الرئيسية / الأخبار / بلاغ صادر عن الاجتماع الدوري للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

بلاغ صادر عن الاجتماع الدوري للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / السبت 19 . 03 . 2016 — أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بلاغا اثر اجتماعها الدوري نضعه أمام القراء الأعزاء كما تلقته ” جريدة السيمر الإخبارية ” من اعلام الحزب المذكور :
التأمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يوم 12 اذار 2016 في اجتماعها الدوري ببغداد.
وفي بدء اعمال الاجتماع وقف الجميع صامتين تكريما لشهداء الحزب والشعب والقوات المسلحة بصنوفها وتشكيلاتها المتنوعة، ضحايا العمليات الارهابية وجرائم داعش، ولرفاق الحزب واصدقائه الذين رحلوا عنا، منوهين بمآثرهم وبما قدموا من تضحيات جسام في سبيل الشعب والوطن.
درس الاجتماع عمل الحزب في جوانبه المختلفة، واداء قيادة الحزب ومختصاته ومنظماته، واشر باعتزاز النجاحات المتحققة، كما اشار الى ما رافق العمل من ثغرات ونواقص، وتوقف عند سبل تطوير الاداء وبناء منظمات حزبية ذات صلات جماهيرية واسعة.
واطلعت اللجنة المركزية على سير العملية الانتخابية في الخلايا والاساسيات والفرعيات والمحليات، واقرت ما افرزته من نتائج. كما اتخذت مجموعة من الاجراءات لتحسين موارد الحزب المالية.
واتخذ الاجتماع مجموعة من القرارات والاجراءات، واقر خطة العمل الخاصة بعقد المؤتمر الوطني العاشر للحزب وبمناقشة وثائقه وانتخاب مندوبيه، داعيا رفاق الحزب واصدقاءه وعموم المعنيين بالعمل السياسي الى التوقف عند تلك الوثائق وابداء الملاحظات في شأنها من اجل تدقيقها واغنائها.
وفي مناسبة بدء التحضير للمؤتمر الوطني العاشر توجهت اللجنة المركزية الى منظمات الحزب ورفاقه واصدقائه لتحويل التحضيرات الى مناسبة لتفعيل النشاط ورفع وتيرة العطاء، والاسهام الفاعل في الحراك الشعبي والطلابي، واقامة مختلف الفعاليات والنشاطات على شرف انعقاد المؤتمر.
وتدارس الاجتماع التطورات السياسية في بلادنا منذ عقدت اللجنة المركزية اجتماعها السابق في تشرين الاول 2015، وتوصل في شأنها الى الآتي:
تنوء بلادنا تحت ثقل ازمة شاملة تزداد استعصاء، ازمة تراكمت اسبابها منذ التغيير في نيسان 2003، وهي ليست بمعزل عن طريقة اسقاط النظام السابق (عبر الحرب والاحتلال)، وتبني منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية المولد للازمات في ادارة وحكم البلاد.
وقد ادى ذلك الى قيام بناء مؤسسي هش، والى العجز عن اقامة نظام ديمقراطي حقيقي. كما ادى الى تقزيم مبدأ المواطنة، ونشوء واستفحال مشاكل جدية في اداء الدولة لدورها، وعجزها عن الايفاء به.
وانعكس الاداء التنفيذي والتشريعي، المفتقر الى منهج واستراتيجية متكاملة واضحة، على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تفاقمت كثيرا في الفترات الاخيرة ارتباطا بانخفاض عائدات النفط، والاصرار على انتهاج طريق الليبرالية المنفلتة، ما ادى الى تدهور الصناعة والزراعة والخدمات الانتاجية. وجاءت هذه التطورات لتفاقم ازمة البلد في وقت تحتدم فيه المعركة الوطنية ضد داعش والارهاب.
وازاء هذا الوضع المأزوم، اصبح من غير الممكن الاستمرار في الحكم بالمنهج والوسائل المعتمدة ذاتها، فيما لم يعد بمستطاع الناس تحمل المزيد من الازمات والانتكاسات. وقد ادى هذا الى التململ والحراك الشعبيين المتصاعدين باشكالهما المتنوعة، وبما يعكس الرفض لاستمرار طريقة الحكم ومنهجه، ونمط التفكير السائد. وهو ما عبر عن نفسه في اشتداد وتبلور المطالبة بالاصلاح والتغيير الذي يمس اس البلاء – المحاصصة المقيتة، حامية الفساد والمفسدين، ويعالج الاسباب الكامنة وراء وصول بلادنا الى ما هي عليه من تدهور.
وفي اثناء ذلك غدا الاصلاح والتغيير مطلب جماهير واسعة، يدفعها الحرص على انقاذ البلاد ووضع العملية السياسية على السكة السليمة المفضية الى اقامة الدولة المدنية الديمقراطية. الدولة التي تلح ظروف بلدنا الملموسة، وحالة التعددية المتنوعة التي يتسم بها، على قيامها كضرورة لا غنى عنها لضمان وحدته الوطنية، وتماسك نسيجه الاجتماعي، وصيانة استقلاله وسيادته، وتأمين تطوره الحر المستقل، وتحقيق التنمية المتوازنة المستدامة، وتوفير العيش الكريم والحريات العامة والخاصة لابنائه.
وهذا كله يتطلب حشد طيف وطني واسع من القوى الداعمة للاصلاح والتغيير.

التطورات الامنية والحرب ضد داعش
في هذه الظروف التي تمر بها بلادنا، وبقاء العديد من الملفات مفتوحة في انتظار الحسم، شهدت الفترة الاخيرة انعطافات مهمة في الحرب على داعش ولتحرير المناطق التي سيطر عليها منذ احتلاله الموصل. فقد تم تحرير مدينة الرمادي والمناطق المحيطة بها، وقبلها بيجي وتكريت، فيما تتواصل الاستعدادات لانهاء احتلال بقية المناطق في الانبار وصلاح الدين وكركوك والموصل.
وفي غمار حرب التحرير هذه قدمت قوات الجيش والتشكيلات الأمنية والمسلحة الأخرى بمختلف صنوفها تضحيات جساما، فضلاً عن تضحيات المتطوعين من الحشد الشعبي وقوات البيشمركة وأبناء المناطق التي يحتلها داعش.
وقد دللت الانتصارات المحرزة على الامكانيات الكبيرة التي تمتلكها قواتنا المسلحة والاطر المساندة لها، اذا ما توفرت الادارة الكفوءة للمعارك، وتمت تسوية التقاطعات السياسية لصالح دعم المقاتلين في الجبهات، وجرى تحويل القتال هنا وهناك ضد داعش الى استراتيجية وطنية متكاملة للتصدي للارهاب، واذا ما تم التوظيف السليم للعوامل الضرورية لتنفيذ هذه الاستراتيجية، بما فيها الدعم الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة بالتصدي للارهاب ومحاصرته وتجفيف منابعه. وقبل هذا وذاك، تأمين التنسيق الفاعل بين الاطراف التي تتصدى لداعش: القوات المسلحة، البيشمركة، المتطوعون في الحشد الشعبي، وابناء العشائر والمناطق المحتلة من طرف داعش.
وارتباطا بذلك يبقى تطوير امكانيات القوات المسلحة مهمة لا تقبل التأجيل، الى جانب تنفيذ ما سبق ان طالب به العديد من القوى والاحزاب، ومنها حزبنا الشيوعي العراقي، من اعادة بناء للجيش والشرطة والقوات الامنية على اسس المهنية والكفاءة والنزاهة والاخلاص للديمقراطية، ولمصالح الوطن والشعب، وابعادها عن المحاصصة الطائفية – والاثنية المقيتة، وتخليصها من “الفضائيين” والفاسدين والمرتشين، ومواصلة تعزيز قدراتها تدريبا وتسليحا.
وتبقى القوات المسلحة العراقية الاساس في محاربة داعش وقوى الارهاب الاخرى، وصيانة ارض الوطن، والحفاظ على الامن والاستقرار الداخليين. فهذه المسؤولية يجب ان لا ترحّل الى اية جهة اخرى. ومن هنا ضرورة مواصلة تطويرهذه القوات، والمضي قدما في تهيئة مستلزمات تطبيق التجنيد الالزامي بضوابط جديدة، تختلف عما كان سائدا زمن النظام الدكتاتوري المباد.
وقد نهض المتطوعون في الحشد الشعبي بمهام كبيرة في لحظات حساسة، وقدموا التضحيات والشهداء في معارك التصدي لداعش والاسهام في تحرير عدد من المدن من قبضته. الا ان الحشد ليس بديلا عن الجيش والقوات المسلحة الاخرى، ولا يفترض ان يوضع في تعارض معها، وهو بحاجة الى تأطير عمله وضمان حقوق منتسبيه، علما ان مهماته كمؤسسة تنتهي مع استكمال دحر داعش الارهابي.

عمليات اجرامية مدانة
كثفت قوى الارهاب نشاطها الاجرامي في الفترة الماضية، خاصة بعد النجاحات المتحققة في المعركة ضدها واستعادة المدن التي سبق ان استباحتها، في مسعى منها لاثارة الفتن الطائفية ورفع معنويات عناصرها.
وجرت في هذا السياق عملية خلط جلية للاوراق، وسُجل تداخل بين عصابات الجريمة المنظمة وجماعات مسلحة مليشياوية. وعادت الى الظهور جرائم ترتكب في وضح النهار مثل السطو المسلح والاختطاف والقتل، وبدوافع مختلفة منها الطائفية والسياسية، او لابتزاز المال. كذلك كثرت الاعتداءات على الاطباء والقضاة والمحامين وذوي مهن اخرى، وتفاقمت بجانبها ظاهرة الفصل العشائري وتسوية النزاعات خارج اطار الدولة ومؤسساتها القضائية، ما اشاع التردد في مؤسسات الدولة الامنية وعطل اقدامها في حالات كثيرة على القيام بواجباتها.
وواضح ان هذا كله وغيره يتطلب من القوى الأمنية التحلي باليقظة العالية، والمراجعة المستمرة لخططها الأمنية، والارتقاء بمنظوماتها وقدراتها الاستخبارية، وزيادة كفاءتها وإمكاناتها، وتحديث تجهيزاتها، وتعزيز ضبطها ومهنيتها، إلى جانب محاسبة العناصر المسيئة والمقصرة. ولا بد من الاشارة هنا الى مسؤولية الكتل المتنفذة وما تسببه منابزاتها وخطابها المهيج من توترات واجواء ارتياب تستغلها قوى الارهاب.
ويتوجب ايضا التشديد على وضع حد لانتشار السلاح، وتفعيل شعار حصر السلاح بيد الدولة، ووضع أشكال التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والمواطنين موضع التطبيق. كما بات ضروريا فرض هيبة الدولة ومؤسساتها على الجميع دون استثناء، وهو ما يعززه كثيرا وضع حد لنشاط أي جهة او تنظيم مسلح خارج عن القانون.

الاعمار وعودة النازحين
ان استكمال تحرير المناطق التي استباحها داعش، يتطلب بالطبع الانتباه الى مسك الاراضي المحررة والحؤول دون عودة الارهابيين اليها. ويلزم هنا ودائما عدم الاستهانة بالعدو الشرس وبقدرته على تنويع اساليب عمله، ولا بنشاط حواضنه وخلاياه النائمة. كما تتوجب العناية بالشرطة المحلية وتطوير قدراتها، وتمكين قوات الاسناد العشائري ومن ابناء المناطق لياخذوا دورهم الكامل.
ومن جانب اخر تبرز مهمة اعادة اعمار المناطق المحررة، وتنسيق الجهد الوطني والدولي لانجاز هذه المهمة، لا سيما توفير الخدمات الاساسية بنحو عاجل، واعادة عمل مؤسسات الحكم المحلي والدوائر الحكومية الاخرى، واستئناف صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين. وقبل هذا وذاك، يتوجب تسهيل عودة النازحين وتذليل كل ما يعيق عودتهم الى ديارهم، وعدم اخضاع ذلك لاية اعتبارات او اجندات سياسية، وتأمين عودة كريمة لهم الى حيث كانوا قبل الاحتلال الداعشي.
ومن الضروري الانتباه هنا الى ما ولده داعش في المناطق التي سيطر عليها، من حساسيات واحتقانات وكراهيات سيسعى دائما الى استغلالها، فلا بد من الانتباه الى ذلك وتفويت الفرصة على مراميه الخبيثة.
ومع تواصل المعارك ضد داعش والعزم على تحرير مدن اخرى، خاصة الموصل بكثافتها السكانية، كذلك الفلوجة وغيرها، فان اعدادا جديدة من السكان ستنضم الى النازحين، وهو ما يتوجب الاستعداد له، وتأمين الممرات الآمنة والمأوى الملائم والرعاية المناسبة.
وطبيعي ان الحكومة ومؤسساتها معنية ايضا بالتعامل مع ظاهرة الهجرة عموما، سواء داخل العراق او خارجه، والتي تقترب ارقامها من اربعة ملايين مواطن.

الحراك والتغيير
انطلقت التظاهرات الحاشدة في تموز 2015 لترتقي بالنشاطات الاحتجاجية المتنوعة التي اخذت تظهر وتتنامى مع بداية الولاية الثانية للمالكي عام 2011 وعبرت عنها تظاهرات 25 شباط 2011، فتبلغ مستوى نوعيا جديدا من حيث المضامين والمطالب والسعة وتتحول إلى حراك شعبي يشمل معظم محافظات العراق ويتواصل دون انقطاع منذ أكثر من سبعة شهور.
ويأتي هذا الحراك المتواصل بفعالياته الاحتجاجية المتنوعة، التي تشارك فيها قطاعات اجتماعية متزايدة تطحنها مصاعب الحياة وتدهور ظروف المعيشة وتردي الأوضاع الأمنية، ردا على تعمق أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واشتداد وطأتها، واستعصاء حلها في اطار نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، ودفعها البلاد الى مواجهة احتمالات تطور بالغة الخطورة.
وطيلة الفترة الماضية وبموازاة الحراك الجماهيري، صعّدت المرجعية العليا خطابها الانتقادي للأداء الحكومي وللسياسيين المتنفذين، وشددت مطالبتها الحكومة ورئيسها باتخاذ اجراءات حازمة ضد الفساد والفاسدين، وبالمضي قدما في اجراء الاصلاحات، وساندت بصورة غير مباشرة المتظاهرين. الا انها وبفعل ضعف التجاوب مع دعواتها من جانب المسؤولين، وتجنبا لمزيد من التدخل في الشأن السياسي، وبتأثير عوامل اخرى، اوقفت التعبير عن آرائها دوريا في خطب الجمعة، وهو ما اعتبر مؤشرا على عدم رضاها بل وامتعاضها من الاداء الحكومي ومن موقف الاطراف الحاكمة الرافضة للاصلاح.
وقد برزت عند ذاك افكار تدعو إلى ايقاف التظاهر مؤقتا، ثم استئنافه في موعد لاحق وبتحشيد أفضل، فيما دعت أخرى إلى اعتماد اشكال أخرى من الاحتجاجات غير الناضجة، إلا أن حزبنا نبه إلى مواضع الخطر والخطأ في هذه الطروحات، ودعا في المقابل إلى مواصلة الحراك، بما في ذلك الاحتجاج الأسبوعي ايام الجمع في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات، مشددا على السعي الى توسيع قاعدة الحراك جماهيريا وجغرافيا، ومده إلى مراكز المدن والأحياء الكبرى فيها والى الأقضية والنواحي، وتطويره قطاعيا بحيث يحقق الربط والتفاعل مع الاحتجاجات التي تقوم بها فئات وقطاعات أجتماعية ومهنية مختلفة. ومن ذلك على سبيل المثال: احتجاجات العاملين ذوي العقود المؤقتة الذين الغيت عقودهم، والأطباء وذوى المهن الطبية، وطلبة المعاهد والكليات الذين تتزايد الاحتجاجات في صفوفهم، والفلاحين المطالبين بتسديد اثمان محاصيلهم وحماية منتوجهم الزراعي، وغيرهم من الشرائح والفئات.
وقد استند الحزب في موقفه هذا على تحليل اتجاهات تطور الأوضاع، حيث تدل المؤشرات وفي مقدمتها اشتداد الأزمة الأقتصادية والمالية وتداعيات الاجراءات التقشفية، على الازدياد المضطرد لوطأة المصاعب المعيشية، خصوصا بالنسبة للكادحين وذوي الدخل المحدود والشرائح والفئات الوسطى في المجتمع، ما يثير تذمرا متزايدا لا بد وأن يجد تعبيره في اشكال مختلفة من الاحتجاج. ومن ناحية أخرى، فإن جمهور المشاركين في الحراك الذين اوقفوا المشاركة، لم يغيروا مواقفهم بشأن أسباب الحراك واهدافه، وبالتالي فهم مرشحون لاستئناف مشاركتهم في حال ظهور اي مستجد يعيد لهم الأمل والثقة بجدوى التظاهر.
وتكشف التطورات الأخيرة، ومشاركة جماهير واسعة في التظاهر، ونزول الصدريين بكثافة إلى ميادينه، خاصة في بغداد، وبشعارات ومطالب قريبة مما يدعو له الحراك المدني، وبتواصل وتنسيق في ما بينهما، سلامة الوجهة التي تبناها الحزب لجهة التشديد على سلمية التظاهر، ورفع الشعارات الوطنية العامة، ومواصلة الحراك والضغط، وتأكيد الحاجة الى الاصلاح و التغيير.
وفي خضم هذه التطورات، وتصاعد زخم الحراك الشعبي وتوسع صفوفه، جاء الحراك الطلابي الواسع الذي شمل جامعات ومحافظات عديدة، رافعا العديد من المطالب الطلابية والمهنية المشروعة، وداعيا الى اصلاح العملية التربوية والتعليمية ومؤسساتها، واسناد المسؤولية فيها الى الاكفاء والمتخصصين والنزيهين. وقد حظي هذا الحراك بدعم واسناد كبيرين، وهو يشكل نقلة هامة في واقع ونشاط الحركة الطلابية، وتماهي مطالبها مع المطالب الشعبية العامة. كما برزت بجلاء اهمية عنصر التنظيم في هذا الحراك وقيادته وبلورة شعاراته وتنسيق فعالياته.
إن حزبنا لم يكف في تحليلاته ومواقفه المعلنة في السنوات الماضية، عن تأكيد ان الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، باعتباره منبع الأزمات، لن يتحقق إلا عبر تغيير موازين القوى السياسية في البلاد والمجتمع، وأن الاصلاح الحقيقي، وهو المدخل لاجراء التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن يتم من دون ممارسة ضغط شعبي متصاعد.

التغيير الحكومي
تصدر جدول الاعمال في الاسابيع الأخيرة موضوع إجراء تغيير حكومي يؤمن تأليف حكومة منسجمة تعمل على تنفيذ الاصلاحات، ويتم تشكيلها من مستقلين اكفاء ونزيهين واخصائيين (تكنوقراط)، ومن دون ان يخضع ذلك الى آليات المحاصصة المعهودة. ويبدو ان لرئيس الوزراء وللكتل المختلفة لجانا خاصة بهم، شأن اللجنة التي اعلن التيار الصدري عن تشكيلها، تقوم باقتراح مرشحين للحكومة المرتقبة. واعلن رئيس الوزراء اخيرا عن اوراق ذات صلة بما ينوي القيام به من اصلاحات ومن تغيير وزاري ” جوهري “.
وفي اثناء ذلك يدور صراع شديد بين القوى المتنفذة، حول طبيعة التغيير ومدياته وسبل احتفاظ كل طرف بحصته وامتيازاته. ويجري هذا الصراع في ظل معطيات جديدة، منها استمرار الحراك الشعبي ومطالباته بانهاء نظام المحاصصة، وضرب الفساد والمفسدين، وتحقيق الاصلاح السياسي باعتماد نهج المواطنة في بناء الدولة، بما يضمن تولي ذوي الكفاءة والنزاهة مواقع المسؤولية وإجراء الاصلاحات في القضاء واعتماد سياسات اقتصادية تدعم الصناعة والزراعة والخدمات الانتاجية من اجل تغيير البنية الريعية لاقتصادنا الوطني. ويلعب دورا مهما كذلك الضغط الكبير الذي يمارسه الحراك الجماهيري، وما يطرحه من مطالب تدعو الى اصلاحات عميقة تتجاوب مع مصالح فئات وشرائح مجتمعية واسعة. ويقترن ذلك كله بتعمق الاختلافات والخلافات داخل الكتل المتنفذة جميعا، على خلفية غضب شعبي متصاعد، ومقاومة متعددة الاشكال لعملية الاصلاح.
ويسعى حزبنا من خلال دوره الفاعل في الحراك الشعبي ونشاطاته الجماهيرية وعلاقاته مع الأحزاب والقوى الأخرى، إلى مراكمة العناصر الموحدة للعمل الميداني السلمي المشترك، وحشد متطلبات بناء اوسع اصطفاف ممكن للقوى المساندة للأصلاح والتغيير، مشددا على الاسس المبدئية في بناء علاقات التعاون والتنسيق مع الاطراف الأخرى، وفي مقدمتها احترام الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي لكل حزب وطرف، واعتماد الاساليب السلمية والاصلاح الجذري وصولا الى التغيير، والنأي عن الطروحات والمواقف الداعية إلى تعطيل الدستور والغاء البرلمان واقامة حكومة طواريء، نظرا الى ما تمثله من تهديد للحريات ولعملية التحول الديمقراطي في البلاد.

الازمة الاقتصادية – المالية وانعكاساتها على موزانة 2016
تمر بلادنا بازمة مالية واقتصادية خانقة تلقي بظلالها على حالة السوق وحركة الاقتصاد ومعيشة المواطنين، ويرافقها انخفاض احتياطي العراق المالي الذي يشرف عليه البنك المركزي بنحو (20) بالمائة ليصل الى (54) مليار دولار. في حين اقدمت الحكومة على اجراءات تقشفية وتواصل – حسب ما تعلن – البحث عن موارد جديدة للموازنة.
وتمتد جذور الازمة المالية والاقتصادية الحالية الى فترات سابقة، وهي لا يمكن حصرها في الانخفاض الحاد لاسعار النفط، وفي الانفاق على الحرب الدائرة ضد داعش. ذلك انها مرتبطة ايضا بـ:
•الفشل البيّن للسياسة المالية والاقتصادية المتبعة على مدى سنوات.
•سوء إدارة موارد البلاد الاقتصادية: المادية والبشرية.
•الهدر في الانفاق وتبذير اموال الدولة في شراء الذمم وكسب المريدين والمطبلين.
•الفساد المالي والاداري المستشري، وانفاق مئات المليارات على مشاريع فاشلة أومتلكئة او وهمية، وعلى إغراق دوائر ومؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، بعشرات آلاف المنتسبين “الفضائيين”.
•تمتع الرئاسات واصحاب الدرجات الخاصة بامتيازات فائقة وبأنماط انفاق باذخة.
وليس مقبولا بالطبع أن تتحمل الفئات والشرائح الاجتماعية الضعيفة والكادحة ومعها اصحاب الدخل المحدود والفئات الوسطى، أعباء الازمة سواء من خلال خفض المداخيل أم زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة عليها.
ويواجه الاقتصاد العراقي حاليا مستويين من المشاكل والأزمات:
الأول: ذو طبيعة مالية ونقدية، ويتطلب معالجات آنية يتوجب تحقيقها في الأمد القصير أو المتوسط، من خلال ضغط النفقات وتعظيم الايرادات. وهو يرتبط بدرجة أساسية بالموازنة العامة والسياسة المالية التي يتحدد على اساسها الانفاق الحكومي واولوياته وبنيته.
الثاني: يتعلق ببنية الأقتصاد العراقي الاحادية والريعية، الواجب إعادة هيكلتها بتنويع قاعدة الانتاج الوطني، عبر تعزيز وتطوير مساهمة القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة وقطاع التشييد والبناء والخدمات وتحديث وتطوير البنى التحتية.
وبديهي ان المستويين مترابطان وغير مستقلين عن بعضهما.

موازنة عام ٢٠١٦
تشكل الموازنة اداة رئيسة لتنفيذ التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة.
وتفيد البيانات المتوفرة أن جميع الموازنات العامة منذ عام 2005 حتى عام 2013 كانت تبنى على أساس وجود عجز مخطط، ولكنها تنتهي من الناحية الفعلية بفائض، باستثناء موازنة عام 2009.
وقد كشفت محاولات السلطتين التنفيذية والتشريعية في العامين الحالي والماضي، لايجاد حلول مناسبة تخفف من وطأة الضائقة المالية التي تواجهها البلاد، عن محدودية الخيارات أمامهما بسبب تعمق الطابع الريعي للاقتصاد العراقي، وضآلة مساهمة القطاعات الانتاجية غير النفطية، وهزال النظام الضريبي. وبهذا المعنى تكون الأزمة المالية التي اطلقها هبوط اسعار النفط قد سلطت ضوءا كاشفا على عناصر الخلل والضعف العميقة، التي كانت تجري التغطية عليها عن طريق الانفاق التوزيعي والتخديري، الذي كان ارتفاع العوائد النفطية يتيحه للقوى النافذة في السلطة.
وجاءت موازنة العام الحالي، اسوة بموازنة عام 2015، تقشفية، وجرى اعتماد سعر تخميني لبرميل النفط قدره (45) دولارا، وبمعدل تصدير (3,6) مليار برميل، فيما يبلغ اجمالي النفقات التخمينية (105) ترليون دينار، منها (25) ترليونا للاستثمار و(80) ترليونا للنفقات التشغيلية. اما إجمالي الايرادات فيبلغ (81) ترليون دينار، ويقدر العجز بـ (24) ترليون دينار.
ولعل ابرز الملاحظات التي تسجل على الموازنة إنها اعتمدت سعرا تخمينيا مرتفعا للبرميل قدره (45) دولارا، في حين اشرت دلائل كثيرة انخفاض السعر، مثلما هو الحال حتى الآن.
وتشير الموازنة ذاتها الى سعي الحكومة لتغطية العجز عن طريق:
•الاقتراض الداخلي والخارجي من البنوك والمصارف العراقية والاجنبية.
•الافادة من مبالغ النقد المدورة في حساب وزارة المالية.
•الوفر المتوقع من زيادة اسعار بيع النفط او كمية النفط المصدر.
•اصدار سندات داخلية وخارجية.
•التوجه نحو بيع عقارات الدولة.
ولعل اهم ما يسجل على اجراءات استحصال الضرائب والرسوم هو ان تاثيرها التراكمي سيشكل عبئا اضافيا على ذوي الدخول الواطئة، ما سيترك آثارا سلبية تعمق التوزيع غير العادل للدخول. وكان حريا بالموازنة ان تفرض ضرائب تصاعدية على الدخول تعفي منها الشرائح واطئة الدخول، وهو اجراء ينسجم مع قواعد العدالة الاجتماعية.
وشملت اجراءات الحكومة حتى الان، الى جانب تخفيض رواتب ومخصصات ذوي الدرجات الخاصة وموظفي الرئاسات الثلاث، الاعلان عن ترشيق الوزارات وعدد اصحاب الدرجات الخاصة في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، وتخفيض كوادر وزارة الخارجية العاملين في البعثات الدبلوماسية، وغلق ملحقيات عدد من الوزارات في الخارج، وتخفيض المبالغ المخصصة للوقود والسيارات، وتخفيض نفقات الايفاد الخارجي. وتبقى العبرة في التطبيق السليم لهذه التدابير، وجعلها عامة تشمل الجميع، وفي حسن ادارة الموارد المستحصلة عموما وانفاقها في المواقع التي تحتاجها، وحمايتها من الهدر والتبذير.
والى جانب الشكوك الجدية التي تطرح في شأن امكانية تغطية العجز المتوقع، فليس للموازنة وجهة واضحة واهداف اقتصادية واجتماعية محددة، وليس متوقعا ان تلعب دورا مؤثرا على الصعيد التنموي. كما ان عبء التقشف ستتحمله بدرجة أكبر الفئات الأقل دخلا، ارتباطا بفرض الضرائب والرسوم الجديدة، كضريبة المبيعات والرسوم المختلفة، وتقليص تخصيصات البطاقة التموينية وغلق باب التعيينات رسميا، مع استمراره عمليا عبر العديد من الطرق غير المشروعة، وارتفاع معدلات البطالة بسبب تقليص الانفاق الحكومي وتراجع النشاط الخاص.

بدائل مقترحة
في رأينا ان المعالجة الناجعة للازمة المالية و لتعظيم موارد الدولة تكمن في بدائل واقعية، نورد منها:
•التطبيق السليم لقانون التعرفة الكمركية، الذي عُطل لسنوات بضغط من ذوي المصالح والمنافع ورؤوس الفساد، والسعي الى محاربة جادة لمافيات الكمارك.

•استحصال الديون المتراكمة للدولة لدى الكثير من المؤسسات المالية والاقتصادية، وفي المقدمة شركات الاتصال.
•تطبيق الضريبة التصاعدية ولا سيما على اصحاب المداخيل العالية من المقاولين والتجار الكبار ومن اصحاب البنوك والاموال.
•العمل على استحصال رسوم الخدمات التي تقدمها الدولة سواء للقطاع الحكومي ام الخاص، مع استثناءات مناسبة لذوي الدخل المحدود، وتفعيل استحصال ضريبة بيع العقارات.
•الاستخدام العقلاني للفائض العائد في موازنات الوزارات ومؤسسات الدولة، وتوظيفه في معالجة عجز الموزانة وسد ثغراتها.
•التوجه الجاد نحو ضبط حركة الاموال في صناديق الدعم والرعاية، وتدقيق قوائم المستفيدين منها.
•تدقيق قوائم العاملين الفعليين في مؤسسات الدولة المختلفة، وتلك التي تستلم الاموال من الدولة وتخليصها من “الفضائيين “.
•التوجه نحو الاستغلال الامثل للموارد، ومنها الغاز الطبيعي.
•تدقيق السياسة المتعلقة بنظام محفزات الاستثمار والاعفاءات الضريبية.
•تحفيز اقامة المشاريع الانتاجية وتوجيه القروض الى المشاريع الزراعية والصناعية والخدمات الانتاجية.
لكن هذه وغيرها من المقترحات تظل غير ذات جدوى مع استمرار الانفاق الحكومي الاستعراضي الباذخ. فالحاجة ماسة الى التقليص الفعلي للنفقات على كل المستويات.

دور البنك المركزي
في خضم الجدل والنقاش بشأن البنك المركزي العراقي، نشير الى ان له دورا في التخفيف من الازمة الراهنة عبر طرق ووسائل عدة ومنها:
•امكانية الاستفادة من الارباح المتحققة للبنك وتوظيفها في الاستثمار وما يقوده ذلك من زيادة في التشغيل وتوفير فرص عمل للعاطلين.
•مراجعة مزاد العملة الذي ينظمه البنك وامكانية المشاركة في الارباح الناجمة والمتأتية من بيع فروقات العملة، وبنسبة محددة تدفعها له البنوك الاهلية، وكذلك مكاتب الصيرفة.
•كسر احتكار بيع الدولار وتداوله، وتوسيع منافذه عبر اعطاء البنوك الحكومية دورا متصاعدا في ذلك.
•ايقاف التحويلات غير الشرعية وتشديد الاجراءات ضد غسيل الاموال.
•ضبط عمليات التحويل الخارجي وجعلها قانونية مشروعة وحصره بالاستيراد الحقيقي، وتدقيق اجازات الاستيراد ذات العلاقة.

محاربة الفساد
يشكل التصدي للفساد المالي والإداري أولوية لا ريب فيها، إلى جانب مواجهة الإرهاب – داعش وأعوانه – وتحرير المدن المستباحة، وفرض سيادة القانون في عموم البلد. فمن غير الممكن الفصل بين هاتين المهمتين، لان الإرهاب والفساد حليفان متلازمان في تخريب الوطن.
لذلك شكلت محاربة الفساد وفضح ومحاسبة رؤوسه مطلبا اساسيا من مطالب الحراك الجماهيري، وعنصرا رئيسا في الاصلاح والتغيير المطلوبين. ولاشك ان مهمة مكافحة الفساد ليست سهلة، وتتطلب عملاً متكاملا ذا أبعاد سياسية وتشريعية وقانونية وإدارية وتنظيمية، وانسجاماً بين مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث، الامر الذي يتطلب إصلاح هذه المؤسسات من دون إبطاء، كي تحرز نجاحاً أكيداً وملموساً.
بل ان الكشف عن كبار الفاسدين واقصاءهم عن مواقع المسؤولية واحالتهم الى القضاء، وغيرها من الاجراءات الحازمة بحق الفاسدين والمفسدين، يمثل المدخل الضروري الذي يؤشر مدى توفر الارادة السياسية والجدية في القيام بالاصلاحات الضرورية.
وان الوضع المالي والاقتصادي المتدهور الذي يواجهه البلد، يضاعف الحرص على جعل عملية مكافحة الفساد حرباً متواصلة على مستويات عدة، تشترك فيها كل قوى المجتمع ذات المصلحة الحقيقية في الخلاص منه، والتي ستبادر من دون ريب إلى مساندة أي جهد حقيقي وملموس في هذا الاتجاه.

الاوضاع في الاقليم
ما زالت الاوضاع في الاقليم تراوح في مكانها، ولم يحصل تقدم ملموس على طريق معالجة المشاكل السياسية والاقتصادية التي يواجهها. بل ان الازمة اخذت تتعمق مع الشح التدريجي في الموارد المالية، وعدم التوصل الى تفاهمات تتصف بالديمومة للملفات العالقة مع الحكومة الاتحادية، ومنها مسألة رواتب موظفي الاقليم، وعائدات النفط، والتعرفة الكمركية، وغيرها. كذلك مع تواصل المعارك ضد داعش ومنظمات الارهاب.
ويقينا ان اوضاع الاقليم ليست معزولة عن الاوضاع العامة في البلد، وعن حالة الاحتقان والاستعصاء السياسية فيه. وهي الاوضاع التي شجعت وتشجع رفع وتيرة التدخلات الخارجية في شؤون الاقليم.
وقد اخذت الاوضاع الاقتصادية في الاقليم تترك اثارها على سكانه، وأضحت القدرة على معالجة جوانب الازمة محدودة، خصوصا وان موارد الاقليم الاساسية ما زالت تعتمد على تصدير النفط. حيث لم تجر الاستفادة مما كان متوفرا من موارد في تنويع مصادر الدخل، ولايجاد قاعدة اقتصادية انتاجية، خاصة في الزراعة والصناعة.
وجوبهت اجراءات التقشف التي اعلنتها حكومة الاقليم بمعارضة جماهيرية واسعة، عبرت عن السخط والاستياء من استقطاع مبالغ من الرواتب وعدم صرفها كاملة، وفي اوقاتها المحددة، ومن الازمة السياسية ايضا. وشمل هذا الحراك طيفا واسعا من المواطنين، الذين يرفضون حل الازمة على حساب الكادحين وذوي الدخل المحدود، وينددون بعدم التصدي الناجع للفساد، رغم ما اعلن اخيرا من اجراءات لمكافحته، وهي اجراءات لم تمس أوساط المنتفعين من السياسات الاقتصادية السابقة للحكومة. فيما لم تستخلص دروس وعبر من الممارسة الاقتصادية السابقة، لا سيما كون الحل لا يكمن في السير على النهج الليبرالي، ومواصلة الاعتماد على الاقتصاد الريعي، واطلاق العنان للنزعة الاستهلاكية، ولا ببيع مؤسسات الدولة كما حصل سابقا في الاقليم.
وقد حذر الحزب الشيوعي الكردستاني من اقدام الحكومة على بيع الاراضي والممتلكات العامة الى القطاع الخاص، كاجراء الى جانب التقشف وتخفيض الرواتب، لسد العجز في الميزانية. فبسبب مظاهر الفساد وغياب الشفافية لا يتوقع أن يجري التعامل بشكل سليم مع هذه العملية، وبالتالي تفقد جدواها الاقتصادية وتبقى كما يرى الحزب مجرد حل آني يخدم في نهاية المطاف الفئات البيروقراطية والطفيلية، حيث ان ملكية تلك الاراضي والاملاك ستنتقل الى اصحاب الاموال والثروات المرتبطين بشكل أو أخر بالأحزاب المتنفذة.
ومن رأي الحزب ان طريق الخروج من الأزمة الاقتصادية يبدأ باعتراف الحكومة بوجود هذه الازمة في الاقليم، وبان اسبابها لا تنحصر فقط في انخفاض اسعار النفط والطاقة، وفي الحرب ضد داعش وتدفق المهجرين والنازحين الى الاقليم، بل ان السبب الرئيسي يكمن في اعتماد الاقتصاد الريعي. وان طريق الحل يفترض تصحيح اوضاع الاقليم، وتأمين ادارة سليمة لاقتصاده، واقامة علاقة افضل تتسم بالحوار الديناميكي مع الحكومة الاتحادية.
ويشدد الحزب على اهمية تزامن هذه الاجراءات مع السعي لاعادة تنظيم البيت الكردستاني علي الصعيد السياسي، والوصول الى توافق وطني شامل عبر الحوار الجاد والبناء، وبما يساعد على الأتيان بحكومة قوية قادرة على القيام بواجباتها الآنية الملحة في المرحلة الراهنة.
ويبقى تطوير الصيغة الحالية للفيدرالية التي يمتع بها الاقليم، مرهونا بجملة من المعطيات الداخلية والخارجية، التي لا يجوز القفز عليها في سياق ترتيب الاولويات التي تنهض امام شعب الاقليم والعراق ككل.

مستجدات الاوضاع في المنطقة
تعيش المنطقة وبلدانها اوضاعا صعبة وظروفا معقدة، وحالة صراع وقلق وترقب، فيما قوى الارهاب وتنظيماته تنشط باشكال مختلفة، كاشفة حقيقة ان قاعدة هذه التنظيمات الاجرامية ونشطائها هم من ابناء هذه البلدان اساسا. وهناك، ايضا، مواطنون من بلدان العالم المختلفة، جاءوا لتنفيذ مآرب التكفيريين والجهلة، وقوى الظلام والردة والتخلف.
ولعل الاوضاع المعقدة التي عاشتها المنطقة، ساعدت بشكل او بآخر على استفحال ظاهرة الارهاب، بما تحمل من مشروع تدميري، ولم يكن ذلك بمعزل عن تدخل ودفع خارجيين لغايات ودوافع مختلفة.
ان هذا المشروع الظلامي هو الخطر الداهم، ومن الضروري ادراك ان احدا ليس بعيدا عن نيرانه. وها ان اخطبوطه يتمدد، فاذا حوصر في بلد او منطقة معينة، سعى الى ايجاد مواقع رخوة وهشة ينفذ اليها. ومن اللافت انه بدأ يشيع اخيرا ادراك دولي لحقيقة ان بلدان الشرق الاوسط ليست وحدها المستهدفة بهذا المشروع، بل ومعها بلدان العالم في قاراته المختلفة.
ان من الصعوبة بمكان الحديث عن تقدم ونمو وازدهار يتحقق في المنطقة، مع وجود هذه المشاريع الظلامية. وهذا يفرض ان تتصدي لها كل الجهود متكاتفة، وان يجري التنسيق مع الجهد الدولي المطلوب لدحرها والتخلص من شرها وخطرها الداهم الذي يهدد الجميع.
وتتوجب مكافحة هذا الخطر على كل المستويات، ووفقا لمقاربات متعددة، ومشاريع تصدٍ لا تقتصر على الجانب العنفي، بل تتوجه الى اعتماد خيارات اوسع، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية واعلامية.
ولا بد للاحزاب الشيوعية والديمقراطية واليسارية والاسلامية المتنورة والمعتدلة، ان تسهم على نحو فاعل في هذه المعركة، لان من شأن الانتصار فيها ان يفتح الآفاق نحو خيارات افضل امام شعوبنا ولمصلحة تطورها ورخائها.
ان المعركة على هذه الجبهة المحتدمة لا يتقاطع، بل ويتكامل مع كل المساعي والنضالات السياسية والجماهيرية لاقامة انظمة حكم ديمقراطية حقيقة في المنطقة، تضمن الحرية والتقدم وتطلق طاقات الجماهير للتصدي لمشاريع الهيمنة الامبريالية ومشاريع التفتيت وتكييف اوضاع المنطقة وفقا لتلك المشاريع.
وان استمرار الحروب العبثية في اكثر من بلد في المنطقة وعلى تخومها، يلحق افدح الاضرار بالحياة السلمية الطبيعية لشعوبها، ويسبب خسائر بشرية جسيمة، ودمارا للحواضر والارياف، ولصروح الثقافة والمعالم الاثرية التي ترمز الى حضارة هذه البلدان، وما بنته شعوبها خلال مسيرتها الطويلة.
لقد آن الاوان للحروب المهلكة ان تخمد، وتخلي الميدان لتفعيل العقل والمنطق، واللجوء الى الحلول الرشيدة والسلمية التي توقف الدمار والخراب والنزيف، وهو ما يتوجب ان يحصل فورا في سوريا وليبيا واليمن، لافساح المجال امام شعوب هذه البلدان كي تختار انظمة الحكم وفقا لارادتها الحرة، بعيدا عن العنف والارهاب وقرقعة السلاح وتكميم الافواه ومصادرة الحريات.
ان وقف اطلاق النار وبدء المفاوضات بين اطراف النزاع في سوريا، برعاية دولية وتوافق امريكي روسي، ينسجم تماما مع مصالح الشعب السوري وتطلعه الى السلام والامان، واعادة بناء بلده وحسم خياراته في بلد تسوده الديمقراطية والحرية ويعمه السلام.
وان السبيل المجرب للوصول الى ذلك يتطلب الكف عن قرع طبول الحرب، وتدشين حوار وطني شامل تستبعد منه منظمات الارهاب والجريمة، ويتم بعيدا عن التدخلات الخارجية التي تسعى الى فرض اجنداتها المنطلقة من مصالحها الانانية.
ان لدى شعوب المنطقة من المشاكل ما يثقل كاهلها وما تعجز عن حمله، لذا فان اضافة المزيد منها ليس سوى استهتار بحياة ومستقبل هذه الشعوب. انها ليست بحاجة الى عداوات جديدة، ولا الى خنادق متقابلة تحت عناوين طائفية وعرقية. انما بات مطلوبا ان تقام علاقات طبيعية بين بلدان المنطقة وان يتم تطويرها وفقا للمصالح المشتركة ولمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ولقد بيّنت سبعة عقود من السنين على نحو جلي، ان من الصعب ضمان الامن والاستقرار في المنطقة، من دون تلبية حقوق الشعب الفلسطيني ورفع الظلم التاريخي الذي تعرض له ويتعرض، وتمكينه من اقامة دولته الوطنية المستقلة على ارض وطنه.
ان مقاومة مشاريع الهيمنة والتسلط، والتصدي للارهاب وقواه، وتحقيق امان شعوب منطقتنا وتطلعها الى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يتطلب المزيد من التشاور والتنسيق والتعاون بين مختلف الاحزاب الوطنية والديمقراطية واليسارية والشيوعية، والارتقاء بعملها المشترك لمواجهة التحديات، وتعديل موازين القوى لصالح المشروع الحضاري الانساني، واحداث تغييرات جذرية تصب في مصلحة شعوبها وكادحيها، وفتح طريق التغيير الديمقراطي المنشود.
انتهى

اترك تعليقاً