حسن شقير / لبنان
إنه السباق بين خرطوشة بوتين ..ويوم الزحف الكبير .
ما إن انجلت غبرة العاصفة المتمثلة بزيارة الرئيس السوري إلى روسيا بالأمس ، حتى رفع بوتين سماعة هاتفه محادثاً كل من الملكين السعودي والأردني ، ومعهما الرئيس المصري ، وكذا متلقياً من الرئيس التركي أردوغان …
إذا تجاوزنا الموضوع الشكلي لهذه الزيارة ، وذلك على الرغم من دلالاتها الهامة ، ودخلنا مباشرة إلى مضمونها ودوافعها الملحة في هذا التوقيت بالذات ، بحيث توسط هذا الأخير ،مرور حوالي ثلاثة أسابيع لإنطلاق السهم الروسي المضاد في سوريا ، وما حققه من نتائج ميدانية ، ذات رسائل سياسية لكل من يعنيهم الأمر .. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى على بُعد يومين من تمهيدٍ أمريكي لإعادة الوصل السياسي مع روسيا بخصوص البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية ، وذلك بإعلان كيري عن اللقاء الرباعي المرتقب بين أمريكا وروسيا والسعودية وتركيا …
هذه الإشارة أعلاها ، فيما خص السياق الزمني لهذه الزيارة ، وما تلاها من اتصالات أجريت وجرت مع القيادة الروسية ، تؤشر – وبلا أدنى شك – بأن هذا الحدث المتمثل بها ، لم يكن فقط بهدف فك العزلة السياسية للرئيس الأسد كما يدعي البعض ، ولم تكن بهدف التدليل على أن روسيا ستحمي الدولة والنظام السوري من خلال استقبالها لرأس الهرم فيه ، فهذا تحصيلٌ حاصل منذ ما يزيد عن السنوات الأربع ، وكما أنها لم تأتي لأجل التنسيق العسكري والأمني والدبلوماسي بين القيادتين ، فهذه قضية ٌ مفروغٌ منها … ولكن المسألة – باعتقادنا – جاءت ضمن سياق الإستراتيجية الروسية في دوافع وموجبات الولوج في الأزمة السورية ، والتي تناولناها ضمن سلسلة من المقالات التي تحدثنا فيها بداية إلى إلقاء بوتين لقنبلته الشهيرة في طرحه لفكرة التكامل الرباعي في محاربة الإرهاب ، ومن ثم قرعه لجرس الإنذار ، عبر إرساله رسائل عسكرية منظورة لتحالف أمريكا في المنطقة ، وذلك من خلال الجسر الجوي العسكري بين موسكو ودمشق ، وذلك في ظل تزايد تكامل الفعل الإرهابي في الميدان السوري ، من خلال ما يُسمى بجيش الفتح ، والذي اصطف على أبواب الساحل السوري الإستراتيجي ، وبين داعش الذي تمدد في وسط سوريا الحيوي ، مهدداً بفصله عن القلب …وصولا ً إلى إطلاق روسيا لعمليتها العسكرية ، والتي سرعان ما أُتبعت بعملية برية للجيش السوري وحلفائه على الأرض ، وذلك بغية الإستثمار السريع لذاك السهم …
إذاً ، حلت هذه الزيارة ، ضمن السياق الزمني المشار إليه أعلاه ، وضمن تسلسل الأحداث التي ذكرناها سابقاً ، وبناءً عليه ، فلابد لها من أن تكون على مستوى مفصلي من عمر الأزمة السورية ومسارها من جهة ، وما يمكن أن يحمله الميدان من جهة أخرى …
لنغوص في القضية بشكل أكبر ، لم يذهب الرئيس الأسد إلى روسيا لإبلاغ قيادتها بأنه موافق على ما تطرحه الدول التسع من قبولٍ ” ببقائه ” في السلطة ، ضمن الفترة الإنتقالية لمدة تزيد أو تقل عن الأشهر الستة ، وبصلاحيات مقننة أو موسعة ، ولا لأجل إبلاغ موسكو بالموافقة على تفسير تحالف أمريكا لمعنى الفترة الإنتقالية في جنيف ١ ، وكذا الأمر لم تكن هذه الزيارة لإبلاغ الروس بأن الرئيس الأسد ، سيعزف عن العمل السياسي في نهاية ولايته الحالية … ولم يذهب أيضاً لأجل الموافقة على أية من الطروحات السابقة ، والتي رُفضت من خلال الميدان ، وهي بالتأكيد لن توهب عبر السياسة ….فهذه الطروحات جميعها تمس بالسيادة السورية وبقرار الشعب السوري ، والذي تأكيده روسياً على مسامع الرئيس الأسد ، وخصوصاً أن دمشق رفضتها بكليتها منذ بدايات الحرب عليها ، وفي عز اشتدادها أيضاً ، فكيف إذا كنا اليوم في زمن الإمساك بزمام المبادرة من قبل الدولة السورية فيها !! هذا محال بتقديري ….
وبتقديري أيضاً فإن الإتصالات التي أجراها بوتين ، بعيد الساعة الأولى للإعلان عن حصولها ، لم تكن لأجل الحديث عن الممجوجات الغربية والتركية وبعض العربية ، والتي فندنا بأن سوريا لم تأتي للبلاغ عن الموافقة عليها … فهذا محال ، ولكن في الوقت نفسه ، فإن الرئيس بوتين لم يرفع هاتفه محدّثاً أو مجيباً لكي يكرر المواقف السورية المعهودة منذ بداية الأزمة ، فهذا أيضاً محال …
إذا مضمون الزيارة والإتصالات التي أعقبتها ، يتوسط – وبدقة – حدي رفض الممجوجات وتكرار المعهودات … وإلا ّ فإن الأمرين لا معنى سياسي لهما .. وهذا أيضاً محال .
لعله من المفيد الإشارة قبيل استشراف عناوين المبادرة التي توسطت الحدين أعلاهما ، فإننا كنا نكرر دائماً بأن روسيا ومعها إيران لطالما تحاصر المشاريع المبادراتية المشبوهة ، والتي تدعي أمريكا بأنها تساعد من خلالها على إيجاد الحلول للأزمة السورية ، فلطالما كتبنا حول تفجير مشروع هيلاري كلنتون في جعل سوريا دولة فاشلة ، تستدعي التدخل الدولي ضمن الفصل السابع ، وتعطيل لغم جنيف١ ، وتشذيب مبادرة ديمستورا الأولى حول تجميد القتال في حلب … وغيرها من الأفخاخ الأخرى ، وصولا ً إلى مشروعي مبادرتين ، أو أفكار مبادرتي ( الإيرانية والتي أثارت بعض الجدل لدى الدولة السورية ) و( مسارات ديمستورا الأربع والتي رُفضت من قبل بعض أطياف المعارضة ).
إذا ما الذي يمكن أن يكون قد وُضع على الطاولة السياسية في ظل التطورات والفعل الميداني الروسي في سوريا ؟ وما الذي يمكن أن تشتمله المبادرة الروسية الجديدة – المباركة سورياً بشخص الرئيس الأسد – ، وخصوصاً أن الجانبين الروسي والسوري أكدا على أن الهدف العسكري المشترك في القضاء على الإرهاب في سوريا ، لابد أن يتوّج بهدف سياسي يرضى عنه مكونات الشعب السوري على إختلافها كما عبّر القيصر ؟
بناءً عليه ، فإنني أعتقد أن جرس الإنذار الثاني ، والذي تقرعه روسيا مجدداً على مسامع من تواصل معهم بوتين عبر الهاتف ، كان بمثابة بالون إختبار أولي لهؤلاء والمفترض أنه تضمن عرضاً روسياً مطوراً لذاك العرض الأولي ، والذي يُفترض أن يحوي مبادرة الخرطوشة الروسية الدبلوماسية الأخيرة ، وذلك قبيل يوم الزحف الأكبر في الميدان السوري ، بحيث تفترض روسيا بأنها المبادرة التي يجب أن تمسك فيها عصا الأزمة السورية من مسافة شبه متقاربة بين أضداد الصراع فيها …
إذاً ، إنها مبادرةٌ جامعة ٌ مازجة بين قنبلة بوتين التكاملية في محاربة الإرهاب ، مع خريطة الطريق الأممية لحل الأزمة السورية ، مضافاً إليهما الأفكار الإيرانية الموسعة ، والتي أفترض أنها حازت على الرضى السوري ، مع مراعاة لماء الوجه السعودي والتركي في طرحهما لتصور الحل في سوريا …
لأجل ذلك فإنني أعيد خلاصة ما طرحته حول هذه المبادرة الجديدة بحرفية ما كتبته في مقالة ( إيران وروسيا تحاصران “سوريا الجديدة ” ومسارات ديمستورا الأربع ، والمنشورة بتاريخ 05-08-2015 ) :
” : فهل ستتعلق التعديلات الإيرانية بملء الجغرافيا التي تنزاح منها التنظيمات الإرهابية عبر إدارات محلية تديرها الإمم المتحدة ، إلى حين وصول المسار السياسي إلى مبتغاه ؟ وهل أن مساري ديمستورا الإجتماعي والعمراني في تلك المناطق السورية ، سيتزامنان أم قد يتقدمان على المسار السياسي في سوريا بكليتها ؟ وهل ربما تكون المبادرة الإيرانية المعدلة ، مبادرة تجمع في ثناياها ، طرح بوتين والأمم المتحدة ، وتلبية رغبات خليجية وتركية بمنع استثمار الدولة السورية لإنزياح الدواعش عن الجغرافيا ؟ و هل هذه المبادرة ستلبي رغبة سوريا وإيران برفض الفهم الأخر للسلطة الإنتقالية ؟
وأخيراً هل من فرصةٍ جدية لتكامل هذه المبادرات جميعها ؟ أم أن الأمور قد تأخذ منحى تصادمي خطير في ظل نزول الفرقاء – لا الوكلاء – إلى ساحات النزال في سوريا واليمن على وجه التحديد ، وبشكل مكشوف ومعلن هذه المرة ؟” ( إنتهى الإقتباس من تلك المقالة )
قد يكون يوم الجمعة القادم ، هو يوم بدء السباق الفعلي بين خرطوشة بوتين الجامعة ، ويوم الزحف الكبير … فلمن الغلبة ؟ إن الجمعة لناظره قريب .
باحث وكاتب سياسي
بيروت في 21-10-2015
بانوراما الشرق الاوسط