السيمر / الاحد 16 . 12 . 2018
صالح الطائي
بعد أن كنت أنجز في العام الواحد من ثلاثة إلى خمسة كتب، أطبع وأنشر بعضها، واحتفظ بمسودات بعضها الآخر للمناسبات، أجد نفسي اليوم وأنا أعيش أزمة انتاج، فأنا أمر منذ عدة أسابيع، وتحديدا منذ أن أنجزت مسودة كتابي الأخير الموسوم “الحسين حاكما” بحالة من الركود الفكري، تعرف بانغلاق الكتابة (a writer’s block)، ويُعرَّف انغلاق الكتابة على أنه ساعات أو أيام، يشعر فيها الكاتب والباحث أن مقدرته على الكتابة وصياغة الأفكار وتجميعها وتنسيقها قد توقفت دون سابق انذار. وتستمر مثل هذه الحالة في الظروف الطبيعية من عدة ساعات إلى عدة أيام، ثم تنتهي تماما مثلما بدأت، دون سابق إنذار، لكن بتشجيع وتحفيز بسيط.
المشكلة أني ومنذ بدء الأزمة، أحفز وأشجع نفسي باستمرار، وأحاول أن أبدأ بجديد أو أعود إلى قديم، ولكني في كل مرة، اصطدم بجار الرفض، مرة على شكل جدار نفسي أشعر معه بحالة من الاحباط، وثانية على شكل جدار جسدي أشعر خلاله بنوع من التعب والصداع، ولا أجد الاستجابة المطلوبة، وكأن تعب سنين البحث الطويلة، تراكم حتى خلق حاجزا بيني وبين ما أريد أن أقوله، أو أن الاشتغال بدون توقف وبدون فرصة للراحة واستعادة الأنفاس، قد استنفد ما في الفكر من حيلة نتيجة الجهد الذي يفوق الطاقة، أو ربما هي الخيبة والخذلان والمرارة التي يشعر بها الباحث حينما يرى كتبه مكدسة أمامه، ولا يرى الأثر الذي كان يرتجيه من وراء السهر والتعب والجهد والمال الذي صرفه من أجل انجاز كتاب ما وطباعته ونشره، في وقت نجد فيه أن المجتمع بحاجة ماسة إلى تلك الآراء والأفكار والتجارب التي وردت في الكتاب، بما يعني أن الحالة التي أمر بها اليوم ليست حالة طبيعية تنتهي من حيث تبدأ، وإنما هي حالة نكوص نفسي وشعور بالخيبة والخذلان، ستترتب عليه الكثير من المؤثرات النفسية التي تترك بصمتها على طبيعة الكتابة المستقبلية، فالانفتاح والتقوقع لهما تأثير مباشر على نمط استقراء الباحثين، ونوع الأفكار والرؤى التي يعالجوها، وكلاهما يتركان أثرهما على ما ينجزه الباحث، فتتلون رؤاه بشدة أثرهما، ومن ثم تنعكس هذه الرؤى على المتلقي وربما تؤثر فيه، فتخلق نوعا من توتر الفكر وجموح الاستنطاق لديه، يتسبب في إحداث ضرر للمجتمع بدل أن يعمل على دعم المجتمع لتجاوز بعض مشاكله حتى البسيطة منها!.
المشكلة الأكثر خطرا هي أن تتجاوز هذه الحالة الشخصية الطارئة نظامها الفردي لتصبح حالة جمعية عامة مشتركة، يعاني منها الباحثون في الوطن العربي كله، طالما أن ظروفهم العامة لا تختلف كثيرا عن الظرف الذي أمر به اليوم، ولاسيما وأن هناك دور نشر عربية تحاول من خلال الجشع والكسب الرخيص والسرقة المنظمة أن تفت في عضد الباحث العربي لتصرفه عن نشر وتوزيع نتاجه.