الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / في السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد، مبدعون ومثقفون واكاديميون يكتبون:(5-15) / عبد الاله النعيمي وعبد الحميد برتو وعبد الكريم كاصد… في استذكارات ومواقف عن الجواهري، ومنه

في السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد، مبدعون ومثقفون واكاديميون يكتبون:(5-15) / عبد الاله النعيمي وعبد الحميد برتو وعبد الكريم كاصد… في استذكارات ومواقف عن الجواهري، ومنه

السيمر / السبت 29 . 07 . 2017

رواء الجصاني

هل لنا ان نتساءل مشتركين، قبل البدء، هل نحن في مناسبة رثاء؟ .. ام انها استذكار لخالد لم يرحل؟… هل رحل ، حقاً، محمد مهدي الجواهري (1898-1997) ؟! وهو القائل:
أكبرت ُ يومكَ ان يكونَ رثاءَ، الخالدون عرفتهم احياءَ؟
– وإذا ما كانت ملحمة – اسطورة كلكامش، السومرية الغارقة في العراقة، وحتى اربعة الاف عام، قد تحدثت عن الخلود والموت، ذلكم هو الجواهري يجسد الامر حداثياً، وواقعياً، فراح يَخلـدُ، وإن رحلَ، وعن طريق اخرى، هي الفكر والشعر والابداع..
– أما صدحَ – ويصدحُ شعره – كل يوم في قلوب وأذهان كل المتنورين، العارفين دروبهم ومسالك حياتهم ؟.
– أما برحت الاطاريح الاكاديمية، فضلا عن الدراسات والكتابات، والفعاليات الثقافية والفكرية تترى للغور في عوالم شاعر الامتين، ومنجزه الثري؟! .
– الظلاميون ومؤسساتهم، وأفرادهم، وتوابعهم، المتطوعون منهم أو المكلفون ، وحدهم – لا غيرهم – ما فتئوا يسعون، لأطباق صمت مريب عن الجواهري، وحوله، ولا عتاب بشأن ذلك، فلهم كل الحق في ما يفعلون، فالضدان لا يجتمعان : تنوير ومواقف الشاعر الخالد، ودواكن الافكار والمفاهيم …
… في التالي مجموعة مساهمات – ننشرها على حلقات – جاد بها لـ “مركز الجواهري الثقافي” مبدعون ومثقفون وكتاب وأكاديميون، وسياسيون، بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لرحيل الجواهري الخالد، والتي تصادف في 2017.7.27… وهنا الحلقة الخامسة لما كتبه الذوات الأجلاء، مع حفظ الالقاب والمواقع: أ. عبد الاله النعيمي، د. عبد الحميد برتو، أ. عبد الكريم كاصد…
————————————-
*** “وفي الليلة ِ الظلماءِ يفتقدُ البـدر” /عبد الاله النعيمي (*)
… والعنوان اعلام من بيت قاله عنترة بن شداد قبل أكثر من 1400 سنة بقدرة تنبؤية لافتة وكأنه صاغ العبارة لأحوال العراق اليوم وحاجته الى رمز وطني يلتف حوله العراقيون على اختلاف مذاهبهم، وقومياتهم وعشائرهم ومناطقهم.
وأتذكر في هذا السياق يوم نشرت صحيفة “انترناشنال هيرالد تربيون” في الثمانينات الماضية، تحليلا عن العراق في ذروة ابتلائه بالدكتاتورية، مقترحة ان يكون شاعر العرب محمد مهدي الجواهري، رئيس الجمهورية العراقية، إذا أراد البلد ان يخرج من نفق الاستبداد والحروب.
واتذكر ايضاً ان الجواهري كتب رداً مستفيضاً على مقال “الهيرالد تربيون” طلب مني ترجمته الى الانكليزية بحضور قياديين في الحزب الشيوعي العراقي، وسياسيين معارضين آخرين، والصديق رواء الجصاني- ابن اخت الجواهري- في داره أو “الشُقيقة”، كما كان الجواهري يحب ان يُسمي شقته لصغر مساحتها وتواضع اثاثها في احدى ضواحي مدينة براغ. ولكن الشاعر الكبير عدِل لسبب مجهول عن ارسال الرد الى الصحيفة الاميركية، وقرر صرف النظر عن الموضوع بأكمله.
بعد عشرين عاماً على رحيل آخر العظماء، كما سماه الفنان الرائد محمود صبري ، ما أحوج العراق اليوم الى الجواهري الذي لم يعترف بانتماء سوى الانتماء الى الأسرة الانسانية.
ما احوج العراق المنقسم على نفسه اليوم الى الجواهري الذي ترفع على كل الهويات الصغرى متمسكاً بهويته الوطنية العراقية حين قال:
أي طرطرا ، تطرطري .. تقدمي ، تأخري
تشيعي ، تسنني .. تهودي ، تنصري
تكردي ، تعربي .. تهاتري بالعنصرِ
تعممي ، تبرنطي .. تعقلي ، تسدري
تزيدي ، تزبدي .. تعنزي ، تشمري
في زمن الـذرّ إلى بداوة تقهقري
بعد مرور أكثر من 71 عاماً على نشر هذه الأبيات الحارقة بسخريتها تبدو وكأن الجواهري كتبها عن العراق تحت هيمنة الاسلام السياسي.
ما أحوج العراق اليوم الى فكر تنويري يرد الاعتبار الى العقل ويثق بقدرة الانسان على ادارة شؤونه وتشريع قوانينه لتنظيم حياته.
وهنا لا يسع المرء إلا ان يتذكر الجواهري في الحاحه على العلم والمعرفة:
يا علم قد سعدت بك الأوطان فليسم منك على المدى سلطانُ
وليسقِ حبّيك العراق ليشتفي منه الغليل ويرتوي الظمآنُ
هذِّب لنا أخلاق أهليه فقد غشّى عليها الجهل والعدّوانُ
ياأيّها النشىء الجديد تسابقاً بالعلم إن حياتكم ميدانُ
ولكن الجواهري رحل وفي قبله غصة:
في كل يومٍ ” زعيمٌ ” لم نجدْ خَبَراً عنه ، ولم ندر كيف اختيرَ واختُرِعا
اعطاهموا ربُّهم فيما اعدَّ لهُم من الولائم صَفّوا فوقَها المُتَعا


(*) كاتب واعلامي
*** مع الجواهري في بعض محطاته/ عبد الحميد برتو (*)
مضى عشرون عاماً على رحيل الجواهري الكبير، ولم تُغيّر تلك الأعوام شيئاً، لا من صورته أو موقعه، ولا من معاركه، ولا من نبوآته وتقديراته. وكذلك الحال فيما يخص قراءاته لواقع بلاده وأمته، ولا من رؤيته لطريق خلاصهما من العبودية الرعناء، نحو شامخات الذُرًى. وتظل طموحاته لأهل “الزرائب الفساح” هماً كبيراً عنده حاضراً وراحلاً. ولا أظن أن العقود القادمة ستغيّر شيئاً من مكانة الجواهري، ولا أجازف إن قلت: حتى في القرون القادمة بإستثناء ما كان ينشده ويدعو إليه. وربما لا تُغيّر حتى من صَبَواتِه، كما يتوهم أو يصفها البعض.
ليست المكانة العالية للجواهري موضع نقاش فيما يتعلق بالكشف الإبداعي رسماً وغناءً وإشتقاقاً ومداعبة للكلم في بنائه ومضمونه، لا في العراق حسب، بل في كل بلاد العرب، التي غنى لهما وحدا. بل وعلى نطاق الشعر العربي من أول بيت وصل إلينا الى يومنا هذا. لا أوغل في تقويم الجواهري شعراً، فذاك لست أهلاً له كإختصاص، ولكن حين أتعامل مع سوسيولوجيا القصيدة الجواهرية أجد ما يُذهلني، ويخلق حالة لم أألفها في القراءآت الأخرى. أما من يسمع التغريد المباشر بصوته، ويرى حالات تعبيره وهيئته كلها، فذاك سحر أتمنى لا يُحرم إنسان منه.
لا تختلف بداية تعرّفي على الجواهري عن بقية أقراني، حين أدخلت وزراة المعارف العراقية شعر الجواهري الى مادة الأدب العربي المدرسية في المرحلة المتوسطة. كانت قصديته “تنويمة الجياع”، تتجاوز تأثرنا بها نحن الطلبة، لتُشكل سحراً معلناً لأساتذتنا للغة العربية أيضاً، الذين تغنوا بها تأثراً وإعجاباً وإحتراماً.
جاءت المحطة الثانية بعد إنقلاب 8/شباط/1963 الدموي، الذي أباح قتل وإبادة الشيوعيين والتقدميين العراقيين. زملائي وأنا من أبناء مدينتي وجيلي كنّا في سن الشباب، حين أحاط بنا الخطر، وألقى علينا مسؤوليات أكبر من أعمارنا، وكنّا بأمس الحاجة لمصدر دعم وإشعاع، خاصة بعد أن تقطعت لحين الصلات مع المركز في بغداد. هنا كان للجواهري حضوراً مميزاً في نفوسنا، حيث ألهبت قصائده حماسنا وإصرارنا، وكان لإذاعة “بكي إيران” التي تحولت الى إذاعة “صوت الشعب العراقي” دوراً عظيماً. وغنيّ عن البيان دور لجنة الدفاع عن الشعب العراقي، التي تأسست بعد الإنقلاب في العاصمة التشيكوسلوفاكية ـ براغ، وتولى الجواهري رئاستها.
بعد نحو ستة أعوام وتحديداً في 15/12/1969 توجهت الى براغ، وهناك منذ ذلك التاريخ بدأت صداقتنا، الجواهري وأنا، صداقة عميقة شهدت الكثير من الأحداث الهامة على الصعيدين الشخصي والعام، وأحببنا سوية ذات العواصم الجميلة: براغ؛ دمشق، وبودابست.
طلب مني مركز الجواهري في براغ، كتابة شئ بحدود 300 كلمة عن الجواهري الكبير، هذا العدد لا يتسع حتى للعناوين، مع هذا أقول: في براغ إزدهرت صداقتنا، وفي دمشق شهدتُ كتابته لمذكراته، وندمه على أنه لم يكتبها في وقت مبكر، وودعنا سوية شقيقته الغالية “نبيهة” في رحلتها الأبدية. وفي بودابست التي أحبها، وتردد عليها، بل وحصل على الإقامة فيها، لرعاية دار صحارى للصحافة والنشر التي أسستها هناك في 1990، وفيها تابعنا لاحقاً يوميات حرب الخليج الثانية، وأهدى الدار أحدى أجمل قصائده: “أنيتا” لتطبع في ديوان منفرد. ساعود الى كل هذه الموضوعات والأحداث في وقفات أخرى.
أبا فرات عشت عظيماً، وتركت أعمالاً عظمية، حضورك ووطنيتك يبقيان بعد رحيلك الأبدي مدرسة للأجيال تعلمهم كيفية خدمة الفن والإنسان والوطن.

(*) كاتب وأكاديمي

*** قراءة.. في كتاب الجواهري(مقاطع) / عبدالكريم كاصد(*)
1/ ضيـف
أجلستَني يوماً
بشاطئ دجلةٍ
ضيفاً
وأشعلتَ الحرائقَ كلَّها حطباً
ليدفأ ضيفُكَ البردان
لم أدفأ
ولم تدفأ
وأطلقنا الدخان
وكانَ دجلةُ ضاحكاً يمضي
وكانَ ..
وكانْ
———————-
2/ هامش على قصيدة (قف بالمعرّة)
في حضرة الأعمى
أ نمسحُ دمعةً؟
أمْ إننا في حضرة الأعمى
نجاهرُ عامدين بقوّةِ الإبصار؟
ماذا قلتَ
ماذا قلتَ
يا أبتِ؟
——————————
3/ رؤيــــــا
يا أبتِ
أبصرُ فوق عمود الشعر
ظلالاً تهتزّ
وحبلاً يتدلّى
————————–
4/ مناسبة (1929)
في حفلة تأبين السعدون
ألقيتَ قصائدَ أربع
في يومٍ واحد
تذكرُ؟
سبقتكَ عباءتُكَ السوداءُ إلى الحفل
وعمامتُك الخضراء
فلم تلحقْ بهما
كنتَ وراءهما تركض،
والأشعار
تتساقط من جيبك،
أيّكما كان الشاعرَ في حفلة تأبين السعدون؟
—————————
5/ السفينة
لستَ غاراً لنضفر أوراقَهُ
ولا حجراً لنصنعَ منه التماثيل
وحين قدمنا إليك لم تكنْ هناك
فحملنا السفينة إلى البحر
أتثقبُها؟
أتُطلقُ ريحَك غضبى
لتغرقَها؟
أتصرخُ في وجه ربّانِها؟
أم تُراك السفينة كنتَ
وقد مُسختْ بشرا؟
————————–
6/ محنــــة
ها أنتَ
تخاطبُك الأشباح
وحيداً
في مملكةٍ
لا يسكنها الناس
ولا يقربُها
حتى الشعراء
——————
7/ حلـــم
حلم الشاعرُ يوماً
بوحوشٍ كاسرةٍ
في أقفاصٍ
تتطلّعُ فيه
وحين أفاقَ من الحلم
رأى نفسَهُ في قفصٍ، فارتاعَ
وعادَ إلى أحلامهِ ثانية
يبصرُ أقفاصاً
ووحوشاً كاسرة … تتطلّعُ فيه
———————
8/ غربة (1954)
يلتجئ الناس إلى ناركَ في البرد
ويخشون رمادَك..
حين بكى الطفلُ من الجوع
وأطرقت الأمُّ من الحزن
وكدتَ تشيّعُ آخرَ أبنائك منتحباً
تتلمّسُ حيطاناً لا بابَ لها
لم يقربْ من بيتك أحدٌ
———————————–
9/ الكوفــة
الحاميةُ
التي حملَها الجندُ في الصحراء
ولم تبلغ المدائنْ
الشاخصةُ أبداً
إلى السماء
وقد سال دمٌ كثيرٌ.. كثير
على الأرض
الرملةُ
التي أوقفت القمرينْ … ليلتقيا
————————–
10/ المسبيّةُ
القادمةُ بثياب الأسر
إلى قبرٍ في الشام ..
لتلقاكَ كما كنتَ
كما كنتَ … بهيّا
————————
11/ كتاب الرمل
أثرٌ على حجرٍ
برملة كوفة الحمراء
تلك منازلُ اندثرتْ
وتلك طلولُها تمتدّ
أنت الروحُ هائمةً..تنوحُ
بصيرةُ الأعمى
كتابُ الرمل
والكثبانُ تقطعُها إلى تلك الطّلول
وما تردّد من كتاب الرمل
“هذا مبتغاكَ … وذاك قبرُكَ
والسبيلُ هو السبيلُ”


(*) شاعر وكاتب

— يتبع/ مع تحيات مركز الجواهري في براغ

http://www.jawahiri.net

اترك تعليقاً