الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / البو غانم ومريدي.. شبكات تزوير كبيرة تتلاعب بالعراقيين وثرواتهم

البو غانم ومريدي.. شبكات تزوير كبيرة تتلاعب بالعراقيين وثرواتهم

السيمر / الثلاثاء 28 . 08 . 2018 — خسر كل ما يملك، في الوقت الذي كان يحاول فيه شراء بيت في منطقة السيدية ببغداد، “ليث أحمد” مواطن بغدادي، باع قطعتَي أرض كان يملكهما في أطراف مدينة بغداد، ليتسنى له شراء دار صغير في العاصمة، يغنيه عن الإيجار ومشقته، يقول “ليث” -في حديث لوكالة “يقين”-: إنه -وفي عام 2015- وقع ضحية لعملية تزوير مدّبرة لسند ملكية البيت الذي اشتراه في منطقة السيدية في العاصمة بغداد.
ويضيف “ليث”، أنه اشترى البيت الذي كان مغلقًا منذ ثلاث سنوات بمبلغ 250 مليون دينار عراقي، وأنه أعطى صاحب الدار مبلغ مائتي مليون وأبقى الخمسين مليونًا الأخرى في ذمته، ريثما يتأكد من ملكية الدار من دائرة التسجيل العقاري “الطابو”، ويستكمل حديثه بالقول: إنه وبعد أن ذهب إلى دائرة التسجيل العقاري في بغداد، في اليوم التالي لشرائه الدار، تبين له أن سند الملكية الذي معه مزور، وأن صاحب الدار الأصلي رجل مسيحي، وأنه ملك له منذ ثلاثين عامًا مضت.
يضيف المواطن البغدادي للوكالة أنه كان ضحية لعملية تزوير مكتملة الأركان ومحترفة، وعند مراجعته للمكتب العقاري الذي اشترى منه الدار، تبين لـ”ليث” أن صاحب مكتب العقار لم يكن يعلم بالأمر، وعند اتصالهم برقم هاتف الذي باعهم البيت؛ تبين أنه مغلق، وأن جميع “مستمسكاته” مزورة.

التزوير في العراق.. كل شيء ممكن
التزوير ظاهرة مستفحلة، بحسب المحامي “موسى عبد الله” الذي تحدث لوكالة “يقين” قائلا: “ﺗﻧﺗﺷر ظﺎھرة اﻟﺗزوﯾر ﺑﺷﻛل كبير ﻓﻲ العراق وفي مختلف المحافظات العراقية، وﻻ ﺗﻛﺎد ﺗﺧﻠو ﻣﺣﺎﻓظﺔ أو ﻣدﯾﻧﺔ ﻣن وﺟود عصابات تمتلك مختلف أختام مؤسسات الدولة، وتتميز هذه العصابات ومجموعات التزوير باحترافية عالية جدا، حيث أن الشهادات والوثائق التي تزورها لا يستطيع موظفو الدولة تمييزها عن الأصلية”، لافتا إلى أن هؤلاء المزورين يمكنهم تزوير أي شيء، من الهويات والمستمسكات الرسمية حتى سندات الملكية العقارية والشهادات الجامعية.

ويختتم عبد الله في ختام حديثه لوكالة “يقين” أن “المحاكم العراقية تستقبل اسبوعيا العديد من الدعاوى القضائية التي يشتكي أصحابها من وقوعهم ضحية عمليات تزوير في البيع والشراء، وأن الغالبية العظمى من هذه الدعاوى تسجل ضد مجهول، فالقانون لا يحمي المغفلين”، بحسبه.
ويعد سوق “مريدي” وسوق “ألبو غانم” أهم سوقين معروفين يشتهران بالتزوير في العراق، بحسب الضابط في وزارة الداخلية “سعد الحسيني” الذي أضاف متحدثا لوكالة “يقين” قائلا: “يعد سوق مريدي في مدينة الصدر شرق بغداد وسوق البو غانم شرق مدينة الرمادي في الأنبار؛ من أشهر أسواق التزوير في البلاد، اضافة إلى أسواق أخرى بدأت تلقى رواجا كبيرا خاصة في مدينتي البصرة والناصرية”.
وفي هذا الصدد وعن أهمية سوق مريدي بالنسبة للمزورين، يقول الصحفي البغدادي “علي الركابي” في حديثه لوكالة “يقين” إن “سوق مريدي يعد السوق الرئيس للتزوير في العراق، حيث أن للمزورين في هذا السوق؛ القدرة على تغيير كل شيء كالاسماء والعوائل واستحصال الشهادات الجامعية وصور القيود وشهادات ولادة ووفاة أيضا”.
ويضيف الركابي أن “عمل المزورين في سوق مريدي يتمتع بحرفية عالية جدا تجعل من الصعوبة بمكان اكتشاف الوثائق المزورة”، مشيرا إلى أن سوق مريدي أضحى بعد عقود من التزوير مقسم الى اقسام بعضها يختص بالهويات والباجات والاخر بالشهادات الجامعية وآخر بالجوازات وتصدقيات وزارة الخارجية، وكل وثيقة مزورة لها سعر خاص بحسب درجة أهميتها ومحل استخدامها، بحسبه.

“مريدي”.. تزوير في قلب بغداد وبعلم السلطات
سوق خرّج آلاف الشباب ومنحهم شهادات جامعية وعليا، فضلًا عن شهادات ما قبل المرحلة الجامعية، إنه سوق “مريدي” الذي تأسس في ستينات القرن الماضي في مدينة الصدر، والتي كانت تعرف بمدينة الثورة فيما سبق، يقول المؤرخ البغدادي “نعيم موسى” في حديثه لوكالة “يقين”: إن هذا السوق تأسس في ستينات القرن الماضي تزامنًا مع نقل الرئيس العراقي الأسبق “عبد الكريم قاسم” آلاف العائلات الريفية من جنوب العراق، وأسكنهم في ضواحي بغداد الشرقية في عام 1963م.
ويضيف أن “أصل كلمة مريدي يرجع إلى شخص ريفي من جنوب العراق سكن في هذه المنطقة وافتتح محلا صغيرا آنذاك واسماه باسمه وهو “مريدي”، مشيرا إلى أنه ومع مرور السنوات تحولت المنطقة الى سوق سمي باسم “مريدي” وهو سوق يرتاده كل من يريد الحصول على وثائق أو شهادات جامعية ودراسية مزورة، بحسبه.
وعن تأريخ بدء التزوير في هذا السوق، يشير موسى إلى أنه لا يوجد تأريخ دقيق، لكن أولى جرائم التزوير في سوق “مريدي” والتي كشفتها السلطات في العراق كانت في عام 1980م، ثم توالت بعد ذلك حالات التزوير إلى أن وصل “مريدي” إلى ما هو عليه الآن من شهرة في التزوير.
من جانبه المواطن “جعفر” وهو أحد المتمرسين في التزوير في مدينة الصدر والذي اشترط عدم الكشف عن وجهه وعدم التصوير، يقول في حديثه لوكالة “يقين” عن الطرق التي يستخدمونها في التزوير: “نستخدم طرقا عدة، وأسهل عمل لدينا في تزوير الوثائق هو الأختام حيث أننا نستطيع تقليد أي ختم مهما كانت صعوبته”، موضحا أن تزوير الوثائق ذاتها يتم حاليا من خلال برامج الرسوم الالكتروني الشهير “الفوتوشوب”.

سوق مريدي بمدينة الثورة ببغداد

وعن تزوير الأختام وكيفية معرفتهم بأن دوائر الدولة بدأت باستخدام أختام جديدة، يقول “جعفر” أن “لديهم معارفهم وأصدقاءهم وممن يعملون معهم من هم بالأساس موظفون في دوائر الدولة العراقية، وإنهم يجلبون معهم الاختام الاصلية أو يصورونها متى ما بدأت دوائر الدولة باستخدام أختام جديدة”، بحسب جعفر.
أسئلة كثيرة تراود العراقيين عن كيفية تمكن المزورين من تزوير شتى أنواع الوثائق، وفي هذا الصدد وعند الاستفسار من “جعفر” عن كيفية تزوير الملصقات الفسفورية المستخدمة في سندات الملكية والهويات، أشار إلى مزور صديق له اشترط عدم التصوير مقابل حديثه عن بعض التفاصيل المهمة، حيث يقول: إنهم في سوق مريدي، تختص كل مجموعة بوثائق معينة، وتعمل على استحصال جميع مستلزمات التزوير وبشتى الطرق.
وعن طرق تزوير العلامات الفسفورية المستخدمة في سندات الملكية والهويات، يقول: “إننا ومتى ما علمنا أن دائرة معينة بدأت باستخدام لواصق فسفورية جديدة، فإننا أولًا نعمل على الحصول على نموذج واضح وجديد، وبما أنه لا إمكانية لطباعة هذه الملصقات محليًا بسبب صعوبتها، فإننا نطبعها ونقلدها إما في سورية وتحديدًا في العاصمة دمشق، حيث المطابع الحديثة، أو في إيران حيث إنهم يطبعون لنا ما نريد، ومن دون أن يستفسروا منا عن ماهية هذه الملصقات.
ويضيف المصدر أن أصعب أنواع التزوير هي الوثائق التي تستخدم أرقاما محفورة على الوثيقة مثل إجازات السوق، مشيرا إلى أن هذه الطريقة استوجبت عليهم استيراد أجهزة باهظة الثمن تستطيع تقليد الوثائق التي تستخدم أرقاما بارزة كإجازات السوق وملكيات السيارات “السنوية”.
أما ما يخص نوعية الورق المستخدم في التزوير، فيقول “إنهم يعملون على توفير واستيراد ذات نوعية الورق المستخدمة في دوائر الدولة”، وبما يخص الأجور وتكلفة تزوير الوثائق يؤكد المصدر: “إن ذلك يعتمد على نوع الوثيقة، فهوية الاحوال المدنية تكلف 75 ألف دينار “62 دولارا” والجنسية العراقية 200 الف دينار “170 دولارا”، بينما الشهادات الجامعية فوثيقة جامعة بغداد مثلا تكلف مليون دينار عراقي دينار وباللغتين العربية والانكليزية وبكلفة أقل للجامعات الحكومية الأخرى وأقل للجامعات الأهلية، أما شهادات الاعدادية فتصل تكلفتها الى 600 الف دينار “500 دولار”، ومع تصديق وزارة الخارجية تصل تكلفتها الاجمالية الى 900 الف دينار “750 دولارا”، بحسبه.
البو غانم.. تزوير من الهويات حتى العملات
لا تقتصر مراكز التزوير في العراق على سوق “مريدي” فقط، فمنطقة “البو غانم” في محافظة الأنبار هي الأخرى تعد مركزا للتزوير في العراق، وتعتبر “البو غانم” قرية صغيرة تقع شرقي مدينة الرمادي، وعلى الرغم من صغر حجمها وبداوة محيطها، إلا أنها توصف بأنها أحدى أعقد مراكز التزوير في العراق وأكثرها احترافا، ويرجع التزوير فيها إلى عقود مضت.
من جانبه الضابط المتقاعد “عمر الدليمي” في حديث خص به “وكالة يقين” -وهو ضابط عمل في مديرية الأمن العامة في مدينة الرمادي قبل الاحتلال عام 2003-، يقول إن “منطقة البو غانم كانت معروفة لدى الأجهزة الحكومية قبل الاحتلال، ودائما ما كانت تتعرض هذه المنطقة إلى مداهمات أمنية من قبلنا، إلا أن مرات قليلة فقط أسفرت عن اعتقال متورطين في التزوير في هذه المنطقة”.
ويضيف، أن المزورين في هذه المنطقة لديهم إمكانية عالية في نسخ الوثائق الرسمية والاخراجيات الجمركية، بل وحتى العملة، ويقول: إنه في إحدى المداهمات في عام 2002، أسفرت عملية أمنية عن اكتشاف مبلغ خمسة وعشرين مليون دينار عراقي مزورة، كان يروم المزورون توزيعها في الأسواق، ويختتم “الدليمي” حديثه لوكالتنا بقوله: “البو غانم محترفون ليس فقط في التزوير؛ بل في إخفاء أي أدلة تدينهم، أعتقد أنهم يعملون تحت الأرض! ” بحسب الدليمي.
ولا يستطيع أي كان التعامل أو الوصول إلى مجموعات البو غانم للتزوير، حيث يتطلب ذلك سلسلة من العلاقات والأشخاص الذين يوصل أحدهم للآخر معلومات عن زبون معين، “حاتم محمد” كاتب عرائض، يعمل بالقرب من إحدى الدوائر الحكومية في مدينة الرمادي، يقول في حديث مع وكالة “يقين”: إنه يعمل في هذه المهنة منذ اثني عشر عامًا، وأنه بات على معرفة بالوثائق التي يمكن لـ”البو غانم” تزويرها.
ويضيف، أنه غالبًا ما يأتيه أشخاص يطلبون منه وسيلة للتواصل مع الذين يعملون في التزوير في البو غانم، مبينًا أن البو غانم لديهم حرفية كبيرة جدًا في تزوير الاخراجيات الجمركية ومعاملات السيارات والبضائع المستوردة المعروفة بالـ”منفيست”، وأختام السفر في المنافذ الحدودية والمطارات، وأن المزورين في “البو غانم” يتمتعون بحرفية عالية حتى في تزوير “المنفيستات” الأجنبية للسيارات المستوردة، بحسبه.
واستطاع “محمد” التواصل مع أحد المزورين الذي يعرفهم، وتحدث المصدر مع وكالة “يقين” عن تكلفة تزوير اخراجية جمركية لشحنة أدوية مستوردة، حيث أفاد المصدر (المزور) أن التكلفة لديهم تحتسب بنسبة 20% من قيمة الأجور الجمركية الأصلية، كما تعتمد على نوع وجنسية الشحنة فيما إذا كانت عربية أو أجنبية، وعن إمكانية تزوير الهويات والجنسيات العراقية، أفاد المصدر (المزور) قائلًا: “إن تزوير هذه المستمسكات سهل للغاية”؛ بل إنهم يستطيعون تزويد الزبون بعملات مزورة، سواء كان دولارًا أو دينارًا عراقي، بحسبه.
دور ضعيف للحكومة في مكافحة التزوير
وفي ظل ازدياد رواج أسواق التزوير في العراق، يشتكي المواطنون من تقصير حكومي كبير في مكافحة التزوير، فالمواطن البغدادي “طارق الويسي”، يقول في حديثه لوكالة “يقين” : “فقدنا الثقة في كل شيء، لا أثق بأي أحد، كل شيء أضحى مزورا، فسوق مريدي يوفر كل شيء، وأي شخص يطلب وثيقة أو شهادة مزورة، يذهب الى سوق مريدي”، مضيفا أن من لا يعرف سوق مريدي لا يعرف بغداد.

على الرغم من إعلان السلطات مرات عدة خلال السنوات الماضية عن إلقاء القبض على عصابات مختصة بالتزوير، كان أبرزها العام الماضي عندما ألقت القوات الحكومية القبض على شخص يكنى بـ”أبو كتاب”، والذي كان يعد أحد أهم المطلوبين في قضايا تزوير مرتبطة بمنطقة “البو غانم”، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون ذرًا للرماد في العيون، بحسب المستشار القانوني “حيدر الغانمي”، الذي قال متحدثًا لوكالة “يقين”: إن السلطات العراقية تعلم جيدًا أين يعمل المزورون ومن يدعمهم، إلا أنها لا تجرؤ على مداهمتهم أو اعتقالهم، فكل مجموعة إما أن تكون مرتبطة بمليشيا مسلحة، أو بسياسي تابع لأحد الأحزاب الإسلامية المتنفذة، بحسبه.
ويضرب “الغانمي” مثلًا لذلك عن سوق مريدي الذي وصفه بأنه شبيه بـ”مول” للتزوير، حيث أشار إلى أن المتجول في سوق مريدي يرى علانية شيبًا وشبابًا جالسين في المقاهي، ويتفاوضون على سعر ما سيرومون تزويره، فضلًا عن أن أهل المنطقة وهي منطقة سوق مريدي في مدينة الصدر، يعرفون المزورين بأسمائهم، بحسب “الغانمي”.
من جانبه “منتظر الساعدي”، مواطن من سكان مدينة الصدر، يسكن على مقربة من سوق مريدي، يقول في حديثه لوكالة “يقين” عن سوق مريدي ومرتاديه: إن غالبية سكان المنطقة يعرفون المزورين، حيث إنهم من أهل المنطقة أيضًا، وعن مخاطر تعرض هؤلاء المزورين للاعتقال أو المداهمات، يقول “الساعدي”: إن ذلك يعد مستحيلًا، بحسبه.
ويشير إلى أن كل مجموعة من هؤلاء المزورين لديهم جهة تحميهم إما مسلحة أو سياسية، مضيفًا أنه وبحكم سكناه في المنطقة؛ فإنه يعلم من خلال علاقاته أن ضباطًا في وزارة الداخلية يعملون مع هؤلاء المزورين وفق نسبة معينة، وأن سوق مريدي لا يقتصر على التزوير؛ بل إنه يعد مرتعًا خصبًا لسوق تجارة السلاح، فشتى أنواع الأسلحة الأمريكية والروسية متاحة للبيع في سوق مريدي، ويستطيع المشتري تجربة السلاح الذي سيبتاعه مباشرة وأمام الجميع، من دون أي خوف من الجهات الأمنية المنتشرة على مقربة من المنطقة، بحسبه.

الداخلية: تم ضبط 185 حالة تزوير
وعن عدد الحالات التي تم ضبطها بالجرم المشهود من المزورين، من جانبه الضابط في مديرية مكافحة الاجرام في وزارة الداخلية في بغداد النقيب “عبد السلام مصطفى”، يقول في حديثه لوكالة “يقين” إن “عدد الجرائم المتعلقة بالتزوير التي تم ضبطها واحالتها إلى القضاء، بلغت في عام 2017 نحو 185 حالة متوزعة ما بين تزوير عملة أو المتاجرة بها، وتزوير شهادات جنسية وشهادات دراسية”.
وعن الاجراءات التي يمكن أن تحد من حالات التزوير، أضاف مصطفى في حديثه لوكالة “يقين” أن “وزارة الداخلية ومن خلال شعبة التطوير الأمني والمعلوماتي رفعت توصيات إلى الوزير ليتم رفعها إلى رئاسة الوزراء لأجل اعتمادها، وتقضي هذه التوصيات باعتماد أرقام لكل أنواع الشهادات والوثائق وتكون ضمن قاعدة معلومات”، موضحا أن الإقتراح المقدم من قبلهم شبيه بالرقم التقاعدي وخاصة لشهادات التعليم العالي والتربية، ويتم من خلال تخصيص رقم لكل شهادة لا يكرر مطلقا، وبهذا تكون عملية التزوير مكشوفة من خلال هذه الارقام.
أما فيما يخص الاجراءات المتبعة لمكافحة التزوير في وثائق الدولة الرسمية، فقد أوضح النقيب “عبد السلام مصطفى” في حديثه لوكالة “يقين” أن “هذا الأمر يحتاج الى إجراءات قوية ورادعة، وأن الحكومة فطنة لمثل هذه الأمور، لكن معالجتها تستغرق وقتا طويلا، نظرا إلى نوع الوثائق الرسمية القديمة المتداولة ضمن المؤسسات الحكومية”، مؤكدا أن “تزوير المستمسكات الخاصة والتي تشمل الهوية الشخصية والجنسية وبطاقة السكن سيتم القضاء عليها نهائيا عند اكتمال مشروع البطاقة الوطنية الموحدة التي بدأ تنفيذها قبل عامين في بغداد وبعض المحافظات”.
أما عن الاجراءات الإدارية والقانونية التي تتبعها وزارة التعليم العالي في سبيل الحد من حالات تزوير الشهادات الجامعية، يبيّن المستشار السابق لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور “كاظم أحمد” في حديث خاص لوكالة “يقين”، ويقول إن “عدد الشهادات العليا المزورة في العراق قد يفوق تلك الحقيقية منها، وإنهم في وزارة التعليم اكتشفوا صدفة خلال السنوات الأربع الماضية فقط ما يفوق ثلاثة آلاف وثيقة مزورة صادرة عن جامعات عراقية”
ويضيف أحمد أن “وزارة التعليم باتت تعتمد خلال السنوات القليلة الماضية على استصدار صحة صدور لأي وثيقة تخرّج صاردة عن أي جامعة في العراق سواء كانت حكومية أو أهلية، وأن الوزارة رفعت توصيات لمجلس الوزراء اعتمدت فيما بعد باستصدار صحة صدور لجميع موظفي الدولة لأجل اكتشاف الوثائق المزورة، وفيما يخص الطلاب الذين يتخرجون من جامعات أجنبية ويعودون الى العراق لأجل معادلتها”.
ويضيف أنه وخلال العامين الماضيين اعتمدت الوزارة آلية جديدة وهي مخاطبة الجامعة الأجنبية التي تخرج منها الطالب للتأكد من أصوليتها، خاصة بعد أن اكتشفت الوزارة أن بعض الطلاب باتوا يزورون شهادات جامعية من دول أجنبية كالهند وأوكرانيا وإيران وسوريا ويأتون بها للوزارة لمعادلتها وللحصول على وظائف في القطاع العام أو لإكمال الدرسات العليا في الجامعات العراقية، بحسبه.
إلى ذلك فإن المشرف التربوي “محمد مسعود” يقول إن “وزارة التعليم العالي استطاعت الحد من التزوير في الشهادات الجامعية، فإن مجالا آخرا مرتبط بالتعليم لا يزال التزوير مستشر فيه”، ويضيف في حديثه لوكالة “يقين”: “إن التزوير في الشهادات لا يقتصر على الجامعية منها، حيث يعمد بعضهم الى تزوير شهادات إعدادية ويصدقونها في وزارة الخارجية، ثم يذهبون الى احدى الدول ويستحصلون من خلالها على شهادة جامعية في تخصص بسيط، ثم يعودون للعراق، وهؤلاء لا مجال لاكتشافهم حاليا، إلا اذا اتبعت وزارة الخارجية العراقية آلية جديدة تطلب صحة صدور شهادة الاعدادية من وزارة التربية قبل المصادقة عليها، وهذا ما لم تعمل به الوزارة حتى الان” بحسب مسعود.

جهات سياسية داعمة للتزوير في العراق
قد يتساءل البعض عن الجهات الداعمة للمزورين، وفي هذا الصدد، يقول المحامي “عادل عبدالله” في حديثه لوكالة “يقين” إنه ومن خلال عمله وارتباطه بالجهات القانونية والقضائية اكتشف أن كثيرا من شبكات التزوير تتبع جهات سياسية فاعلة داخل الحكومة والبرلمان، وأن كثيرا من أفراد هذه الجهات استحصلوا على وثائق مزورة وشهادات تخرج وكثير من الوثائق الحساسة الاخرى”.
ويضيف عبد الله في حديثه أن “الاستفادة المرجوة من المزورين لا تقف عند الشهادات فحسب، بل إن عملهم مستمر، وأشار إلى أن هؤلاء المزورين يوفرون لهذه الجهات كل ما تحتاجه من معاملات حدودية وجمركية وسندات ملكية وغيرها، ما يجعل العلاقة بين الطرفين ليست مادية فحسب، بل تبادل مصالح”، بحسبه.
من جانبه موظف في ميناء “أم قصر” في البصرة جنوبي العراق، تردد في الحديث لوكالة “يقين” عما يدور في الميناء من دخول بضائع بوثائق مزورة “منفيستات“، وبعد تردد وافق على الحديث شريطة عدم الكشف عن اسمه، حيث قال إن “تجارا يتبعون لرجل الدين “عمار الحكيم” قاموا قبل خمسة أشهر بإدخال كميات كبيرة من فاكهة الموز تصل إلى 500 طن بوثائق مزورة”.
وعن طريقة إدخالهم لتلك الكميات، أضاف أنهم “زوروا وثائق تفيد بأن الكمية هي 50 طنا فقط، وبالفعل فإنهم يخرجون حمولة 50 طنا من الموز باستخدام هذه الوثائق المزورة، ثم يعودون مرة أخرى ليخرجوا 50 طنا أخرى، وهكذا فإنهم أدخلوا 500 طن من الموز بحساب 50 طنا، ودفعوا جمركا لـ 50 طن فقط دون البقية، ما يعود عليهم بأرباح خيالية”، بحسب المصدر.
واختتم المصدر حديثه لوكالة “يقين” بالقول: “نتيجة لكل ذلك وما شابهه، فإن الأرصفة في الميناء مغلقة أمام خروج البضائع باتجاه العراق منذ نحو شهر، في انتظار إجراءات جديدة، بعد أن أمرت هيئة النزاهة في البصرة بإيقاف خروج البضائع لداعي التحقيق”.
وعند الاتصال بمكتب “الحكيم” للوقوف على هذه الحادثة ورأيهم فيها، نفى المكتب ذلك بكلمات بسيطة، واعتذر عن اللقاء، من دون إبداء أية أسباب واضحة .

المصدر: وكالة يقين

اترك تعليقاً