السيمر / فيينا / الثلاثاء 24 . 03 . 2020
د. ماجد احمد الزاملي
اثّر انتشار فيروس الكورونة على النمو الاقتصادي والطلب العالمي على النفط، بل أن انتشار هذا الوباء أثر سلبا على معنويات المستثمرين، وهو ما دفع الكثير منهم إلى التوجه نحو الأصول الآمنة على غرار الذهب، والتي ينظر إليها كملاذ آمن للحيطة أوقات الأزمات. كورونا يحمل التأثير الاقتصادي ضمن تركيبه الجيني، فأينما حلّ سوف تظهر أعراضه الاقتصادية. ولعل أكثر الدول التي تتأثر به بعد الصين، دول مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا. تفشي الفيروس يأتي في وقت سيئ بالنسبة لتلك الاقتصادات فقد عانت بالفعل أعوامًا سيئةً ولتوها قد بدأت في الانتعاش. مون جاي-إن، رئيس كوريا الجنوبية، أعلن حالة طواريء اقتصادية، ودعا إلى اتخاذ تدابير للحد من احتمالية إصابة اقتصاد بلاده. وأصيب الاقتصاد العالمي بحالة من التراجع الحاد في مختلف القطاعات، أبرزها الخدمات والسياحة والسفر والصناعة، رافقه هبوط حاد في الاستهلاك، وردة فعل حكومية بضخ مليارات لإنقاذ القطاع الخاص. إنخفاض العائدات يعني أن المستثمرين أصابهم الشك، بل إنهم يتوقعون حدوث خسائر اقتصادية كبيرة. هذه الخسائر والانخفاضات تقول إن أصحاب الأموال يشعرون بالخطر من فيروس كورونا أكثر مما شعروا بالتهديد من الحرب الاقتصادية المباشرة التي دارت بين الولايات المتحدة والصين مؤخرًا. البنك الدولي(الذي يمثل الرأسمالية المتوحشة بجميع معانيها ) بدوره أعد دراسة، أكد فيها أن انتشار الأوبئة والأمراض يكلف الاقتصاد العالمي نحو 570 مليار دولار سنوياً، أو ما يوازي نحو 0.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكن يبقى الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا الجديد رهنا بتطورات جهود منع انتشاره، والتي تتخذها مختلف دول العالم بشكل متسارع.
يرى العالم ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأميركية، أن فيروس كورونا سيسهم في تقوية الدولة وتعزيز الوطنية، وأن الحكومات في مختلف أنحاء العالم ستتبنى إجراءات طارئة لإدارة الأزمة المتمثلة في تفشي الوباء، لكن العديد من تلك الحكومات لن ترغب في التخلي عن السلطات الجديدة عندما تنتهي الأزمة. كما توقع أن يسرّع انتشار الوباء وتيرة تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، ويدلل على ذلك باستجابة دول شرقية لمواجهة المرض مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، كما أن تعاطي الصين مع الوباء كان جيدا بالرغم من تعثرها في البداية عند اكتشاف الفيروس. وقال إن الاستجابة البطيئة والمتخبطة في أوروبا وأميركا من الأشياء التي شوهت الهالة التي طالما أحاطت بالتعامل الغربي. كما توقع لورنس بون، كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن الفيروس “يشكل خطراً على الاقتصاد العالمي الذي أضعفته التوترات التجارية والسياسية. ويتعين على الحكومات أن تعمل فوراً لاحتواء الوباء، ودعم نظام الرعاية الصحية، وحماية الناس، ودعم الطلب وتوفير حبل إنقاذ مالي للأسر والشركات الأكثر تضرراً”. وارتفع الدين العالمي، الذي يشتمل على قروض الأسر والحكومات والشركات، بمقدار 9 ترليونات دولار، ليبلغ حوالي 253 ترليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، أي بمعدل يمثل 322% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
وقال معهد التمويل الدولي إنه “بسبب انخفاض أسعار الفائدة والظروف المالية الضعيفة، فإننا نقدّر أن إجمالي الدين العالمي سيتجاوز 257 ترليون دولار” في الربع الأول من العام 2020.
سيٌسرع فيروس كورونا أيضًا من تحوّل السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق. فعلى سبيل المثال استجابت كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل للوباء، فيما ردت الصين بشكل جيد بعد تجاوز أخطاءها المبكرة. لكن الاستجابة في أوروبا وأمريكا كانت بطيئة وعشوائية بالمقارنة بدول الشرق الأقصى، مما زاد من تشويه هالة العلامة التجارية” الغربية”. وسيخلق عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حرية(العولمة تحتاج حدود مفتوحة لمرور البضاعة والاستثمارات !!) , ما كان يجب أن نصل إلى هذه النتيجة ولكن الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة وضعت البشرية على مسار جديد ومثير للقلق. فيما يتعلق بالتهديدات العابرة للحدود مثل COVID-19 وتغير المناخ، لا يكفي التفكير في القوة الأمريكية على الدول الأخرى. مفتاح النجاح هو معرفة أهمية القوة المشتركة مع الآخرين. كل بلد يضع مصلحته الوطنية أولاً ؛ السؤال المهم هو كيف يتم تحديد هذا الاهتمام على نطاق واسع أو ضيق؟.
الأزمة الناجمة عن وباء كورونا ببعدها الجغرافي كشفت أمورا كثيرة على الصعيد السياسي والعلاقات بين الدول وحجم كلّ دولة وقدرتها على مواجهة مثل هذا النوع من الكوارث. فشلت إيطاليا فشلا ذريعا. تبيّن أن لا وجود لقيادة سياسية واعية، قادرة على التحرّك السريع. ما لم يساعد إيطاليا كونها الدولة الثانية في العالم من ناحية نسبة عدد الكبار في السنّ. شاخ المجتمع الايطالي ولم يستطع النظام الطبّي التكيّف مع وجود نسبة كبيرة من الكبار في السنّ بين الإيطاليين. ففي إيطاليا، توقّفت عائلات كثيرة عن إنجاب أكثر من ولد واحد أو ولدين في أحسن الأحوال.. هذا إذا أنجبت.
في عصر ما بعد كورونا، لن يكون هناك تغيير في سلوك الناس فحسب، بما في ذلك بدء التفكير الفعلي في العمل من البيت، سيكون هناك أيضا تغيير في سياسات الدول. سيتبيّن أن الصين، التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما زالت تحتاج إلى كثير من الشفافية، وأنّ دولا أوروبية عدّة بدأت تعاني من التغيير الكبير الذي طرأ على تركيبتها السكانية بعدما زادت نسبة كبار السنّ فيها. لا شكّ أن روسيا تعاني، أيضا، من هذه الظاهرة التي ستكون لها نتائج كارثية على الاقتصاد في ظلّ الهبوط الكبير والمفاجئ في أسعار النفط.
الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون بعد فيروس كورونة القائد الدولي الأول، بسبب المصلحة الذاتية الضيقة لحكومتها وعدم الكفاءة في ادارة الأزمة. كان من الممكن تخفيف الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير من خلال قيام المنظمات الدولية بتوفير المزيد والمزيد من المعلومات السابقة ، الأمر الذي كان سيعطي الحكومات الوقت لإعداد وتوجيه الموارد الى الأماكن الأفضل، وهو ما كان يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تنظيمه، لكنها بدلا من ذلك إهتمت بنفسها فقط، خسرت اختبار القيادة، والعالم بات مكانا أسوأ مما كان عليه . وستجد العديد من البلدان صعوبة في التعافي من الأزمة، مع ضعف الدولة ستصبح الدول الفاشلة سمة أكثر انتشارًا في العالم. من المرجح أن تساهم الأزمة في التدهور المستمر للعلاقات الصينية الأمريكية وإضعاف التكامل الأوروبي. على الجانب الإيجابي، يجب أن نرى بعض التعزيز المتواضع لإدارة الصحة العامة العالمية. لكن بشكل عام، فإن الأزمة المتأصلة في العولمة ستضعف بدلاً من أن تزيد من رغبة العالم وقدرته على التعامل معها.
واخيرا فان البشرية تحتاج اليوم إلى ان تختار, لان خيار السير فى طريق الانقسام , فلن يؤدى ذلك إلى إطالة أمد الأزمة فحسب، بل سيؤدى على الأرجح إلى كوارث أسوأ فى المستقبل، وإذا اختارت طريق التضامن العالمى فإنها لن تنتصر فقط على كورونا، ولكن على جميع الأوبئة والأزمات المستقبلية التى قد تهاجم البشرية فى القرن الحادى والعشرين.