السيمر / الأربعاء 04 . 07 . 2018 — نشرت صحيفة Counterpunch الأميركية، اليوم الأربعاء، تقريرا حول ازمة الجفاف وشحة المياه التي ضربت العراق خلال العام الجاري بسبب قيام تركيا بتشغيل سد أليسو، وتحويل ايران مجرى الروافد عن نهر دجلة، فيما اشارت الى هذه الازمة ستزيد من نسبة استيراد العراق للمحاصيل الزراعية من هذين البلدين.
وقالت الصحيفة الأميركية في تقريرها الذي ترجمته (بغداد اليوم)، إن “انهار العراق، وأولها دجلة والفرات، أصبحت أكثر جفافا، فيما يأكل التصحر بالأراضي الزراعية”، مشيرة الى ان “السدود المبنية في مجرى النهر في تركيا وسوريا وإيران منذ سبعينيات القرن الماضي، قد أدت إلى تقليص تدفق المياه التي تصل إلى العراق بمقدار النصف، والوضع يزداد سوءًا”.
ونقلت، عن قاسم سبتي، وهو رسام وصاحب معرض في بغداد، قوله:”لقد أنقذت صديقاً من الغرق في إحدى المرات في الوقت الي جرفته قوة التيار، كان ذلك عندما كنا نسبح في نهر ديالى، قبل حوالي خمسين سنة”.
وأضاف سبتي:”عدت إلى هناك مؤخرًا، والمياه في ديالى ضحلة جدًا اليوم، بحيث يمكن للرجل أن يعبرها مع كلبه”.
ونقلت الصيحفة الاميركية، عن وزير الموارد المائية حسن الجنابي، قوله لصحيفة الإندبندنت بوقت سابق، إنه “في الأول من تموز، ستبدأ تركيا بملء سد إليسيو على نهر دجلة، وهذا سيؤدي إلى انخفاض آخر في التدفقات إلى بلادنا يبلغ نحو 50 في المائة”
وأَضاف، أن “العراق كان يحصل على 30 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من نهر الفرات، ولكننا الآن سنكون سعداء إذا حصلنا على 16 مليار متر مكعب”.
ولفت الجنابي، المسؤول عن ادراج الأهوار في جنوب العراق في لائحة اليونسكو، الى ان “هذا الصيف سيكون قاسياً”.
وأشارت الصحيفة، الى انه “بينما بدأ العراق بالتعافي من 40 سنة من الحروب، فأن وجوده يتهدد بسبب انخفاض منسوب المياه بسرعة في الأنهار الكبرى التي يعتمد عليها شعبه”، مشيرة الى انه “كان على ضفاف العراق، في المدن الأولى التي تأسست قبل 8000 سنة، قصص الفيضانات عن جلجامش والكتاب المقدس أول مرة”.
وتابعت، أن “هذه الفيضانات أصبحت الآن شيئا من الماضي – كان آخرها في عام 1988″، لافتة الى انه “في كل عام تلي هذا العام، كانت كمية المياه التي يأخذها جيران العراق آخذة في الارتفاع”.
وأوضحت صحيفة Counterpunch ان “هذا النمط بدأ في السبعينيات، عندما قامت تركيا وسوريا ببناء سدود على نهر الفرات لأغراض توليد الطاقة الكهرومائية وأعمال ري واسعة، وحدث الشيء نفسه بعد ذلك بقليل على نهر دجلة، حيث تقوم إيران بإقامة روافدها الرئيسية”، مشيرة الى ان “الاحتجاجات العراقية كانت في حينها غير فعالة لأن صدام حسين والحكومة التي سبقته في بغداد، كانا مشغولين بالحروب والأزمات التي بدت أكثر أهمية في ذلك الوقت”.
وأكدت الصحيفة، ان “بعض الأنهار الأصغر مثل الكارون والكرك التي كانتا تتدفق من إيران إلى العراق اختفت ببساطة بعد أن قام الإيرانيون بتحويلها”.
ونقلت عن الجنابي، قوله: “اعتدنا أن نحصل على خمسة مليارات متر مكعب سنوياً من رافد الكرخة، والآن نحصل على صفر متر مكعب”.
“كان العراق ذات يوم يتمتع بالاكتفاء الذاتي في الغذاء” تكمل الصحيفة،:”لكنه الان يستورد 70% من احتياجاته. البطيخ والطماطم (البندورة) اللذان يزرعان محليا معروضان للبيع بجانب الطريق أو في الأسواق، لكن معظم ما يأكله العراقيون يأتي من إيران أو تركيا أو يتم شراؤه من قبل الحكومة أتٍ من السوق العالمية”، لافتة الى انه “ومن المقرر، أن يرتفع هذا العدد للعام الحالي من الاستيراد، لأن سد إليسو في تركيا يجبر الحكومة العراقية على تقييد زراعة الأرز والقمح من قبل المزارعين من أجل الحفاظ على المياه المستخدمة في الري”.
ولفتت الصحيفة، الى ان “هذا الجفاف الذي صنعه البشر، ليس سوى الضربة الأخيرة لضرب المزارعين العراقيين”.
وأشارت، الى ان “عماد نجا، وهو ضابط في القوات الجوية العراقية، ورث مزرعته العائلية الصغيرة بالقرب من قرية عوض الحسين خارج التاجي، شمال بغداد، منذ 15 عامًا، حيث قام في البداية بزراعة القمح والمحاصيل الأخرى، وكذلك انخرط في تربية النحل. وتربية الأسماك”، مبينة انه “كان ينتج نصف طن من العسل سنوياً، وحفر بركة أسماك بالقرب من منزله”.
ونقلت عن نجا قول:”أشعر بالحزن لأنني عملت كثيراً في مزرعتي، وأنظر إليها الآن”، موضحا أن “ثلاثة أرباع أرضه لم تعد تُزرع لأنه لا يمكن ريها”.
وأضاف:”كنت أحصل على بعض الماء من بئر حفرناها بأنفسنا، لكنها مالحة”.
وأوضحت الصحيفة، أن “عماد يجني المزيد من المال من استئجار ملعب لكرة القدم قام ببنائه وراء سياج من الأسلاك الفولاذية، أكثر مما يجنيه من الزراعة”، مشيرة الى ان “العراق يمتلك شبكة معقدة من قنوات الري المبنية خلال القرن الماضي لنقل المياه من نهري دجلة والفرات”.
إحدى هذه القنوات، تبين الصحيفة “المسماة بالقناة 43، تقترب من منزل عماد نجا، وفي اليوم الذي زرناه، كانت مليئة بالمياه الموحلة التي تأتي من نهر دجلة”.
وأوضح عماد، إن “هذا قد يبدو جيدا، لكنه يحصل على الماء لمدة يومين فقط كل أسبوعين، وهو ليس كافياً لزراعة جميع أراضيه”، مبينا انه “كان بإمكاني إدارة المكان ما إذا كنت قد حصلت على الماء لمدة سبعة أيام في كل 14 يوم، ولكن ليس أقل من ذلك”.
“كما هو الحال مع كل شيء آخر في العراق”، تلفت الصحيفة، الى ان “الأمن أو الافتقار إليه يلعب دوراً مركزياً في القرى المحيطة بالتاجي”، مبينة ان “هذه المنطقة السنية، كانت معقلًا للقاعدة في العراق ولاحقًا من داعش”.
وأشارت الى ان “عماد نجا كان زعيماً محلياً لـ(الصحوة)، وهي الحركات السنية شبه العسكرية المتحالفة مع الولايات المتحدة ضد القاعدة منذ أكثر من عشر سنوات”، مبينة انه “مع تقدم داعش جنوبًا بعد الاستيلاء على الموصل في عام 2014، كانت منطقة التاجي شديدة المعارك”.
“يبدو نجا مرتاحاً حول أمنه الخاص”، تتابع الصحيفة بالقول:” لكنه نقل زوجته وخمسة أبناء وبنات إلى أربيل في كردستان العراق، ليس فقط من أجل سلامتهم، بل لأنه يريد أن يذهب أبناؤه إلى مدارس جيدة غير متوفرة محلياً”.
وتابعت، ان “المشكلة هي أن أربيل كانت على بعد ساعتين بالسيارة من التاجي، إلا أن الاشتباكات بين القوات الكردية والقوات الحكومية في العام الماضي قطعت الطريق الرئيسي ويتعين على نجا القيام بتحويل طويل حتى تستغرق الرحلة ست ساعات. ومع ذلك، فهو يخطط لإعادة تخزين أسماكه”.
“هل يمكن أن يقوم العراق بأي شيء للتغلب على النقص المزمن في المياه في العراق؟”، تتسائل الصحيفة الأميركية، قبل توضح ان “الحكومة لا تملك نفوذاً سياسياً كافياً في تركيا وإيران للحصول على حصة أكبر من المياه التي كانت تتدفق في السابق إلى العراق”.
وأشارت الى ان، وزير الموارد المائية، عرض تقريرا ضخما حول كيفية إدارة المياه بنجاح في العراق خلال العشرين سنة القادمة”، لكنه قال إن “الحل هو مجرد مقدمة لدراسة كاملة لأزمة المياه التي تزن 35 مليار متر مكعب”، حسبما تنقل الصحيفة.
وختمت صحيفة Counterpunch الأميركية تقريرها بالقول، إن “العراقيين يدركون تمامًا أن نقص إمدادات المياه يغير مظهر بلدهم”، مشيرة الى ان ” الرسام سبتي افتتح معرضًا فنيًا في بغداد حيث تعرض 90 لوحة فنية للفنانين العراقيين، أطلق فيها مناظر للأنهار والبحيرات والمستنقعات وبساتين النخيل والمحاصيل والنباتات”.
ونقلت عن سبتي، قوله:”نحن بحاجة إلى الحفاظ على ذاكرة هذه الأماكن قبل جفاف نهري دجلة والفرات.. سيختفي بعضهم في العام المقبل بسبب عدم وجود المياه”.
المصدر: counterpunch