السيمر / الاثنين 03 . 04 . 2017 — رفع عمّال متطوعون الصليب البالغ طوله 30 قدماً على تلٍ عشبي يقع عند مدخل قرة قوش. المقصود من رفع هذا الصليب إشارة الى عودة الحياة في أكبر بلدة يقطنها المسيحيون في العراق. قلة منهم كانوا هناك لمشاهدة عملية الرفع هذه.
حررت القوات الامنية قرة قوش وجملة من القرى منذ شهر تشرين الأول، إلا أن عدداً قليلاً من سكانها السابقين عادوا منذ ذلك الحين. وكان الابتهاج الأولي هو هزيمة مسلحي داعش، والعائلات عادت للاحتفال بعد عامين من المنفى القصري، قصير الأجل.
في تلك البلدة التي بدت موحشة بسبب إحتراق منازلها ونهب ممتلكات الكنائس، بدت مدينة أشباح رغم عودة ناس قليلين اليها.
بعد خمسة أشهر من تحرير قرة قوش التي بدت مدينة أشباح، أُعيد فتح أول كشك طعام فيها، ويعتبر الوحيد هناك اذي يكتظ بالزبائن. فزبائنه الوحيدون، هم جنود حشد نينوى وميليشيا آشورية شُكلت في عام 2014 للدفاع عن الأرض ضد داعش. ويعمل هذان الفصيلان تحت سلطة الجيش العراقي.
بهنام آبوش، قيادي في حزب الإتحاد الوطني الكردستاني يقول “في بادئ الأمر اي بعد التحرير، عادت ثلاث عائلات فقط لقرة قوش”. فيما ينتظر آخرون إعادة ترميم مدارسهم لزج اولادهم فيها.
ويُشجع آبوش أكثر من 50 الف عائلة مشردة وهم كثير منهم يعيشون في المخيمات، للعودة الى أحيائهم. مؤكداً، أن 5 في المائة فقط من الأهالي من أصل 7000 منزل عادوا لديارهم، فيما بقية اعداد المنازل سوّيت بالارض أو اُحترقت. والباقون بحاجة الى العمل وينتظرون اعادة اعمار منازلهم لانها غير قابلة للسكن.
بنام فرانسو 80 عاماً يقول “لم يكن داعش فقط من دمر منازلنا، بل جيراننا السنة الذين كنا نعتقد انهم اصدقاؤنا”. وفي الأيام التي هرب المسيحيون من منازلهم في قرة قوش، يقول فرانسو إن “المسلمين السنة الموجودون في القرى المحيطة لقرة قوش، كانوا متعاطفين مع داعش، بل جاؤوا بجراراتهم وشاحناتهم وحمّلوا اثاثنا وأي شيء يمكن حمله”.
فرانسو عادت لمنزله في شهر تشرين الثاني، وكل ما فعله هو البكاء على حال قريته المنهوبة، مؤكداً ضياع كل شيء حتى لعبة ابنه التي تركها وهرب. وفي مخيمٍ للنازحين بأربيل، يؤكد فرانسو، ان بعض الموجودين فيه من النازحين السنة هم من سرقوا منازل المسيحيين رغم انه اقرضهم المال قبل ظهور داعش في الموصل.
ويضيف فرانسو “جيراننا خانوا العشرة، إضافة الى ان الجيش العراقي لم يفعل شيئاً لوقف داعش في ذلك الحين، فكيف يمكننا ان نعيش في مكانٍ لا نشعر فيه بالأمان والترحيب؟”.
ويمتد عمر الديانة المسيحية في شمال العراق الى القرن الأول الميلادي، فبلدات مثل قرة قوش وبارتيلا المجاورتين، كانتا مكاناً للمسيحيين منذ مئات السنين. وفرت الأقلية المسيحية تدريجياً من العنف الذي برز بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003.
وحين ظهر تنظيم داعش في سهل نينوى في عام 2014، رَخَصَ المسلحون لانفسهم الاعتداء على المسيحيين بحجة انهم “اعداء للاسلام”، واتاحوا لانفسهم – المسلحين – إلزام المسيحيين بدفع ضرائب او اعتناق الاسلام عنوةً.
وغادر المسيحيون الى كردستان هرباً من جحيم داعش، وبعضهم تقدم بطلبٍ لجوء إلى الولايات المتحدة واوربا. ويعتقد كثيرون منهم، أن التوترات الطائفية لم تبدأ مع داعش بل كانت قديمة، معتبرين بالوقت نفسه، أن هذه التوترات الطائفية لن تنتهي مع نهاية تنظيم داعش.
ويخشى فرانسو من عودة تنظيم داعش الى قريته بأسماء اخرى ومصطلحات أخرى، فضلاً عن عدم رغبته في اعادة بناء ما تهدم، لعدم شعوره بالامان.
والى جانب المخاوف الامنية نتيجة انهيار الثقة بين المسيحيين والحكومة لعدم حمايتهم، تطالب منظمات تحرير وطنية ومنظمات مسيحية اخرى، المجتمع الدولي والامم المتحدة بضمانات بعدم تعرض المسيحيين الى اعتداءات اخرى لاسيما في قرى سهل نينوى جنوب الموصل.
وكانت المجموعات الكلدانية والسريانية والآشورية أرسلت رسائل الى رئيس الوزراء حيدر العبادي يطالبوه بالسماح بإنشاء هيئة اقليمية خاصة ينظمون بها شؤون الأقلية، وأن تشرف عليها الأمم المتحدة، بحسب مضمون الرسالة.
ويعتقد المسيحيون، أن الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبلهم، هو تشكيل هيئة تنظّم شؤونهم في العراق، وهذا ما أكدته ديانا سركيسيان من منظمة العمل من أجل حماية الآشوريين والأقليات الاخرى في العراق حينما قالت “لم يبذل المجتمع الدولي ولا الحكومة العراقية جهداً كبيراً في حماية المسيحيين، لذلك من الأفضل تشكيل هيئة لتنظيم امور المسيحيين وتدير شؤونهم”.
المصدر الديلي تليغراف
ترجمة وان نيوز