الرئيسية / مقالات / 114 احترام الأديان أم احترام قناعات أتباعها بها؟

114 احترام الأديان أم احترام قناعات أتباعها بها؟

السيمر / الأربعاء 12 . 07 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة الرابعة عشر والمئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل».

احترام الأديان أم احترام قناعات أتباعها بها؟
بعدما نشرت مقالة «دين خرافي مسالم خير من متين العقيدة مقاتل»، فلمست من بعض التعليقات، إن هناك سوء فهم قد حصل عند البعض، لذا رأيت أن أتبعها بمقالة، تتضمن فكرة، كنت أنوي منذ أكثر من سنة طرحها في مقالة، بدلا من الرد على تلك التعليقات.
وأغتنم الفرصة لأسجل شكري للمعلقين، سواء الذين أثنوا على المقالة وعبروا عن وجهات نظر مكملة أو ذات علاقة بها، أو أولئك الذين مارسوا النقد أو عبروا عن تحفظهم، أو ربما بالنسبة للواحد منهم رفضهم لأفكار المقالة، ولعله بشكل حاد، عبر تأويل بنوا عليه ذلك الموقف الحاد. لذا وعدت بـ«مقالة لاحقة مكملة وموضحة ومجيبة على أسئلتهم واعتراضاتهم المحترمة»، سواء اتفقنا أو اختلفنا.
وقبل أن أتناول الأفكار التي طرحت ضمن التعليقات، أرجع للفكرة التي ذكرت إني كنت منذ مدة أنوي طرحها في مقالة، لكونها تجيب على بعض الاعتراضات، وتزيل بعض حالات اللبس الذي حصل عند البعض.
فهمي لما يتوجب على الديمقراطية العلمانية من موقف تجاه الدين، أو الأديان، فيما يتعلق بموضوعة الاحترام، وذلك تصحيحا، حسب تقديري، لما يتردد على لسان الكثير من الديمقراطيين العلمانيين، وهو إننا نحترم الأديان. أقول هذا القول فيه مغالطة، وفيه شيء من التقية أو النفاق، ولو من حيث لا يعي ذلك أكثر القائلين به. لماذا؟ لا أقول كل العلمانيين، بل هناك منهم، من يرى في دين ما، أو في الأديان عموما، أو في مجموعة من الأديان، ما هو من الخرافة، أو ما يتعارض مع العلم، أو ما يعيق مشروع التحول الديمقراطي، أو ما فيه ضرر. وهناك من يرى الدين أو الأديان عبارة عن أكذوبة، عبر ادعاء انتسابها إلى الله، في الوقت الذي يراه ذلك العلماني نتاجا بشريا، له ما له، وعليه ما عليه، وبعضهم قد لا يؤمن بالله أصلا. إذن كيف يقول هذا النوع من العلمانيين إننا نحترم الدين. لذا أرى شخصيا، وهذه وجهة نظري الشخصية، ولا أريد أن أدعي أنها تمثل قانونا من قوانين الديمقراطية العلمانية، يجب تعميمه، بل هو فهمي لها، أرى وجوب تصحيح العبارة من «نحترم الأديان» إلى «نحترم قناعة أتباع الأديان بأديانهم». ففي الوقت الذي أرى خطأ تلك القناعة، وما كان خطأ عندي لا يمكن أن أقول إني أحترمه، وليس بالضرورة أن يكون البديل للاحترام هو الاحتقار، بل كما بينت حكمي بخطأه، ودليل حكمي عليه بالخطأ، ولا أقول بالكفر، فالتكفير ليس من ثقافة الديمقراطيين العلمانيين، هو، أي دليلي، هو عدم اعتناقي لأي من تلك الأديان، أو عدم تحولي إلى واحد منها، لكني، وهذا ما أراه واجبا أخلاقيا عليّ، أحترم قناعة المؤمنين بذلك الدين، الذين لا يرون خرافيته، أو خطأه، أو ضرره، أو تعارضه مع العلم، أو إعاقته للديمقراطية. ولكن هذا الاحترام مشروط بكون أتباع ذلك الدين مسالمين، ولا يدعون إلى العنف ضد غيرهم، ولا يؤسسون لثقافة الكراهة، التي تكون مقدمة للعداوة، أي الأحاسيس العدائية، والتي تكون مقدمة للعدوان، أي الفعل العدائي، عنفا، ثم إرهابا، والذي هو أعلى مراتب العنف، علاوة على أننا نتوقع تبادل الاحترام بالاحترام المقابل. من هنا نقول لا مشكلة لنا مع الأديان التي نشخص فيها خرافة، أو لامعقولية، أو لاعلمية، ما دام أتباعها لا يهددون السلم الأهلي في المجتمعات التي يعيشون فيها، وما داموا يلتزمون بالدستور والقوانين لتلك الدولة، وبمبادئ الديمقراطية، ولو ظاهرا، بالأخص طالما كانت تلك الدولة دولة ديمقراطية.
وعندما تكلمت عن «دين خرافي مسالم»، و«دين متين العقيدة مقاتل»، فليس بمعنى الحكم النهائي على ذلك الدين أو لهذا الدين. فالخرافية بكل تأكيد ليست بنظر أتباع الدين المؤمنين به، وأؤكد المؤمنين به من أتباعه، وليس الذين ورثوه وانتسبوا إلى تلك الجماعة الدينية انتماءً اجتماعيا، كالانتماء إلى القومية، أو العشيرة، إذن الحكم بخرافة ذلك الدين هو بنظر من يراه كذلك من غير المؤمنين به، سواء من الوسط الخاص، أي الذين ولدوا في ذلك الوسط، أم في الأوساط المغايرة. وليس بالضرورة أن يرى كل مغاير، وغير مؤمن بذلك الدين إنه خرافي. ربما يتخذ البعض موقف الإعجاب ببعض جوانب فلسفة ذلك الدين، فالبوذية والزرادشتية والإيزيدية والمندائية [كما المسيحية والإسلام]، كل منها فيه ما يستحق الإعجاب ربما، مع اختلافهم أي المعجبين ببعض طروحات هذا أو ذاك الدين، معه، أو عدم قناعتهم بجوانب أخرى منه، أو عدم إيمانهم بإلهية ذلك الدين. ومن أجل تقريب الفكرة، كثيرون هم الذين يحترمون الفيلسوف كارل ماكس، كمفكر وفيلسوف، ويحترمون الماركسية، وهم معجبون بالكثير من طروحاتها، دون أن تكون القناعة بدرجة من العمق أو السعة، بمستوى أن يرى نفسه كل معجب بالماركسية ومحترِم لها، ماركسيا بالضرورة.
أما قول البعض إنه «ما دامت العقيدة متينة الحجة والدليل، فإن كل ما يصدر منها له من المتانة والحجة ما يبرره، ولو كان عملا إرهابيا يراه البعض»، فأقول الكلام عن متانة العقيدة وقوة استدلالاتها، فذلك من باب الافتراض، أو من قبيل التسليم بدعوى أصحابها، فبدلا من استهلاك الوقت لإثبات عدم المتانة المدعاة، وإثبات ضعف أدلتها، أقول لهم، وماذا تنفعني متانة عقيدتكم، وقوة استدلالاتكم عليها، ما زلتم دعاة عنف، وقتال، وسفك دماء، وتبثّون روح الكراهة؟ وصحيح ودقيق ما ذهب إليه أحد المعلقين بأن «ليس هناك أصحاب عقيدة متينة الحجة والدلالة لدى قوم دون قوم، فما يعتقده المسلمون هو هراء عند الهندوس، وما يعتقده الهندوس هو هراء عند المسلمين»، ثم يعقب بما هو قائم فعلا، ألا «إن هذا التباين موجود في الإسلام نفسه»، وهكذا هو داخل كل دين، والاقتتال بين الكاثوليك والپروتستانت الذي استغرق ثلاثين عاما من 1618 لغاية 1648 هو أحد تلك الأمثلة المعروفة للاقتتال الديني الداخلي. والاقتتال الإسلامي الإسلامي شاخص في تاريخ المسلمين منذ وجد الإسلام حتى يومنا هذا، أو على الأقل منذ وفاة المؤسس. وكما تفضل أحد المعلقين مستشهدا بالحديث المنسوب إلى نبي الإسلام «بانقسام أمته إلى 73 فرقة، وكلهم هالكون [في النار] إلا واحدة [المسماة بالفرقة الناجية] هو دليل على عدم وجود أصحاب عقيدة متينة الحجة والدلالة»، مضيفا إلى ذلك قوله «والأديان برمتها هي من صنع الإنسان»، وهذه هي عقيدتي، وهذا لا يمنع من احترام قناعات أتباع الأديان المؤمنين بإلهيتها، ما داموا مسالمين.
وأؤيد تماما قول أحد المعلقين أن «لا مشكلة عندنا مع الأديان التي تدعو إلى التسامح والسلام، بل مشكلتنا مع الأخرى التكفيرية والعدوانية». وهنا أستغني عن تشخيص المصاديق في الواقع مما ينطبق عليه هذا التشخيص.
وتصحيحا لمن أساء فهمي من المعلقين، ولإزالة اللبس، أقول ليس هناك تناقض بين قناعتي باشتمال دين ما على الخرافة، وبين احترامي لأتباعه، واحترام قناعاتهم. فأنا لم أقل إني أحترم الدين الذي أرى اشتماله على الخرافة، بل أحترم قناعة المؤمنين به، طالما كانوا مسالمين. فقناعتي بخرافية دين ما، أو اشتماله على ثمة خرافة، لا يعني احتقاري لهم، كما أوّل ذلك أحد المعلقين، الذي لم يناقش أفكاري، بل ناقش ما أوّل أفكاري إليه. فلم يرد في كلامي مفردة «الاحتقار» التي أوردها، ولا ما يشير أو يلمح إليها. ففرق كبير بين التخطيء والاحتقار، كما هو الفرق بين التخطيء والتكفير، فاحتقار الناس لاختلافي معهم في قناعاتهم غير مسموح به، التزاما بالقاعدة الأخلاقية بوجوب معاملة الآخر بما أحب أن يعاملني به. نختلف، نعم، نتخاطأ، نعم، أما نتحاقر، ونتباغض، ونتعادى، أو نتكافر، فهذا هو غير المسموح به وغير المقبول. أتصور إني حاولت أن أكون دقيقا في التعبير عما أراه واجبا، إذ قلت «أرى من الواجب الإنساني عليّ إظهار احترامي لقناعة وإيمان أتباع كل عقيدة أو دين بعقائدهم، أو على الأقل عدم إظهار عدم الاحترام لها، بقطع النظر عن موقفي من تلك العقيدة أو الدين، فإظهار الاحترام متوجه إلى قناعات أصحاب القناعة، ما زالوا مسالمين». فإني أتجنب القول الذي يكرره كثيرون، وهم غالبا غير دقيقين، ولا أريد أن أقول غير صادقين، عندما يقولون إنهم يحترمون الأديان. كيف أحترم دينا أو عقيدة أرى في قرارة نفسي خطأها، وإلا لو اعتقدت بصحتها، لكان لزاما عليّ اعتناقها. لذا قلت إني أحترم قناعة المؤمنين بها، وأحترم اعتقادهم بها، لأنهم بلا شك لا يرون خطأها كما أراه، وإلا لكان لزاما عليهم التخلي عنها. وحتى في السياسة نحن نحترم اختلافاتنا، ونحترم قناعة كل طرف بفكره السياسي، ولكننا لا نعتقد بصحته، ولذا لا نعتنقه. إذن لا تناقض بين احترامي لقناعاتهم بدينهم، وبين تشخيصي إن دينهم خرافة، أو يشتمل على ثمة خرافة، أو ثمة خرافات. وضروري جدا أن أبين أني لم أذكر دينا محددا، حتى يقال إني لم أحترم أتباعه، بل إني طرحت كلا الحالتين حالة (الدين الخرافي المسالم)، وحالة (الدين متين العقيدة المتبني للعنف والقتال)، كافتراضين، فلا يجب أن يكون حكمي على الأول إنه خرافي، وإن كان ذلك واردا، بل هو على أقل تقدير خرافي بنظر من يراه كذلك، وربما أكون منهم أو لا أكون، ولكن خاصة من قبل من يرى دينه أنه ذو عقيدة متينة. فحتى الدين صاحب المتانة في عقيدته لا يعبر عن قناعتي، أو قناعة كل واحد منا بذلك، ولكن كافتراض، حسبما يدعيه أتباعه، على فرض صحة ادعائهم، أو ربما لاشتماله على ما هو متين حتى عند غيرهم غير المعتقدين به، وغير المعممين للمتانة وقوة الدليل على كل مفردات ذلك الدين. أرجع وأقول لهم، مع فرض صحة دعوى متانة العقيدة، ما تنفعني متانة عقيدتكم، وقوة استدلالاتكم، وأنتم تنشرون الرعب والقتل والعداوة والبغضاء؟ أما إذا أردنا تناول الأدلة التي نراها، أو أراها أنا على سبيل المثال، على خرافية دين ما، أو لعله كل الأديان بقدر أو بآخر، فهذا ليس محل بحثه هنا، فهناك بحوث لي، أو لغيري في ذلك، ليس مجالها فيما أرادت هذه المقالة وما قبلها.
أما التوصيفات التي تناولها أحد المعلقين، فلا أريد الدخول معه في سجالات، فله قناعاته واستنتاجاته، ولعلي أجبت بهذه المقالة، أو لعله لا يرى فيها إجابة وافية، فطبيعة الفكر البشري إنه نسبي، وما كان نسبيا، يعني هو ليس بالصواب المطلق، وبالتالي يشتمل على ثمة خطأ، أو ما يراه أحدنا صوابا، يراه الآخر خطأ، ولا مشكلة في ذلك. المهم أن نتحاور، ولا نتباغض، ونقذف من نختلف معه بكلمات لا نقبلها لأنفسنا، لو قُذِفنا بها.
لو طبقنا قانون أخلاق الحد الأدنى، بأن يحب كل منا للآخر، ما يحب لنفسه، ويبغض له، ما يبغض لها، كان ذلك هو الشرط الأول، والأهم، للتعايش بسلام، بل بما هو أبعد من السلام، باحترام وسلام، بل بما هو أبعد من الاحترام، بمحبة وسلام.

02/09/2014

اترك تعليقاً