الرئيسية / ثقافة وادب / سلسلة رحلتي الثانية إلى المغرب 14/ بين الله و الإنسان.. محمد جواد مغنية

سلسلة رحلتي الثانية إلى المغرب 14/ بين الله و الإنسان.. محمد جواد مغنية

السيمر / الاثنين 21 . 03 . 2016

معمر حبار / الجزائر

أولا إعجاب القارئ المتتبع.. حين هممت بالرجوع إلى الجزائر في اليوم الأخير من زيارتي للمغرب، عرض علي الأستاذ اللبناني عاصم Assi Abdul Hussein، حوالي 10 كتب فيما أتذكر، فاخترت كتاب “بين الله والإنسان”، للأستاذ محمّد جواد مغنية، دار الجواد، بيروت، لبنان، 1982-1402هـ، من 181 صفحة.
كتب الأستاذ عاصم على الكتاب إهداءه لي، فقال.. “إهداء إلى أخ مؤمن، وكاتب صادق، وكلمة شفافة في زمن كثر فيه المنافقون، وبيعت الضمائر وشعلة الكلمة. إلى الأستاذ الكاتب معمر حبار، أهديك كتاب الشيخ محمد جواد مغنية “بين الله والإنسان” . الدار البيضاء في 22/02/2016. د. عصي عبد الحسين”.
قرأت الجزء الأول من الكتاب وأنا في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، وفي طائرة الخطوط الجوية الجزائرية.
بكيت مرتين وأنا أجوب صفحات الكتاب. الأولى في صفحة 24-25 تحت عنوان “من الأدلة الخاصة”، والثانية في صفحة 30 تحت عنوان “صانع المصادفات”. وزاد تعلقي ببحر الكتاب، كلما غصت في عمق الكتاب، وتمتعت بشواطئه.
مايشد القارئ وهو يتصفح الكتاب، التجربة الطويلة للكاتب مغنية مع الحياة. فهو عارف بخبايا الحياة ومعرفة الرجال. وفوق ذلك قارئ وكاتب، يختار نصوصه، ويحسن الاستشهاد بها.
لغة الأستاذ سليمة ثرية نقية، وحزينة مبكية مؤثرة، تعتمد على البساطة في الطرح، والصدق في المناداة، والإخلاص في النصيحة.
لا يطلب المحال، ولا يأمر بما لايستطاع، ويدل قارئه على أفضل الطرق وأسهلها، ويطلب منه إن لم يستطع ركوب طريق الكبار لأنه صعب وشاق، فليكتفي بما يستطيع ، فإن ذلك يحمله لتجاوز العقبات والوصول إلى ماوصل إليه الكبار.
تطرق لقضايا فلسفية دينية أخلاقية صعبة شائكة، كـ.. الله سبحانه وتعالى، و”الإنسان روح لاجسد”، و”وصف الحياة بعد الموت”، و”السعادة”.
ثم تطرق لقضايا لطيفة رقيقة، زادها أسلوبه جمالا وأكثر قربا من القارئ، حين يتطرق لـ “أبواب الرحمة”، و “الترغيب في الخير”، و “إرحم نفسك”، “الثقة بالله”، و “الحب في الله”، و”الله كريم”.
وفي كل مرة يستشهد بما يراه يناسب المقام، من خلال العودة إلى المرجعية التي ظلّ يعتمد عليها طيلة الكتاب، وفي نفس الوقت يعتمد على الآثار الغربية التي كان يذكرها من حين للآخر، دون التعليق عليها.
واضح جدا من خلال الصفحات الأولى للكتاب، باعتباره تلقى تعليمه الأول من أمه، باعتبارها من “بيت علم ودين” كما ذكر ذلك في صفحة 11، وكذلك الأب كما فصّل في صفحة 12 وما بعدها. وظلت طاعته لوالديه ترافقه طيلة حياته، وبدت جلية عبر الأسطر التي خطها.
ثانيا: مقتطفات رائعة.. جاء في صفحة 34 “وإذا لم يؤمن الانسان بالله، أو آمن به، وانكر خلود الروح لم يكن مسلما ولا نصرانيا ولا يهوديا”.
52 ” الحق لايعاند الحق، بل يؤازره ويناصره”.
68 “ان الله جل وعز لايعطي الحجر لمن استجار برحمته، ولاذ بجوده وكرمه”.
68 “ان الله جل وعز لايعطي الحجر لمن استجار برحمته، ولاذ بجوده وكرمه”.ان الله يرحم ولا يعرف الحقد، لان الحقد شأن الضعفاء والجبناء ، والله قوي عزيز”.
71 ” العاقل إذا رأى طريقا جميلا ومريحا لايبادر إلى سلوكه قبل أن يعرف إلى أين ينتهي”.
73 ” حين نطلب من الله سبحانه أن يجعلنا طائعين غير عاصين فإنّا نطلب منه أن يمهد لنا الأسباب، ويهيىء الجو الصالح للطاعة، وعدم المعصية”.
77 ” إن الذي ينفس عن غضبه بتجريح الأبرياء وايذائهم ليس من الله في شيء، فكيف بمن يلوّن هذا التجريح والايذاء بلون الدين؟..”.
80 ” إن موتة السوء أن يموت المرء، والله عنه غير راض”.
82 “.. اريدك أن تكون محبا للإنسان لاعدوا للإنسانية، لأنك بهذا تعادي نفسك بنفسك، بل أريدك محبا لكل شيء، لأن الانسانية تتسع لكل شيء”.
84 ” من فعل قهرا كمن ترك عجزا”.
84 ” إرجاء العقوبة إنما هو رفق بالعاصي، ولمصلحته بالخصوص، كي يستدرك، ويرجع إلى ربه”.
95 ” ان العجب سيئة تشوه وجه الحسنات، وتذهب بما فيها من جمال وبهاء”.
104 “ليس من الثقة بالله أن نرضى عن أنفسنا، بل من الثقة به والتوكل عليه سبحانه أن نعترف بذنوبنا، ونقر بها، ونتوب منها، ونطلب الغفران لها”.
125 “إني أفضل ألف مرة أن أحسن الظن بمن لايستحق على أن أسيء الظن بمن يستحق”.
129 ” الحسن حسن بذاته، او نتائجه، والقبح كذلك”.
145 ” من استخف بوقته فقد استخف بحياته”.
151 ” كل مايخلق الشعور بالمسؤولية، والخوف من عمل الشر، والاطمئنان لعمل الخير فهو من الدين في الصميم”.
155 ” إنك عظيم إذا تجردت عن أنانيتك، ودنت بدين الحب والانسانية، ورأيت لنفسك عين ماتراه لأضعف مخلوق بدون تفاوت”.
156 ” إن الله سبحانه يمتحن عبده بشتى الوسائل، ليظهر للناس على حقيقته، كي لايتهموا أمينا، ولا يأتمنوا خائنا”.
164 ” أساس العلم أن يتهم الانسان نفسه، ويحتمل الخطأ في أفكاره، كما يحتمل الصواب “.
168 ” الله عادل حكيم، والعادل لايعاقب حتى يحاكم، ولا يحاكم حتى يؤمّن المتهم، ويزيل من نفسه الخوف على حقه في الدفاع”.
173 ” كلا من الايمان وعمل الخير جزء متمم للثاني لايغني أحدهما عن الآخر”.
وقد ذكر روائع في صفحة 150 – 151، لمن أراد أن يعود إليها.
ثالثا: نقد ماجاء في الكتاب.. ذكر الأستاذ محمّد جواد مغنية في صفحة 13 “كان أبي يأمرني إذا شربت الماء أن أقول: الحمد لله، ولعن من ظلمك يا أبا عبد الله، ومنعك شرب الماء”.
أقول.. منع سيّدنا الحسين وأهله وصغاره من الماء جريمة شنعاء لاتغتفر، ويظل التاريخ يذكرها. لكن الماء نعمة من الله تعالى، تستوجب الحمد والشكر، وليس من اللائق أبدا، تلقين الصغار اللعن وهو يصافح نعم الله تعالى، فإن النعمة تتطلب الحمد، واللعن لايليق بالنعمة والثناء.
جاء في صفحة 85، أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال: ليته ضمن لنا الآخرة، وأمرنا بطلب الدنيا. فأجب الحسن البصري، حين نقل له هذا الكلام.. “ضالة مؤمن عند فاسق”..
فعقب الأستاذ مغنية، فقال.. “وإن دل هذا على شيء فانما يدل على غباوة البصري وغفلته”..
أقول: ماكان لمغنية أن يرد على سيّدنا الحسن البصري، رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه، بمثل القبح والغلظة في تعمد إختيار الألفاظ الغليظة، ولو خالفه العقيدة. وكان يكفيه أن يختار أحسن العبارات ليعلن مخالفته له، وهذا من حقه لكن بأدب واحترام، ودون التعدي على سيّد التابعين الحسن البصري.
جاء في صفحة 133.. “من اعتدى على انسان يؤمن بالله، واضمر له السوء فقد اعتدى على الكعبة، بل على الكون كله”..
أقول: أخطأ الأستاذ، وكان عليه أن يقول.. “من اعتدى على انسان، أيّ إنسان ، واضمر له السوء فقد اعتدى على الكعبة، بل على الكون كله”… فحرمة الروح وقداسة النفس، تشمل المؤمن بالله وغيره.
خلاصة.. أختلف مع الكاتب إختلافا جذريا في بعض النقاط التي تتعلق بالعقيدة. لكن الكتاب يضم بين دفتيه..
حكم غالية، وتجارب عالية، ولطائف بادية، ونصائح ذات شأن، إستفاد منها القارئ المتتبع ويوصي بها غيره، قائلا..
إذا لمست حكما في غيرك، فلا تحرم نفسك منها، بحجة أنك تخالفه العقيدة، لذلك يتعمد صاحب الأسطر من عدم الخوض في الخلاف المتعلق بالعقيدة، ويكتفي بنشر الفوائد المنثورة عبر الكتاب.
يندرج الكتاب ضمن الرقائق التي تلين القلوب، وتقرب المسافات، وتزيل الحجب، وتغسل الصدور، وزادها الكاتب محمّد جواد مغنية جمالا ببساطة أسلوبه، وعمق خبرته، وثقافته الواسعة. وعلى القارئ المتتبع أن يأخذ منها ما يعزّز الفضائل ويقويها، ويترك جانبا مع خالف فيه الكاتب.

moiamer_54378909458-horz

اترك تعليقاً