الرئيسية / مقالات / أدب الخروج

أدب الخروج

الخميس 19 . 11 . 2015

معمر حبار / الجزائر

منذ 8 أشهر تعمّ تعيين الإمام الشاب في المسجد لأداء مهامه، ومن يومها وأهل المسجد يقومون بشؤونه على أكمل وجه..
يطعمونه ألذ الطعام، ويسقونه أحلى المشروبات، ويقضون حاجاته الشخصية والإدارية في أسرع وقت وأحن ظرف، ويقدمونه وهو الشاب الطري في الصغيرة والكبيرة، ويدافعون عنه في الغيب والحضر. وفرحوا كثيرا بقدومه، خاصة بعد أن أدى صلاة التراويح كلها على أكمل وجه وبأحسن صوت، وجمعوا له مالا كثيرا يناسب قدرة المصلين العاديين على مرحلتين، الأولى في النصف من رمضان، والثانية في 27 من رمضان حيث الختمة. وسعد الجميع بتلك الأيام، وسعدوا كثيرا بالإمام الذي أدخل عليهم الفرحة والسرور والاستقرار. وقد خصّص صاحب الأسطر مقالا لتلك الأيام الباهية ومثنيا على الإمام، حين تم التطرق للملاحظات الخاصة بالعيد، وأفرد يومها تعاليق حسنة عبر صفحته.
وفجأة ودون سابق إنذار، يغيب الإمام عن أداء الصلاة لمدة يومين كاملين، وحين يسأل عنه أهل المسجد، يقال لهم أنه تحول إلى أحد مساجد الصبحة، بطلب منه وسعيا منه.
المسألة ليست في تحويل الإمام حيث يريد، فهذا شأنه ومن حقه، ولو طرح الموضوع علانية لساعده أهل المسجد في ذلك، وسعوا إلى تحقيق أمنيته، ما دام هو الذي يسعى إليها ويريدها.
لكن الجريمة تكمن في كون الإمام، إختار أضيق الأبواب ليخرج منها، وأحقر النوافذ ليستلّق عبرها، وكأنه لصّ يتسلق الجدران، ويتخذ من الليل ستارا حجابا.
كان على الإمام أن يتوجه بكلمة للمصلين ويشكرهم على ماقدّموه له من معروف، ويثني على دعمهم له، ويدع ربه أن يحفظهم في مالهم، ويسترهم في أهليهم وأبنائهم، ويوفقهم مع الإمام الجديد الذي يخلفهم، ويوصيه بدوره أن يكون أحسن خلف. وبهذا السلوك الحضاري، تدوم الثقة ويسود الاطمئنان وتبيض الصدور، ويبقى الإمام الرمز في عليائه.
أما وقد إختار لنفسه خروج اللصوص وأصغر الممرات، فقد أساء من حيث يدري أو لا يدري إلى وظيفة الإمام وهي الوظيفة السامية النقية. وحرم نفسه الخروج مما يليق بالإمام من باب واسع، وحفل خروج صادق، ودعاء في ظهر الغيب ينفعه وينفع أهله وأبناءه.
لا يهم في هذا المقام الإمام بعينه، لذلك تعمّد صاحب الأسطر أن لا يذكر الاسم والمكان، إنما المقصود كل شرائح المجتمع المعنية بالخروج من مهامها التي أدتها على أحسن وجه، أن تخرج من الباب الواسع الذي يرفعها ويبقيها دائما مرفوعة.
تحفظ المجتمعات طريقة الخروج أكثر مما تحفظ كيفية الدخول، لأن يوم الدخول ربما لم يكن الشخص الحاضر اليوم حاضرا يومها، وربما لم يستطع من كان حاضرا بالأمس أن يكون شاهدا اليوم على طريقة الخروج.
وما دامت الورقة تتطرق لكيفية الخروج، فمن واجب المؤسسة أن تقوم بما يليق لخروج موظفيها على أكمل وجه، وأوسع الأبواب، وأحسن العبارات، وألطف الكلمات، وأرق الهدايا. فتحفظ للموظف المنتهية مهامه مكانته، وتصان كرامته، ويكون قدوة حسنة لمن يخلفه في الإخلاص والصدق، ومقابلة جهد السنوات بما يخفّف ويعزّز.