فيينا / الخميس 24. 04 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
برغم أن حالات اختطاف النساء في الساحل السوري لا تزال مستمرة إلى اليوم على أساس طائفي، إلا أن ما يثير الرعب في الساحل السوري، هو الصمت المريب من قبل الحكومة.
وسط صمت حكومي؛ لا يزال الرعب يخيّم على مدن وقُرى الساحل السوري، والخوف يتسلل إلى عقول وقلوب رجاله ونسائه، حتى بات الكثير منهم لا يفارق منزله، إلا من أجل البحث عن جثة هنا، أو تضميد جراح هناك، أو ربما من أجل البحث عن فتاة مخطوفة انقطع بها الاتصال منذ أيام ولم يجد ذويها طريقاً إليها.
هذا الوضع مستمر في الساحل السوري منذ الهجمات الدموية التي وقعت يومي السابع والثامن من آذار/مارس الماضي، وأدت إلى وقوع مئات الضحايا المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
تلك الهجمات التي جاءت بذرائع طائفية، لم تجابه بأيّ ردّ فعل يُذكر من الإدارة الجديدة في البلاد حتى اللحظة، فبقيت الإجراءات الحكومية قاصرة ودون المأمول من الأهالي؛ أما الأشد قسوة فكان العجز الأمني عن إيقاف عمليات الخطف المستمرة بحق السيدات والفتيات العلويات، إضافة إلى عدم قدرة الأجهزة الأمنية على إعادة عشرات المفقودات من نساء الساحل السوري، فلا يكاد يمرّ يوم من دون الإعلان عن اسم جديد لسيدة أو فتاة تم اختطافها.
وفي هذا السياق، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان اختطاف أكثر من خمسين سيدة من الطائفة العلوية، بعد اختفائهن في ظروف غامضة خلال الأسابيع الماضية، في سلسلة حوادث متفرقة كان معظمها من نصيب مدن الساحل السوري.
وأكد “المرصد” أن حالات الاختفاء تتخذ طابعاً ممنهجاً ما أثار مخاوف واسعة، خصوصاً في ظل تصاعد أعمال العنف والجريمة، وتنامي ظاهرة الإفلات من العقاب.
وبحسب ما وثّقه “المرصد”، فقد تعرّضت النساء للاختطاف في ظروف مختلفة؛ منهن فُقدن داخل منازلهن أثناء أحداث العنف في شهر آذار/مارس الماضي على يد الفصائل المتطرفة، وأخريات أثناء خروجهن لأعمالهن أو تنقلهن اليومي، من دون أن يتم معرفة الجهة المسؤولة عن تلك العمليات، وهو ما عزز حالة الرعب التي تسود مدن وقرى الساحل السوري.
مصير مجهول
لا تتوقف صفحات التواصل الاجتماعي بشكلٍ يومي عن نشر حالات اختفاء لسيدات من الطائفة العلوية في الساحل السوري، حيث يطلب ذويهن الحصول على أيّ معلومة تقودهم إلى بناتهم؛ كما تنتشر على مواقع التواصل بعض حالات التوثيق لمحادثات تجري بين الأهالي والخاطفين، وكيف تبتزّ العصابات ذوي المخطوفات من أجل الحصول على فدية، عبر ضربهن وإهانتهن من دون أيّ رادع، وأمام هذا الواقع لا يزال مصير العشرات من المفقودات مجهولاً، فيما شهدت حالات نادرة عودة مخطوفات إلى عائلاتهن.
وشهدت مدينة طرطوس خلال الأسبوع الماضي اختطاف خمس فتيات بشكل متلاحق، وقبل ذلك تم اختطاف فتاتين في قرية “بيت الشنتة” وامرأة من منطقة “صافيتا”، وجميع تلك الحالات لم تشهد أيّ تحرك حكومي لملاحقة الجُناة، الذين يرتدون ملابس أمنية في الغالب حسب قول الأهالي وينتمون إلى فصائل متطرفة ومعظمهم من جنسيات أجنبية.
ووثّقت مصادر محلية أسماء بعض المخطوفات، منهن: بتول عارف حسن من صافيتا، وهديل يعقوب خليل من الهيشة، والفتاتان لبنى ولانا محمود، ورنيم غازي زريفة من مصياف.
وحول هذا الموضوع يؤكد الخبير القانوني فارس أسعد للميادين نت أن المشكلة الرئيسية حالياً لا تكمن في عمليات الخطف بحد ذاتها، وإنما في الصمت الحكومي المريب حول ما يجري في قرى وبلدات الساحل السوري، ويمكن القول إن قراراً بالتعتيم الإعلامي قد صدر فعلاً لمنع إيصال صوت ذوي المخطوفات، كما جرى تماماً مع ذوي ضحايا أحداث آذار/مارس، حيث تم تهميش الفاجعة عبر تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق لم تنجح حتى الآن في إدانة شخص واحد ارتكب الجرائم، برغم عمليات التوثيق العديدة التي قام بها الأهالي والناشطون والمنظمات الحقوقية، على حد تعبير أسعد.
وأضاف الخبير القانوني أن الوضع الحالي قد يولّد انفجاراً اجتماعياً وأمنياً في الساحل السوري قريباً، إذا استمرت حالة الفلتان الأمني بدون أيّ تحرك حكومي لمعالجة الوضع المتفاقم، وكبح جماح الجماعات المتطرفة التي ينتمي غالبية عناصرها لجنسيات غير سوريّة.
آية الناجية الوحيدة
أمام عشرات حالات الاختطاف التي بقي مصير النساء فيها مجهولاً، شكّلت قضية آية طلال قاسم (23 عاماً( حالة نادرة، بعد عودتها إلى ذويها من كابوس الاختطاف.
وقبل أيام؛ ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي باسم الشابة آية قاسم، بعد نشر عائلتها مقطع فيديو يوثّق صراخ ابنتهم وتوسّلها لخاطفيها من أجل الإفراج عنها، كما لم تنفع معهم توسّلات العائلة المستمرة؛ أما الأكثر إيلاماً في المقطع كان بكاء الطفلة جوا ابنة المخطوفة آية وهي تستمع إلى صراخ والدتها ما أثار تعاطفاً كبيراً بين السوريين مع هذه الحالة.
والد آية كشف في المقطع أن ابنته وكانت في طريقها من منزلها عن “دوار الفقاسة” بطرطوس إلى دائرة الامتحانات، لإحضار بطاقة امتحان الثانوية العامّة، إلا أن الاتصال انقطع معها بعد 10 دقائق فقط من مغادرتها المنزل.
وبعد ثلاثة أيام من عملية الاختطاف، تفاجأ الأهل بإعادة الأمن العام لابنتهم آية، وقيل إنها كانت مرمية على الطريق الدولي، بعد أن رماها الخاطفون هناك، لكن بدون أيّ توضيح للرأي العام حول ملابسات الخطف أو تفاصيل التحقيقات.
تعتيم إعلامي
تترافق عمليات الاختطاف المستمرة في الساحل السوري مع تعتيم إعلامي كامل من قبل السلطات الحاكمة في البلاد، حيث تم منع الصحافة الأجنبية من العمل في مناطق التوتر، وذلك منذ أحداث العنف في آذار الماضي، كما يُلاحظ غياب كامل للأخبار المتعلقة بالقضية عن وسائل الإعلام الداعمة لحكومة دمشق، وربما هذا ما يفسّر رفض العائلات الحديث عن تفاصيل اختطاف بناتهن خوفاً من الملاحقة.
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الغضب مما يجري في الساحل السوري بحق الفتيات من الطائفة العلوية، كشفت الناشطة السورية هبة عز الدين عن معلومات صادمة حصلت عليها أثناء زيارتها لمدينة إدلب، التي كانت تُعتبر معقلاً للفصائل المسلحة بقيادة هيئة “تحرير الشام” قبل سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/يناير الماضي.
وفي منشور لها عبر فيسبوك -حذفته لاحقاً- كتبت عز الدين أنه أثناء زيارتها لإدلب مع شقيقها، مرّ أمامهما شخص معروف بزواجه من نساء متعددات وبرفقته سيدة لم ترها من قبل، وعلامات الارتباك بادية عليها، خاصّة أنها ترتدي الحجاب بطريقة غير مألوفة.
اكتشفت الناشطة لاحقاً أن السيدة تنحدر من منطقة الساحل السوري، وهي إحدى الناجيات من مجازر شهر آذار الماضي، حيث أحضرها الرجل إلى إدلب وتزوجها، بدون معرفة أهالي المنطقة أيّ معلومات شخصية عنها.
ولغرابة القصة، بدأت الناشطة بسؤال الأهالي والفصائل والحقوقيين حول هذه الحادثة، لتكتشف وجود حالات عديدة مماثلة داخل إدلب، وتم توجيه أصابع الاتهام لفصائل “الجيش الوطني” وللمسلحين الأجانب، ولدوافع مختلفة.
وفي ختام منشورها، قالت الناشطة عز الدين: “هذا الملف خطير ولا يمكن السكوت عنه، والمطلوب من الحكومة الكشف عن مصير النساء الناجيات، وإطلاق سراحهن فوراً”.
هذا المنشور الذي كان بمثابة جرس إنذار لملف خطير بحق عشرات النساء الناجيات من مجازر الساحل السوري، سرعان ما تحول إلى وسيلة للتحريض والترهيب ضد هبة عز الدين، ما أجبر الناشطة على حذف المنشور من صفحتها الشخصية؛ بالمقابل، نشرت صفحات على مواقع التواصل مقاطع صوتية تم نسبها إلى عز الدين تهاجم فيها الحجاب، وهو ما نفته الناشطة بشكلٍ كامل.
وبدل أن تفتح الحكومة السورية أو لجنة تقصّي الحقائق ملف النساء الناجيات في إدلب، وتبدأ التحقيق في المعطيات التي طرحتها الناشطة، جاء الرد الرسمي من محافظ إدلب محمد عبد الرحمن، الذي أصدر توجيهاً إلى المدعي العام باتخاذ الإجراءات القانونية بحق هبة عز الدين، استناداً إلى التسجيل الصوتي الذي نُسب إليها الذي تم اعتباره “مسيئاً للحجاب”، وفقاً للبيان الذي نشرته وسائل إعلام محلية.
وأثارت طريقة تعاطي الحكومة السورية مع قضية الناشطة هبة عز الدين تساؤلات عديدة لدى الرأي العام السوري، خاصّة ما يتعلّق بأولويات الحكومة، التي لم تحرّك ساكناً أمام عشرات الانتهاكات الموثّقة بحق نساء الطائفة العلوية، واستنفرت من أجل ملاحقة ناشطة بناءً على تسجيل مسرّب تم نفيه من صاحبة العلاقة.
وبرغم أن حالات الاختطاف التي لا تزال مستمرة إلى اليوم على أساس طائفي، إلا أن ما يثير الرعب في الساحل السوري، هو الصمت المريب من قبل الحكومة، التي تقف عاجزة عن تهدئة غضب الشارع وكبح جماح الفصائل المتطرفة والمسلحين الأجانب، وسط مخاوف أن تمتد تلك الحالات إلى مناطق جديدة.
المصدر / الميادين
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات