السيمر / الجمعة 11 . 12 . 2015
كاظم فنجان الحمامي
قبل بضعة أسابيع اقتحمت كتيبة من البلدوزرات والجرافات شارع (الشهيد الحر الرياحي) في البصرة، وأخذت تنهش الطريق المعبد، وتعبث بالأرصفة المكسية بالحجارة المستوردة، كانت أصوات المطارق الهيدرولكية تمارس هوايتها بالتثقيب الطولي والعرضي. تعالى الضجيج شيئاً فشيئاً، بينما انشغلت أذرع الحفر الميكانيكي بفتح خنادق عميقة، ومتناظرة مع خطوط التثقيب، في حين راحت الشاحنات تنقل الرمال والأتربة لتكوّمها على شكل تلال مخروطية، ثم تغادر المكان على عجل لتعود ثانية وهي محملة بالحصى الخشن فتصنع منه الأكداس المعرقلة لمرور الناس. تجمعت آليات المشروع أول مرة في مكان لا يبعد كثيرا عن بيتنا، الذي يتوسط مدينة (المعقل)، المدينة المينائية التي تعد من أنظف وأجمل مدن العراق. تزامن وصول الآليات مع وصول فرقة عمالية مسلحة بالمعاول والمجارف. مؤلفة من خبراء الحفر والتنقيب في الشوارع، ومتخصصة في المناطق الواقعة وسط الأحياء السكنية، فتحولت شوارعنا في غضون بضعة ساعات إلى ساحات ترابية تعج بالغبار، وتمتلئ بالمواد الثقيلة المتطايرة. استمرت الفرقة الترابية بأعمالها المتقطعة لمدة أسبوع، ثم انسحبت فجأة من دون سابق إنذار، لتترك الوضع الترابي على ما هو عليه.
أغلب الظن أنها انتقلت إلى مكان آخر، أو قررت ترك العمل إلى غير رجعة، مخلفة وراءها صورة بائسة لشوارع تعلوها الأتربة، ويخنقها الغبار الناعم، وتشوهها الحفر والتشققات التي لا أمل بإصلاحها.
بيوتنا الآن يخنقها الغبار. تطمرها الذاريات. تحتجزها أكداس الرمال والأتربة، التي خلفها ورائه المقاول. نحن لا نعلم حتى الآن ما الغاية من مشاريع الأتربة المتطايرة ؟، ولا نعرف السر وراء هذه الفكرة الجديدة، التي أخذت طريقها نحو التنفيذ المباشر في شوارع المدن العراقية بتفرعاتها وأزقتها الضيقة.
لقد انتشرت هذه المشاريع في معظم المدن العراقية، وتتلخص بنبش الشوارع، وإزالة طبقاتها الإسفلتية القديمة، وحفر الخنادق الطولية والعرضية، وتعميقها وتوسيعها، ونثر اتربتها فوق قارعة الطريق، وقد تستدعي العملية رمي مخلفات الحفر في الشوارع النظيفة، وردمها بكميات هائلة من الرمال والحصى الممزوج بالإسمنت. تارة بذريعة مد أنابيب الصرف الصحي، وتارة أخرى بذريعة إصلاح شبكة مياه الأمطار.
تعاني المدن العراقية هذه الأيام من مئات المشاريع الترابية غير المكتملة، فقد تحولت مدننا إلى تراكمات ترابية تتصاعد منها سحب الغبار والدخان، ولسنا مغالين إذا قلنا أن اللون الطاغي على ثياب الناس وبيوتهم في العراق، هو اللون البيجي، أو اللون الترابي على اختلاف درجاته.