الرئيسية / مقالات / 88 النسبية والإطلاق بين عالم الواقع وعالم التجريد

88 النسبية والإطلاق بين عالم الواقع وعالم التجريد

السيمر / الاثنين 15 . 05 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة الثامنة والثمانون من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل»، وتحتوي هذه الحلقة على مقالتين تتعلق بالنسبية والإطلاق، وعلاقتيهما بأدلة وجود أو عدم وجود الخالق.
الأشكال الأربعة للانهائية ورمزيتها للعلاقة بين النسبي والمطلق
الموضوع بالأصل لا علاقة له بالميتافيزياء والفلسفة، وقضية الإيمان واللاإيمان، والدين واللادين. فهو بحث لي له علاقة بالهندسة والتشكيل، والأشكال الأساسية. لذا لن أطرحه كاملا، بل ساستقطع منه فقط ما له علاقة بموضوع مباحث هذا الكتاب.
الأشكال الأربعة (أشكال اللانهائية) التي أعنيها هي: المثلث، والمربع، والمسدس، والدائرة. وقلت (المسدس) ولم أقل (السداسي)، لأني أميّز بين المثـلث والثـلاثي، وهكذا بين المربع والرباعي، والمخمس والخماسي، والمسدس والسداسي، وهكذا. وأعني بالمثـلث مثـلا هو المثـلث متساوي الأضلاع، وبالتالي متساوي الزوايا (3 × 60°)، وما سواه أسميه بالثلاثي، وهكذا. فالمربع هو الرباعي متساوي ومتوازي الأضلاع ومتساوي الزوايا (4 × 90°)، بينما تـقع تحت الرباعي جميع الأشكال رباعية الأضلاع، كالمستطيل والمعين ومتوازي الأضلاع وغيرها.
المشترك بين أشكال اللانهائية الأربعة (الدائرة، المثلث، المربع، المسدس) هو وجود عنصر لانهائي في كل منها، يختلف هذا العنصر في الأشكال المضلعة الثلاثة عن عنصر اللانهاية في الدائرة. فالمثـلث والمربع والمسدس هي المضلعات التي تـشترك في خاصية لا نجدها في المضلعات الأخرى؛ ذلك أن عددا غير محدود من الأشكال المتماثـلة يمكن أن تـتجاور من كل جهة، أي بمحاذاة كل ضلع من أضلاعها، دون فراغ يضطر إلى ملئه بشكل أجنبي عن الأشكال المتماثـلة المتجاورة. بينما في حال المثمن على سبيل المثال، يمكن تجاور أربعة أضلع منه فقط مثمنات مماثـلة، بينما نحتاج للجهات الأربع المتبقية من المثمن إلى أربع مربعات، ضلع كل منها بطول ضلع المثمن. إذن هذه الأشكال المضلعة الثلاثة يمكن تسميتها بـ«الأشكال لانهائية التجاور»، فيكون التجاور المتواصل هو عنصر اللانهاية فيها. بينما عنصر اللانهاية في الدائرة، فيكمن في كون الدائرة عبارة عن مضلع عدد أضلاعه يساوي اللانهاية.
من هنا اعتبرت هذه الأشكال الأربعة ترمز إلى العلاقة بين النسبي والمطلق. لأن هذه اللانهائية في كل من الأشكال الأربعة، أي لانهائية التجاور في المضلعات الثلاثة، ولانهائية عدد الأضلع في الدائرة، هذا من جهة، ولكن محدوديتها من جهة أخرى، أي كونها محدودة المساحة، مهما كبرت مساحتها، ومغلقة المحيط؛ هذا الجمع بين النهائية واللانهائية، بين المحدودية واللامحدودية، كأنما يجسد العلاقة بين النسبي والمطلق، بين المحدود واللامحدود، بين المعلول واللامعلول، بين الحادث والأزلي، بين المخلوق والخالق، بين الكون والله، أو بين الإنسان والله ككائنين واعيين، وعيا نسبيا عند الأول ومطلقا عند الثاني. هذا كان تمهيدا لموضوع النسبية والمطلق فيما يلي.

النسبية تؤيد وجود المطلق
بعد كتابة مناقشتي لمناقشة الصديق صادق إطيمش لكتابي الأول «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، أوحت إليّ المناقشة، والإثارات التي أثارها، أن أكتب عن إشكالية المطلق، وقدمت على ذلك ما سبق الكلام عنه حول أشكال اللانهائية الأربعة.
بعض الذين لا يستطيعون الاقتناع بوجود واجب الوجود، الخالق غير المخلوق، لأنه «مطلق»، ولأنهم يتصورون من خلال تجربتهم مع الدينيين إن التسليم بوجود حقائق مطلقة، وكائن مطلق، يؤدي إلى دعوى امتلاك الحقيقة المطلقة، التي لا تقبل بغيرها، مما يؤدي إلى التعصب، والتكفير. فيؤدي هذا الخوف المبرر من دعوى امتلاك الحقيقة المطلقة، إلى هروب الخائفين من كل ما هو مطلق.
من هنا دعونا نطرح السؤال: هل هناك ثمة مطلق، أم إن كل شيء بلا استثناء نسبي؟
لقد اعتمدتُ النسبية حتى يوم كنت مؤمنا بالإسلام، ونفيت وجود حقائق مطلقة في العالم النسبي للإنسان ومحيطه المادي والفكري. لكن كما سأبين نفي المطلق نفسه أمر نسبي.
الفكر المنتمي للحداثة يعتمد النسبية، ويتجنب ما أمكن اعتماد المقولات المطلقة. هذا بعدما دفعت الإنسانية عبر مئات، بل لعله آلاف السنين، ثمنا غاليا، نتيجة دعاوى احتكار الحق والحقيقة النهائية اللامسموح مناقشتها، ناهيك عن الشك بها، أو نفيها. الأديان بشكل خاص، ولكن أيضا الآيديولوجيات الشمولية، هي التي ادعت امتلاك الحقيقة المطلقة النهائية.
ضحايا دعوى امتلاك الحقيقة المطلقة كان السلام، العلم، وحرية التفكير والعقيدة والتعبير. النتيجةَ كانت بحارٌ من دماء، وملاحقات وتهجير وظلم وقمع، ومن جهة أخرى، نتج عن المُطْلَقات المدَّعاة دينيا، موقف معاد ومعوِّق للعلم والفكر.
منذ أن فرض نفسه مفهوم النسبية الذي فرضته الحداثة وتطلبته العقلانية، جرى الابتعاد أكثر فأكثر من الدعاوى المتبادَلة والمتكافِرة والمتلاغِية لامتلاك، بل غالبا احتكار الحقيقة، أو الحقائق المطلقة والنهائية، مما أعطى فسحة أوسع وتأثيرا أكبر لثقافة التسامح وقبول الرأي المغاير والعقيدة المغايرة، مما خدم قيم السلام والحرية والتعددية، ومنح للعلم مكانته التي يستحقها.
مقولة «كل شيء نسبي»، بالألمانية „Alles ist relativ“، وبالإنگليزية “Every think is relative”، تحولت إلى ما يشبه القانون الذي يكاد يكون سريان مفعوله على كل شيء. وهذا ما عمق الحساسية تجاه أي طرح عن ثمة مفهوم أو كائن مطلق، وأصبح رفض المطلق بالمطلق من مسلمات اعتماد النسبية، التي هي من مستلزمات الحداثة والعقلانية.
وشمل رفض المقولات الإطلاقية وجود الله، ككائن مطلق أزلي واجب الوجود، غير حادث، أي غير تاريخي الانوجاد أو الكؤون. ومن هنا تولدت عند الكثيرين حساسية شديدة تجاه طرح أي نظرية لاهوتية، وأي بحث عن وجود الخالق الأزلي المطلق. وهنا لا أتكلم عن رفض الاقتناع بوجود الله، كونه غير متحقق من وجوده بالعلم وأدواته المعتمدة للتجربة كمصدر وحيد للمعرفة عند التجريبيين [ليس كلهم، والفيزيائي الشهير ميشيو كاكو مثال للاستثناء]، ولا بسبب أن البعض لا يستطيع التسليم لوجودٍ خارج عالم المحسوسات، بل كلامي يدور فقط عن الذين يرفضون فكرة وجود الخالق، بسبب رفضهم للمطلقات. فلا ذنب للخالق في الموقف الرافض له، إلا أنه ارتكب ذنبا واحدا، إذ كان مطلقا، وما يترتب عليه من أزلية وثبات وعدم تحول وعدم خضوع لعاملي الزمان والمكان.
لا يلام الملحد على إلحاده، فللإلحاد (اللاإلهية) الكثير مما يدعمه ويمده بالمبررات. فالكثير من الملحدين (أي اللاإلهيين)، قد اختاروا الإلحاد، لأنهم ألحدوا – وهم محقون – بذلك الإله اليهودي، والإله المسيحي، والإله الإسلامي. وأصبحوا يتحسسون من كل طرح لاهوتي، حتى لو كان مؤسسا على رؤية فلسفية، عقلية، لادينية، لأنهم يخشون – محقين – أن يضاف إلى تلك الصور المرفوضة من قبلهم للإله، صورة جديدة لإله جديد، أو صورة جديدة إضافية لله التوراتي والإنجيلي والقرآني، الذي نفروا منه وألحدوا به. وإن لمن اللاإلهيين، بل الكثير منهم، من يستحقون أن تحترم رؤيتهم اللاإلهية، لأنها لم تنطلق عندهم من فراغ، رغم عدم اقتناعي بأدلة نفي الله، كما إنهم غير مقتنعين بأدلتي على وجوب وجوده، بوصفه واجب الوجود.
لكننا نتحدث هنا عن أولئك اللاإلهيين الذين رفضوا فكرة الإله، رفضهم لفكرة المطلق، لأنهم اعتمدوا مقولة «كل شيء نسبي»، وعمموها على كل شيء، فجعلوا هذه المقولة هذه المرة مطلقة، رغم رفضهم لفكرة الإطلاق.
«كل شيء نسبي». دعونا نتناول هذه المقولة الرائعة والمهمة، لكنها غير المطلقة، تناولا موضوعيا محايدا، وبعين ناقدة.
إذا قلنا إن قانون «كل شيء نسبي» يشمل كل شيء، فهو إذن مطلق، يكون هذا نفيا لـ «كل شيء نسبي»، بسبب أن قاعدة «كل شيء نسبي» ليست نسبية، بل مطلقة. وهنا تكون القاعدة قد نفت نفسها بنفسها.
أما إذا قلنا إن «كل شيء نسبي» باستثناء قاعدة «كل شيء نسبي»، فنكون أيضا قد نفينا شمولية وإطلاقية قانون النسبية، عبر استثناء القانون من انطباقه على نفسه.
ثم حتى مع اعتمادنا للّاإلهية، نجد إن لدينا حقائق مطلقة، مما يعني إن انطباق «كل شيء نسبي» ليس شاملا ومطلقا.
القول بأن ليس هناك شيء مطلق بالمطلق، لا يمكن أن يكون صحيحا. فحقائق علم الرياضيات مطلقة، وليست نسبية، وهكذا هي عموم العقليات المقطوع بصحتها. المفاهيم المجردة في عالم المثال مطلقة، ولكن مصاديقها في الواقع هي النسبية. لاسيما القيم الأخلاقية، فهي كقيم مجردة في عالم المثال مطلقة، فالصدق صدق مطلق، والعدل عدل مطلق، وهكذا. لكن هل يوجد صادق مطلق أو عادل مطلق. من حيث الإمكان العقلي، فوجودهما غير ممتنع، حسب المنطق المجرد، أما من حيث التحقق الفعلي، فيبقى هذا التحقق نسبيا. كذلك الصواب والخطأ، فهما كمفهومين في عالم التجريد صواب مطلق وخطأ مطلق، أما في عالم الفكر عند أفراد النوع الإنساني، فهما صواب نسبي وخطأ نسبي، إلا في الضرورات والممتنعات العقلية (الرياضيات والمنطق)، كوجوب أن يكون العدد إما زوجيا وإما فرديا، وامتناع اجتماع أو ارتفاع (أي انتفاء) النقيضين. لنأخذ عالم الألوان كمثال. اللون النقي من أي لون هو ذلك اللون بالمطلق، كأن يكون أحمر بالمطلق، أو أزرق بالمطلق، وهكذا، إذا كان نقيا مئة مئة. وهكذا هو الأبيض ناصع البياض بالمطلق، والذي لا يشوبه أي مزيج لوني آخر، وكذلك الأسود مطلق السواد. ربما يكون من النادر أن نجد الأبيض المطلق، أو الأسود المطلق، ولكن لا يمكن نفي وجودهما. وفي الأعداد هناك مطلقان لا يمكن إنكارهما، هما اللانهاية، والصفر، فاللانهاية وجود مطلق، والصفر عدم مطلق. وقد تكون هناك مشكلة في قبول أزلية وجود الإله. ولكن الذي ينكر إمكان أزلية وجود الخالق، لا يجد مشكلة في افتراض أزلية المادة، أو أزلية الكون، كما لا يجد البعض مشكلة في احتمال لانهائية الكون.
ثم إننا عندما نقرر إن كل شيء نسبي، فيما هي الأشياء النسبية. فنحن عندما نقرر أن عدالة أي موقف، أو أي حكم، أو أي شخص، هي عدالة نسبية، فنعني ضمنا إن هناك ما هو أعدل. وهذا الأعدل هو أعدل، أو هو بالتالي عادل نسبي بدوره، إذن هناك ما هو أعدل منه، وهكذا، فلماذا نقبل بوجود عدد اللانهاية، ولا نقبل بالعدل اللامحدود، أي المطلق، ولو على نحو الافتراض، أو كمفهوم في عالم التجريد والمثال؟
كما إننا وجدنا في الأشكال المضلعة الثلاثة (المثلث، المربع، المسدس)، أو في عموم (ثلاثي الأضلاع، ورباعيها وسداسيها) إن كلا منها كشكل بذاته مهما بلغت مساحته، يبقى شكلا محدودا، بينما كل من تلك الأشكال ونظائره، لانهائي التجاور من حيث الإمكان، إذ يمكن رص مثلثات، أو مربعات، أو مسدسات، تجاور بعضها بعضا إلى ما لا نهاية. ومن أجل استعارة المصطلحين موضع البحث هنا، نقول كل شكل من الأشكال الثلاثة نسبي بذاته، مطلق في إمكان التجاور هو ونظائره لانهائية العدد.
وكذلك نعلم إن تقسيم أي عدد، ينتج عددا أكبر، كلما كان المـُقسَّم عليه أصغر. فلو أخذنا على سبيل المثال العدد 1000، وقسمناه على على 100، ثم على 10، ثم على 1، ثم على 0,1، ثم على 0,01، ثم على 0,001، حتى قسمناه على 0,000.000,000.1، وهكذا واصلنا تصغير المقسوم عليه، نجد إن ناتج القسمة يكبر ويكبر ويكبر، ثم صغّرنا المقسوم عليه، فإذا تناهينا في تصغير المقسوم عليه، فقسمنا العدد على الصفر، تكون النتيجة هي اللانهاية، أي بتعبير آخر (المطلق). كما لدينا في المنطق وفي الرياضيات عدد من الحقائق المطلقة والثابتة واليقينية.
أما موضوع العدل الإلهي المطلق، الذي يرفضه الكثيرون، بسبب افتقادنا للعدل في الواقع فيما لا عدّ له، ذلك على صعيد السياسة والاقتصاد والاجتماع وفي عالم الحيوان والطبيعة وغيرها، وبالتالي حتى مع وجود ثمة عدل، فيرفض وجود عدل مطلق. هنا دعونا نأخذ مفردة «عادل»، كتوصيف لموقف أو سلوك أو حكم أو شخص ما، وبالرغم من إن الصفة كمفهوم مجرد مطلقة، إلا أنها في الواقع لا يمكن لها إلا أن تكون نسبية، فنكاد لا نجد في الواقع عدالة مطلقة. ففي الواقع نجد حالات متفاوتة من الظلم أو اللاعدل، وما هو أقل ظلما، ثم ما هو عادل عدالة بدرجة ما، وما هو أعدل، فأعدل، فأكثر عدالة. وحتى لو افترضنا إن البعض رأى في أمر ما عدالة مطلقة، فهي مطلقة بالنسبة لهذا البعض، إذ سيرى غيرهم فيما اعتبره هذا البعض عادلا، ظلما، أو لا أقل من كونه عدلا نسبيا، مشوبا ببعض ما يرونه مجانبا للعدل بالدرجة التي يتطلعون إليها. من هنا يمكن القول إن بلوغ العدل المطلق بالنسبة للجميع بالمطلق، لن يكون ممكن المنال في عالم الإنسان، وعموم عالم الطبيعة. لكن لكون العدل المطلق كمفهوم مجرد ثابتا، فمن الناحية المنطقية ليس هناك امتناع منطقي لوجود كائن يتصف بالعدل المطلق، لأن وجود عدل بنسبة 50%، ثم عدل بنسبة 65%، فعدل بنسبة 80% فـ90% فـ99%، ثم بنسبة 99,99% ثم 99,999.999.999، يجعل بلوغ المئة بالمئة بحكم العقل المجرد ممكنا وليس ممتنعا.
وهذا يختلف عن صفة «كبير» أو «صغير»، ففي العالم المحسوس، كلما اتصف شيء بالكبر، فهناك ما هو أكبر، فأكبر، فأكبر، وهكذا هو الأمر في صفة الصغر، إلا إذا بلغ شيء ما من الصغر حجم الصفر، لكنه عندها لا يمكن وصفه بالصغير المتناهي في الصغر، لأنه أصبح عدما، لاشيئا، والعدم واللاشيء لا يمكن توصيفه بالصغير أو الكبير. من الناحية الرياضية فقط نستطيع افتراض الكبير المطلق والصغير المطلق، فالأول يمثل اللامحدود أي اللانهاية، والثاني يمثل العدم أي الصفر. وهذا يختلف عما ذكرناه عن البياض المطلق والسواد المطلق، ويمكن عدّ الأول اللاسواد المطلق والثاني اللابياض المطلق.
في عالم الإنسان تبقى الصفات الأخلاقية والسلوكية والملكات كلها نسبية، كالعدل، الصدق، الاستقامة، التسامح، الإنسانية، الجود، سمو الخلق، وكذلك الذكاء، المهارة، العلم، الوعي، العقلانية والحكمة، الإبداع. كل هذا يبقى نسبيا، إلا أنها كمفاهيم في عالم التجريد والمثال وحده مطلقة.
هناك فرق بين القول بأن الله مطلق في ذاته، وبين دعوى إن كلا من معرفتي به وتصوري عنه وإيماني به مطلق. فالدينيّ غالبا ما يعتقد ويدّعي إن عقيدته في الله مطلقة، لأنها عنده إلهية، بينما لاهوت التنزيه يؤكد إنه يمثل معرفة نسبية أو تصورا نسبيا، لأنهما معرفة وتصور بشريان، وبالتالي نسبيان، فالمعرفة البشرية عن حقيقة إلهية لا تحول تلك المعرفة إلى معرفة إلهية ومطلقة، بل تبقى المعرفة، كمعرفة، بشرية ونسبية. فمعرفة النسبي (الإنسان) تبقى دائما نسبية، بما في ذلك نسبية معرفة النسبي بالمطلق.

اترك تعليقاً