المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الثلاثاء 22 . 12 . 2015 — مفهوم الاغتراب الإنساني(Alienation) أحد أكثر المواضيع المتكررة في كتابات ماركس بين عامي 1844 1845 هو مفهوم الاغتراب الإنسانيAlienation) ). ورغم أنه استقي الفكرة من هيجل، إلا أن ماركس فعل ذلك بطريقة تسمو فوق فلسفة هيجل ذات الجوهر الإنساني. فبالنسبة لماركس، لم يكن تحقيق الحرية آتي من العقل من خلال إدراكه “للحقيقة المطلقة”، ولكن تأتي من العالم المادي، عن طريق إلغاء العمالة بالأجر، والإطاحة النهائية بالمجتمع الطبقي. تصور ماركس تطور الصناعة من منظور الجدلية، بمعنى أنه رأى في تطور التكنولوجيا واحتمالات الوفرة المادية التي نشأت عنها فتحاً لباب نحو التحرر الحقيقي للإنسان، لكن النتائج الفورية كانت “زيادة في تجريد الإنسان من الإنسانية” بسبب طبيعة النظام الرأسمالي.
تهدف هذه المقالة لتقديم الخطوط العريضة للصور المختلفة الموجودة من الاغتراب، وكيف تؤثر على المستوى الفردي والمجتمعي.
سنبدأ من واقع اقتصادي معاصر. “يصبح العامل أكثر فقراً كلما زادت الثروة التي ينتجها وكلما زاد إنتاجه من حيث القوة والكم. يصبح العامل سلعة أرخص مما مضى كلما صنع المزيد من السلع. انخفاض قيمة العالم الإنساني يزداد في علاقة مباشرة مع زيادة قيمة عالم الأشياء. لا يخلق جهد العامل السلع فقط، ولكنه ينتج أيضا نفسه ويخلق العامل كبضاعة وبنفس المعدل الذي يخلق به السلع”. (مخطوطات ماركس، ص 13) يوجد، حسبما رأى ماركس، أربعة أشكال من الاغتراب يتعرض لها العامل الحديث:
الاغتراب عن منتجات العمل، التي لا تعود ملكيتها للعامل بل للرأسمالي. حيث توضع حياة العمال بالكامل في صناعة أشياء لا يملكونها وبداخل نظام لا يملكون السيطرة عليه، فيصبح جهدهم ذاته سلعة تؤخذ منهم وتباع مثله مثل الأشياء التي ينتجونها. ويكون الفصل بين العمال ونتاج جهدهم في التاريخ الحديث بحيث أنهم قد لا يكونون حتى على علم بما ينتجون، فقد أصبحت أماكن العمل أكثر تقسيماً وأقل اعتماداً على المهارة.
الاغتراب داخل عملية الإنتاج نفسها، حيث يدخل العامل في مهنته داخل قيود العمالة بالأجر وليس لإشباع رغبة حرة بل لإشباع رغبات مستقلة عن العمل نفسه، ونتيجة لذلك لا يصبح العمل عملية مشبعة للذات ولكن يتحول إلى شر لابد منه. تعود ملكية وسلطة التحكم في كل جانب من جوانب عملية الإنتاج إلى الرأسمالي، بدءاً من تصميم المنتج والأشكال الأخرى من “العمل الذهني” إلى العمل اليدوي للعامل والمنتج الذي ينتجه. يتم التعامل مع العمال كما لو كانوا تروس في آلة، منخرطين في مهام رتيبة ومتكررة تهين أجسادهم وتدمر أرواحهم.
الاغتراب عن الوجود البشري، لأن الطبيعة الأساسية للبشرية تكمن في القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل العالم من حولنا وفقا لاحتياجاتنا وقدراتنا الإبداعية، ولكننا محرومون من ذلك بسبب الطبيعة اللاإنسانية للرأسمالية. وأشار ماركس إلى أن هذا النوع من الاغتراب موجود أيضاً في الطبقة الرأسمالية، ولكن بطريقة مختلفة تماماً عما يشعر به العامل، ويفسر ماركس قائلاً:
“يظهر من الطبقة المالكة وطبقة البروليتاريا نفس القطيعة مع البشرية، ولكن تشعر الطبقة المالكة بالراحة والقوة في هذه القطيعة، فهي ترى في القطيعة قوتها الذاتية وما يعطها مظهر الوجود الإنساني. في المقابل تشعر طبقة البروليتاريا بإبادتها، بمعنى أنها تزول من الوجود في هذه القطيعة، حيث ترى فيها انعدام قوتها ووجود غير إنساني”. (العائلة المقدسة, 1884).
اغتراب “الإنسان عن الإنسان”، نتيجة لتعميم الطبيعة اللاإنسانية للرأسمالية في المجتمع واستخدام جهد العمال كسلعة، بدلاً من أن يكون نشاط اجتماعي واقتصادي بنّاء يستخدم لتحسين المجتمع. يخلق الرأسماليون في سعيهم وراء الربح الصراعات الاجتماعية حيث يحرضون العمال للتصارع فيما بينهم من أجل الحفاظ على بقائهم عندما يقل نصيب العمال في قيمة إنتاجهم.
الاغتراب ليس مجرد مفهوم للأكاديميين ليتدارسوه، بل يمكن ملاحظته في كل جوانب الحياة اليومية، سواء كان ذلك شخص من العمال البريطانيين المفصولين يلقى اللوم على مهاجري أوروبا الشرقية لعدم وجود وظائف في بريطانيا، أو شخص يعمل لساعات طويلة في وظيفة مخدرة للعقل مشتاق ليوم إجازته وفرصة الهروب من المشقة والملل في بيئة العمل التي تغيب عنها المهارة. على هذا النحو، يحول الاغتراب في العمل جوهرنا الإنساني إلى وسيلة للوجود المجرد، حيث تُقيد القوى المنتجة في المجتمع والقدرات المحتملة للإبداع البشري ضمن الحدود الجامدة للنظام الرأسمالي، ويُحرض العامل العادي، الخاضع لوعي مزيف مفروض عليه، ضد أبناء طبقته من هم في نفس وضعه. لا يمكن التغلب على الاغتراب إلا من خلال استعادة الجوانب البشرية للعمل. وهذا لن يتحقق ولا يمكن تحقيقه في ظل نظام مبني على الاستغلال والسعي وراء المكاسب الخاصة. فقط من خلال العمل من أجل تلبية احتياجات المجتمع والسعي وراء إشباع الإمكانيات الضخمة للإبداع البشري، الذي يبقى في الوقت الحالي راكداً وغير مستغل، يمكن للبشر أن يدركوا إمكانياتهم الكاملة وأن يتحرروا بحق.
حركة اليسار الاجتماعي الاردني