السيمر / الثلاثاء 28 . 06 . 2016
أشرف الصباغ / مصر
قامت السلطات المصرية بترحيل الإعلامية اللبنانية، الأشهر في مصر، ليليان داوود بعد إنهاء تعاقدها مع إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة.
ليليان داوود التي تحمل الجنسية البريطانية، فضَّلت التوجه إلى بيروت وليس إلى لندن. وهي أم لفتاة مصرية (6 سنوات). أما القناة التلفزيونية التي كانت تعمل بها، فقد كانت مملوكة لرجل المال والإعلام نجيب ساويريس الذي باعها مؤخرا لرجل أعمال مصري آخر تدور حوله تساؤلات كثيرة، بداية من زواجه وطلاقه من الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، وما تردد عن تعاونه مع الإخوان المسلمين إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي وتمويله بعض نشاطات الجماعة المحظورة في مصر، وانتهاء بتلك الصفقة التي أثارت العديد من علامات الاستفهام الكبيرة حول توجهات الإعلام في مصر وخضوعه لمعايير محددة، ودخول رجال أعمال لم يعملوا في مجال الإعلام إلى المجال الإعلامي لتنفيذ توجهات معينة.
الإعلامية اللبنانية ليليان داوود تعد أحد أهم مقدمي برامج “توك شو” في مصر، إن لم تكن أهمهم على الإطلاق، نظرا لحالة الإجماع العامة على مهنيتها وحرصخا على دراسة موضوعاتها واختيار ضيوفها، وإعداد أسئلتها التي شكلت على الدوام جسر تواصل بين الناس العاديين في مصر وبين الحالة السياسية والاجتماعية العامة المرتبطة بالسياسة والاقتصاد والإعلام.
وبعيدا عن الموصفات الشخصية التي تتميز بها ليليان داوود من حيث الأداء والالتزام المهني، والأخلاقي بمعناه الواسع، فقد تعرَّضت للكثير من المتاعب والاستهداف، والمماطلة في الكثير من المعاملات الرسمية وإجراءات الإقامة. ولكنها مع ذلك كانت تعمل بشكل مثير لإعجاب ليس فقط جمهورها الواسع، بل وأيضا لإعجاب زملائها في المهنة، سواء كانت في مجال الإعلام المرئي أو الصحافة المكتوبة.
إن وجود ليليان داوود في مصر لا يمثل أي غرابة أو يثير أي دهشة. فليليان حفيدة سليم وبشارة تكلا الللبنانيين اللذين أسسا صحيفة “الأهرام”، وحفيدة اللبناني جورجى زيدان الذي أسس “دار الهلال”، وحفيدة السيدة روزا اليوسف اللبنانية العظيمة التي أسست مجلة “روزا اليوسف”. ولن نتحدث كثيرا عن “الشوام” – واللبنانيون بالذات – الذين جاؤا إلى مصر ليحملوا مسؤولية تأسيس المسرح وتطويره، ويرفعوا إلى جوار أشقائهم المصريين راية الحرية والثقافة والتنوير، وعلى أرض مصر.
أجداد ليليان داوود كانوا وما زالوا، وسيظلوا الجزء الأهم في القوة الناعمة المصرية التي انهارت تقريبا منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين. وبالتالي، فليليان لم تكن استثناء، ولم تكن بعيدة عن قلب معركة المهنية والتنوير، مثل أجدادها أشقاء المصريين، فأصبحت أخت المصريين الشقيقة، وابنتهم، وأم ابنتهم أيضا.
التساؤلات كثيرة والشكوك أكثر: لماذا طردوا، أو بلهجة دبلوماسية، رحَّلوا السيدة ليليان داوود من مصر وأبعدوها عن ابنتها؟ كل الإجابات التي تتردد إلى الآن لا تخلو من مصمصة شفاه، أو نظرة غاضبة وحانقة، بينما السلطات الرسمية تتحدث عن “مخالفة قوانين الإقامة”!
في الحقيقة كان من الصعب أن تعمل ليليان داوود في مجال “البورنو” الإعلامي، أو تمارس “البورنو” السياسي. وبالتالي، كان من الطبيعي أن تنتقي موضوعاتها وتتعامل معها بجدية وحرص والتزام، لأنها ببساطة تدرك جوهر رسالتها، بالضبط مثل أجدادها الذين سبقوها وأرسوا ودشنوا دعائم لا تزال واقفة تشهد على ضمائرهم وعقولهم. لهذا السبب تحديدا، كانت ليليان مثل “الغراب الأبيض” على حد تعبير صاحب نوبل خوسيه ساراماجو.
هناك غضب عارم في الأوساط الإعلامية والصحفية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أوساط الشباب بشكل عام. البعض يرى أن الدولة في مصر لم تعد تحتمل حتى “الكلمة”، بينما أجداد ليليان عندما جاؤا إلى مصر، كانت هناك ملكية واستعمار بريطاني. ومع ذلك رفعوا راية النهضة والتنوير يدا بيد مع أشقائهم في مصر. لم تكن راية العرق أو الدين أو القومية هي التي كانت تملي عليهم أدوارهم، بقدر ما كان التنوير والإنسانية والكينونة البشرية هي التي أملت عليهم أدوارهم، وبالضبط مثل حفيدتهم أخت المصريين الشقيقة وأم ابنتهم.
ترددت أسئلة كثيرة منذ شاع خبر ترحيل ليليان من “بلدها”، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الجادة في مصر بأسئلة محرجة من قبيل: هل تعرفون لماذا أحب جورج ودولت أبيض مصر؟ هل تعرفون لماذا أحب فريد الأطرش ووردة الجزائرية واسمهان وفايزة أحمد مصر؟ هل تعرفون لماذا أحب سليم وبشارة تكلا وبيرم التونسي وسعاد محمد مصر؟ ولماذا ساهموا جميعا في نهضتها في الفنون والثقافة والأدب؟ هل تعرفون لماذا أحبتهم مصر، وأحبهم المصريون؟ لا توجد إجابات واحدة على هذه الأسئلة. ولكن الإجابة التي بدت بعيدة نسبيا عن السؤال كانت: “يبدو أن لا أحد الآن يعرف لا قيمة مصر، ولا قيمة ناسها، ولا حتى قيمة من يحبونها”!
روسيا اليوم