الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / في العراق؛ هل يريد الأمريكي أن يُدرب أم يخترق؟!

في العراق؛ هل يريد الأمريكي أن يُدرب أم يخترق؟!

السيمر / الثلاثاء 27 . 03 . 2018 — بدأت الولايات المتحدة الأمريكية باتباع أسلوب جديد في التعاطي مع الملف العراقي الذي بدأ دورها يضيق فيه منذ القضاء على التنظيم الإرهابي “داعش” الذي كان لواشنطن اليد الكبرى في ظهوره، واليوم تدرك جيداً بأن المواجهة مع العراقيين لم تعد مجدية بعد أن تمكّن أبناء الشعب العراقي وقوات المقاومة الوطنية فيه من تحطيم كل المخططات الأمريكية التي كان تقسيم العراق أبرزها.

الأسلوب الجديد للولايات المتحدة
لا نبالغ إذا قلنا بأن واشنطن تملك “سياسة أخطبوطية” في المنطقة تجعل أذرعها تلتف على جميع الدول بطريقة انسيابية، ولكن هذه السياسة لم تنجح في “لبنان”، على سبيل المثال، محاولة الغرب احتواء “حزب الله” اللبناني من خلال إغرائه ببعض المناصب القيادية، واليوم الدور على “العراق” فهل ستنجح واشنطن في احتواء “الحشد الشعبي” وتمييعه وتوزيعه على جميع الوحدات العسكرية من مبدأ “فرق تسد”؟! أم إنها ستفشل كما فشل الرئيس الفرنسي جاك شيراك بمحاولة صهر “حزب الله” داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية؟!.
اللعبة الجديدة التي تريد واشنطن البدء فيها تنطلق من المؤسسة الأمنية العراقية التي تريدها واشنطن المتحكم الأساسي بمفاصل الدولة، ولكي تتمكن من ذلك لا بدّ من اختراق هذه المؤسسة وترويج الفكر الأمريكي في أروقتها عبر احتوائها وتدريب عناصرها من قبل قوات أمريكية تعمل على الانسلال بين العراقيين لمنع التفافهم حول بعضهم البعض كما حدث حين أخرجوا “داعش” من العراق.
هذا الكلام ليس بالجديد وقد تم طرحه سابقاً من قبل مراكز دراسات غربية وعربية ولكن على ما يبدو، إن التنفيذ بدأ في هذا المجال، وقد برز ذلك من خلال الرد الذي جاء على لسان زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عندما سأله أحد عناصر الأجهزة الأمنية حول شرعية التدريب على يد قوات التحالف الدولي، قال الصدر: “ذلك حرام وممنوع عندنا”. وأضاف: “إذا شئت استحصل إذناً شرعياً بذلك”، وبالتالي نستشف من هذا الكلام بأن الصدر حرم تدريب عناصر الأمن العراقي على يد قوات التحالف الدولي.

الغاية من تدريب عناصر الأمن العراقي
ما حل في العراق من خراب ودمار منذ بدء الغزو الأمريكي عليه في ربيع الـ 2003 أي منذ 15 عاماً وحتى اللحظة لا يمكن أن يُنسى، فقد عانى العراق ككل من ويلات الأمريكي ونفاقه وعدوانيته ومشاريعه التقسيمية ما يكفي، ونحن نعتقد بأن التجربة العراقية مع الأمريكي وصلت إلى مراحل متقدمة من النضوج، ولا نظن بأن العراقيين على اختلاف انتماءاتهم يثقون بالأمريكي بعد التجربة المريرة التي عاشوها في ظل وجوده على الأرض العراقية، وبعد أن نجحوا في خلق حالة شعبية ووطنية كان قوامها الشعب نفسه، يريد الأمريكي اليوم تشويه هذه الحالة ومنعها من الاستمرار تحت عناوين أصبحت مملة للجميع وغير قابلة للتصديق من قبل أحد.
نحن لا نريد أن نتحدث كثيراً عن آثار الغزو الأمريكي للعراق، وعوضاً عن ذلك سننقل لكم بعضاً من التصريحات الأخيرة التي أعلنها بعض المسؤولين الأمريكيين، فعلى سبيل المثال يقول العضو البارز في الحزب الجمهوري الأمريكي والمرشح الرئاسي السابق رون بول: “الغزو الأمريكي تسبب في مقتل أكثر من ربع مليون مدني عراقي بشكل مباشر ومليون عراقي بشكل غير مباشر ودمرت البنية التحتية وانحسرت البلاد بعد عقود من التنمية، وكل شيء كان بعيداً عن الديمقراطية الكاذبة التي وعدنا بها”، وأشار إلى أن “العراق قد تحول إلى جحيم، كما أن استخدام الولايات المتحدة لليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض سيتسبب في جعل العراقيين يعانون من الأمراض والعيوب الخلقية لعدة أجيال”.
من جانبها أكدت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة في الكويت وليبيا ديبورا جونز، أن بلادها ارتكبت خطأ استراتيجياً فادحاً بغزوها العراق عام 2003، في القرن الحادي والعشرين، وفي مقابل ذلك أكد خبراء في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية، أن احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كان السبب الرئيس وراء ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي وانتشاره في العراق وسوريا والعديد من الدول العربية.
وبالعودة إلى موضوع تدريب قوات الأمن العراقي، يمكننا القول بأن هذا الأمر يثير الشفقة على الأمريكي ويمكن وصفه بالأمر “المضحك المبكي”، فكيف لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية أن تقضي على المؤسسة الأمنية في العراق وتدمرها وتغتال قياداتها ومن ثم تريد تدريبها من جديد، ونحن نعلم جيداً بأن واشنطن حولت الجيش العراقي على مدى 10 سنوات إلى قوات شرطة عاجزة عن القيام بأي فعل أو اتخاذ أي قرار مستقل تتجاوز فيه الأمريكي، الواضح في الأمر حالياً أنها تريد “أمركة” القوات الأمنية فكرياً لتنقل هذه العدوى إلى الجيش العراقي وتخترق ثكناته من الداخل عوضاً عن مواجهته بشكلٍ مباشر لأنها تعلم جيداً بأن هذه المواجهة ستكون خاسرة لا محالة لذلك لا بدّ من سياسة الاحتواء والانسلال مثل الأفاعي.
والغريب في الموضوع أن القوات الأمريكية هي من تريد تدريب قوات الأمن ككل، كيف سيتم ذلك؟! والعراقيون اليوم يملكون تجربة على الأرض وفي قتال الشوارع لا يمكن لأحد أن يمتلكها هذا من جهة، ومن جهة أخرى الأمريكي وتحالفه كانوا يمارسون عدوانهم من الجو من خلال قصف العراقيين وبالتالي تجربتهم على الأرض لا ترتقي ولا بأي شكل إلى مستوى تجربة العراقيين.
في الختام؛ الأمريكي لا يريد أن يُدرب بل يريد أن يخترق العراق من جديد ليحدث شرخاً جديداً ويوسّع الهوة بين العراقيين، وبالتالي الهدف الأكبر لقيامه بذلك هو الوصول إلى “الحشد الشعبي” وصهره داخل الوحدات العسكرية ومنعه من التكتل لكي يسهل السيطرة على العراق من جديد، فهل سيتحقق ذلك؟!.

المصدر: موقع الوقت التحليلي

اترك تعليقاً