّت وجوههم وفقدوا مصداقيتهم أمام جماهيرهم وما عاد هناك من يصدقهم بعد فشل مؤامرتهم الداعشية ورمي الجماهير في مخيمات النزوح، لذا فقد لجأوا الى إستخدام آلية القفازات.
من المظاهر التي شجعت المخططين وترامب على محاولة وضع كلمات بفم العبادي للإساءة الى إيران – هي الرسائل التي تلقوها مما يلي:
– الشعارين الشهيرين اللذين رفعهما “الثوار” في صيف عام 2016 وهما: “باسم الدين باكونا الحرامية” و “بغداد حره حره …. إيران بره بره”.
قرأ المخططون الرسائل المبطنة فيهما قراءة جيدة. كما قرأوا في الشعار الثالث المتمم لهما “الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة” تبرئةً للإرهابيين الحقيقيين وتلبيس الإرهاب برأس الشيعة وهم الضحايا الحقيقيون.
– تظاهرات يوم 11/2/2017 المنادية، لفظاً ببغاوياً، بإسقاط المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات التي يشغل فيه الصدريون ثلث المقاعد وثلاثة مدراء عامين؛ والرامية، فعلاً، الى السيطرة على المفوضية وبالتالي السيطرة على نتائج الإنتخابات القادمة. ثانيةً: قرأ المخططون المغزى.
– الرسالتان الأخطر، طراً، اللتان قرأهما المخططون الأمريكيون بإهتمام خاص وهما:
o مطالبة “متظاهري” يوم 11/2/2017 إيكال مهمة تشكيل “المفوضية المستقلة العليا للإنتخابات” الى الأمم المتحدة.
سيقرأ المخططون هذا المطلب بتوفر الإستعداد لدى الجماهير “المليونية” للدوس على السيادة الوطنية بأقدامهم. إنها دعوة لمن يهمه الأمر الى إستباحة العراق وسيادته.
o عزم إتحاد القوى الذي أعلنه رئيس كتلته البرلمانية أحمد المساري والنائب رعد الدهلكي، على تشكيل وفد لمقابلة الرئيس ترامب.
سيقرأ المخططون الأمريكيون هذا العزم على أنه طلب مبطن يدعو الى تفعيل قانون المساعدات الخارجية الذي أقره الكونغرس قبل عام تقريباً ودعا فيه الى التعامل مع “السنة” (يقصدون الطغمويين) والكرد في العراق مباشرة دون المرور بحكومة بغداد، أي عدم الإعتراف بسيادة العراق. وبالفعل هرع، في حينه، الى واشنطن البرزاني وأعقبه وفد من مجلس محافظة الأنبار يتقدمهم رئيسه السابق صباح الكرحوت وعضوية المحافظ صهيب الراوي ومستشار المحافظ حكمت سليمان المتبجح دائماً بعبارات “تقدمية” طنانة. والآن يهرع أصحاب النجيفي الى واشنطن لنفس الغرض بعد أن أظهر ترامب نواياه السيئة حيال العراق وشعبه ونفطه وسيادته.
كل هذه الرسائل شبه الصريحة أفهمها المخططون لترامب وحفظها جيداً فتجرّأ على محاولة وضع كلمات في فم العبادي على إفتراض أن موقفه ضعيف فلا يقوى على رده.
والشكر كل الشكر لأصحاب تلك الرسائل الوطنية جداً!!
يتطلب الأمر أن يرد الرئيس العبادي أو مكتبه الإعلامي على بيان البيت الأبيض لتوضيح الحقائق وجعل الجميع يلتزمون حدودهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*):الطغموية والطغمويون
الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية.
سمات الطغمويين: الطائفية والعنصرية والدكتاتورية والديماغوجية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا كناتج عرضي على طريق تحقيق أهدافها الخاصة، وفق المشروع العالمي الذي رسمه المحافظون الجدد للهيمنة على العالم، ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي الذي جعله السيستاني نظاماً ديمقراطياً حقيقياً عراقياً لا شكلياً، ومن ثم أخرج العراقيون قواتها، أمريكا، واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012 ورفض تمرير مشروع المحافظين الجدد باستخدام العراق كوسيلة.
لم يترتب على العراق، إذاً، أي إلتزام قانوني أو تبعات مالية نتيجة أي عمل قام به الأمريكيون حسب أعلاه حتى إذا كان مفيداً للعراق كإطاحة النظام لأن العمل برمته أمريكي بحت ولم يحظَ بموافقة الأمم المتحدة، ولا يعني شيئاً قانونياً عزوفُ العراقيين عن الدفاع عن النظام الفاشي في وجه الغزو الأمريكي. العاطفة شيء والقانون شيء آخر خاصة وأن الأمريكيين لم يتصرفوا بحسن نية وكشفوا عن نوايا ومشاريع سيئة.
العكس هو الصحيح حيث يتوجب على أمريكا تعويض العراق عن كل ما لحق ببنيته التحتية وكل ما ترتبه القوانين الدولية على دولة الإحتلال.
غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر بإيحاء من أمريكا نفسها، ودخلوا العراق من الشباك.
بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أجج الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبرقعة مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية إصطفافاً وتنفيذاً للمشروع الطائفي السعودي الوهابي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية الزاحفة على النظام في المملكة من الجار الشرقي ودرء خطر الإحراج الذي سببته إيران للمملكة بعد أن كشفت، إيران، تآمرهم على القضية الفلسطينية حينما مدت المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بالسلاح بينما إقتصر الدعم السعودي على المال المسموم ثم إنحدرت الى مستوى التآمر لتصفية القضية الفلسطينية وتآمرت على التضامن العربي.
وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً وكفاءة عالية مستخدمين الطغمويين أنفسهم في هذا المجال كأدوات طيّعة لإضعاف العراق الجديد وتشويه الديمقراطية والإستهانة بها وتحويله، العراق، الى دولة فاشلة؛ وربما كان الأمريكيون هم المحرضين على تأجيجها وذلك من أجل تنفيذ مشروع المحافظين الجدد الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم، الأمر الذي أوجبته ضرورات معالجة أمراض النظام الرأسمالي المأزوم بطبيعته عبر تصدير أزماته للعالم وخاصة الفقير منه دون رادع.
أفشل العراق، على يد التحالف الوطني، مشروع أمريكا هذا الذي إصطدم مع المصالح الإمبريالية الأوربية أيضاً، ولكن إدارة الديمقراطيين الأمريكية أعادت إحياءه بعد إصلاح التحالف التقليدي مع أوربا الإمبريالية الذي هدده المحافظون الجدد بدافع الإنفراد والإستحواذ.
فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة بعد تشويه مفهومي الشراكة والتوافق، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً وهي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية مصالح الجميع وبالتالي تحقيق التعايش المشترك والسلم الأهلي. ولكن الطغمويين لم يتراجعوا ولحد الآن عن رفضهم للديمقراطية وللآخر والسعي الحثيث لتخريبها وإفشالها ولو بإستدعاء قوى إمبريالية وعميلة لـ”ترتيب” أوضاع العراق لصالحهم.
كان وما يزال هذا الإصرار من جانب الطغمويين على إستعادة السلطة بأية وسيلة هو الجوهر الحقيقي للمســــــــــألة العراقـيــــــــــــــة ولم تليّن الهزيمة الإستراتيجية الداعشية من إصرارهم بسبب وجود الدفع والدعم الخارجيين لهم وتشرذم القوى العراقية الإسلامية الديمقراطية؛ ذلك الإصرار الذي لم تشخصه سوى المرجعية في النجف والحريصين من المسؤولين الذين تُحتمُ عليهم مسؤوليتُهم عدمَ البوح بهذا التشخيص تجنباً لشرعنة المشروع الطغموي ولتثبيت الإنقسامات كقدر لا مفر منه؛ ولكن المثقفين والفاشلين أهملوا هذا التشخيص وشوهوه بطروحات منتقصة أو زائفة رغم أن واجبهم المقدس يلزمهم بإبراز هذا التشخيص الذي يمثل الحقيقة الموضوعية الناصعة وتوعية الشعب والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بها وتوجيه الضغوط المعنوية على الطغمويين للحد من تماديهم في التخريب والإرهاب.
شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني السعودي الذي صاغه المحافظون الجدد والقاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها وتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة بقفاز سعودي ولدينا مما جرى في سوريا خير مثال.
فَقَدَ البرزانيون إهتمامهم بالديمقراطية العراقية بعد أن أخذوا منها ما أخذوا ودسوا ما دسوا من ألغام في الدستور بتنسيق أمريكي معهم ثم إنخرطوا في المشروع الإمبريالي آنف الذكر على أمل تحقيق “مملكة برزانية” على حساب نضال الشعب الكردي لتحقيق طموحاته القومية المشروعة بالتحالف النضالي مع شعوب المنطقة، وعلى حساب إستقرار العراق ومصالحه.
الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدَّعون تمثيلَهم السنةَ لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم وقد نبذوا الطغمويين خاصة بعد توريطهم الجماهير إذ دفعوا بها الى العصيان لتغطية إحضار داعش الى العراق لإحداث تغيير ديموغرافي، ومن ثم دفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وتهديدات داعش.
كانت هذه المغامرة الداعشية الخطرة الفاشلة قد شكلت الضربة الإستراتيجية القاصمة الكبرى للطغمويين ورعاتهم حكام أمريكا وتركيا والسعودية وقطر، وما عادوا قادرين على الإبتزاز وفرض المطالب فهم الفاشلون في معركة “الديمقراطية والوطنية” الحاسمة.
للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع الرابط التالي رجاءً: