السيمر / الاثنين 04 . 07 . 2016
معمر حبار / الجزائر
كتاب ARNOLD VAN GENEEP, « EN Algérie » Paris, 220 pages، يتطرق لحال الجزائر إبان الاستدمار الفرنسي، أثناء زيارته للجزائر سنة 1911 – 1912، ولمدة خمسة أشهر.
تطرق الكاتب إلى الحياة اليومية للجزائري، من أكل، وشرب، ولباس، وسهر، وزراعة، وسلوك تجاه العمل، ونظرته للإسلام، وجوع، وفقر، وأمية. وأعطى نظرته المبنية على البعد الاستدماري التوسعي، منها..
يتحدث في صفحة 11 بإعجاب شديد عن الطبيعة الخلابة لتلمسان ويسميها بحزام الطبيعة، وعن شلالتها وأوديتها، ثم يقول الطبيعة الخلابة ليست في تلمسان وحدها، بل في الجزائر كلها.
يستهزئ من قتال الجزائريين والعرب، .ويصفه بأنه قتال لا يعرف التراجع أبدا، ويقول في صفحة 26 .. سيطر العرب على إسبانيا وهيمنوا كلية على الأرض. لكن الله منحهم النصر ليختبرهم. وحين رأى أن هذه الهيمنة تبعدهم عن الله، بيّن بعد ذلك للأوربيين الطريق الأفضل للمقاومة. لنحارب نحن بالطريقة التي إرتضتها دولتي.
ويقول في صفحة 20.. ” الأهالي ياسيدي، لا يلتقون إلا من خلال العمل الذي نمنحهم إياه، ومن أجل الأموال التي يجلبونها لك” . أقول:
هكذا نحن بالنسبة لفرنسا منذ 1830 إلى يومنا هذا.. عضلات تخدمهم، وعقول تتودد إليهم، ومشاريع تنقذهم من الإفلاس، وأموال تزيدهم غنى وتحميهم من البطالة. وفوق هذا وذاك، فنحن في نظرهم.. أهالي، لم يرتقوا بعد إلى مصف البشر.
ويتحدث في صفحة 34 عن أبو إسحاق الطائر التلمساني، فيما ينقله يومها عن جزائري ويصفه للفرنسي، قائلا.. ظل 24 سنة دون نوم، يقضي نهاره صائما وليله يقظا، وأحيانا يطير في الهواء كالطير. منذ 1300 سنة من وفاته، أعداد لاتحصى تأتي هنا للحج، يتوسلون إليه ويشربون من العين المقدسة التي يحرسها إلى الأبد، ويضمن القدرة الرائعة الخارقة.
أقول.. هذه عيّنة من القابلية للاستدمار الفرنسي، وهي التي ساهمت وما زالت تساهم في بقاء الاستدمار.
يتحدث في صفحة 45 عن اليهودي الذي تعلم التلمود والطب، وأنه داوى ابنت السلطان فطلب منه أن يسمح له بأن يحضر أصحابه من إسبانيا وأغادير ليقيموا بتلمسان، ويقيموا بها، ثم ينالون الجنسية الفرنسية التي لايملكها الجزائري.
يتحدث بإسهاب شديد وتفصيل ممل عن إعتقاد اليهود في الكاهن، وممارستهم للطقوس المذلة للحصول على الولد الذكر خاصة، وهي تشبه تماما الطقوس التي يمارسها رجال وخاصة النساء الجزائريات، حين يزورون القباب للحصول على مبتغاهم خاصة الولد الذكر. حتى أني تساءلت وأنا أتابع الفصل كله الخاص بسرد المرأة اليهودية للحصول على الولد الذكر. هل اليهود أخذوا عنا هذه العادات، أم نحن الذين أخذنا عنهم هذه العادات؟.
تحدث عن معاناته للحصول على الفخار الجزائري الأصيل من منطقة القبائل، وهو يجوب جبالها وشمسها في وسط الظهيرة، وبردها ليلا، والجري من دار لدار، والمشقة في حمل ما قدر على حمله، والصعوبة الشديدة في تمييز الأصيل منها طيلة أيام طوال دون أكل ولا شرب، سوى بعض ما يسد به رمقه ويطفىء به عطشه. وفي الأخير تحصل على 7 قلل أصيلة، ذات رسم أبيض وخيوط حمراء وسوداء من توجة.
يتحدث في صفحة 101، عن إحدى الجلسات الجزائرية، فيقول.. جلست فوق مقعد من حجر قرب العرب، وجودي لم يثر إنتباههم ولا فضولهم، ثم واصلوا حسابهم .. زوج دورو، 3 فرنكات. أقول..
الفرنسي يومها لم يكن يثير إهتمام الجزائري، رغم فقره، وأميته، وجوعه، وعريه، وبأسه.
يتساءل في صفحة 110. هل المكان الوحيد ، حيث الانسان المجهول هو العدو المطلق، الذي يجب قتله قبل أن يقتلك؟.
يتحدث عن قساوة الصحراء وكيف قضى 18 يوما، عبر رمالها، ويقول إن الرجل الصحراوي لا يشتري ولا يبيع الغزال، ولا يصطاد الغزال لأجل الربح، إنما يتعب لأجلها ثم يهديها من يحب ومن يريد. و اندهش الكاتب كثيرا من هذا السلوك الحضاري الراقي من جزائري بسيط إتخذ من رمال الصحراء، الصدق ، والوفاء، والعطاء.
والصحراوي يوصي الفرنسي في صفحة 111، بأن لا يترك أبدا بندقيته، فإن ذلك غير مرغوب فيه.
ويعترف الفرنسي في صفحة 115-116، أن أهل الصحراء يعيشون بمحصول قليل، لكن دون نقص ولا عوز.
ويصف الفرنسي في صفحة 117-120، إسباني زار الجزائر في تلك الفترة، رفقة زوجه وأبنائه، قائلا.. ” عاد يجر من ورائه زوجة هزيلة وأطفالا أكثر وحشية من أطفال العرب والبربر “. ثم إستمر في الوصف..
جاء الإسباني إلى الجزائر وهو في حالة يرثى لها من الفقر والعوز والحاجة. بالتدريج إستولى على أراضي الجزائريين ومياههم بالقوة واستصلحها لنفسه، ثم استولى عليها بشهود زور أمام القضاء الفرنسي، مدعيا زورا أنها له منذ سنوات طوال، وأن الأرض لم تكن لأحد من الجزائريين، ولم يقم أحد باستصلاحها إلا أنا، بدليل حالتها الزاهرة حاليا.
وفي الأخير سجلت الأرض والهكتارات العديدة باسم الإسباني، وباسم القانون الفرنسي .ثم إستولى على قطع الأراضي للجزائريين المجاورين “لقطعته !”. ما أدى إلى هجرة الجزائريين أرضهم، والباقي رضي مجبرا أن يكون تحت سطوة هذا الإسباني. وفي عشرين سنة أصبح الإسباني هو المالك الوحيد لهذه الأراضي. ثم تبعته في ذلك أجناس أخرى إستولت على الأراضي الجزائرية، بدعم من الجيش الفرنسي و ( شهود الزور).
يتحدث الفرنسي عبر صفحات 121-137،عن الصناعات التقليدية بإعجاب شديد جدا، إلى درجة أنه يتبرأ من العودة لفرنسا ، وذكر أن..
هذه الصناعات تحمل لونا محليا تميّز كل منطقة عن الأخرى، مستشهدا بالصناعات التقليدية في وهران، والقصبة، ومنطقة القبائل، وقسنطينة، ومركزا على الأنامل الجزائرية المبدعة، ذات الجمال الخلاّب والخيال الواسع. وبيّن أن هذه الصناعات التي لا تدر إلا بعض الفرنكات القليلة جدا، لكن تعيش من وراءها عائلات جزائرية ذات 12 فرد. ويتأسف لكون هذه الصناعات التقليدية غير موجودة في فرنسا، ويوصي بالاهتمام بها، لجلب السواح الأجانب، وتدر بالتالي أموالا على فرنسا الاستدمارية في الجزائر يومها.
سؤال يطرحه القارىء المتتبع.. لماذا إندثرت كل هذه الصناعات التقليدية بعد إسترجاع السيادة الوطنية؟. ولماذا لم يعد لها أثرا؟. ولماذا لم تعد عاملا من عوامل جلب المال والسياح؟. ولماذا أصبح الجزائري حين يزور دولا عربية، ينبهر بصناعات تقليدية عربية هي في الأصل جزائرية، كانت في عهد الاستدمار الفرنسي رائجة نشطة ، وذات جمال خارق، وإبداع يجلب الأنظار.
يتطرق في صفحات 139 – 156 ، لأمر غريب جدا يتمثل في حشرة البرغوث وأثرها على الجزائري العربي، من خلال نظرته العنصرية الاستدمارية، فيقول..
وما يجعل الأهالي أكثر عنفا ليس الإسلام، إنما البرغوث المعروف. وهذ ليست مزحة، إنما حقيقة. منذ 3 سنوات وفي أحد أحياء فرنسا، شهدنا غزوا للقمل، وكل منه يتهم الكلب، أو القط، أو أدواتي، أو الطابق الأرضي. والفرنسيون الذين كانوا يعانون ممن كانوا يتظاهرون كانوا يتظاهرون بأنهم ليسوا مصابين بالقمل. ولا يتحدثون عنها للأصدقاء والأحباب. ثم تبيّن أن كل الحي مصاب بالقمل، وعمت الفرحة حين علمنا أن الجرائد ذكرت، أن أحياء أخرى أصيبت بعدوى القمل.
سرير أبنائي الصغار كان يوميا مملوء بالقمل، وأبنائي الكبار لايعرفون النوم بسبب. وكنا لانعرف اليوم، حتى بعد أن رحلنا إلى منطقة أخرى لاتعرف البراغيث، تضررنا منها بسبب بعض البراغيث التي لصقت وتم نقلها عبر الملابس والأثاث. بينما في الجزائر بمجرد ما تدخل الخيمة أو البيت البربري يغزوك البرغوث، ولا ينكر أحد من الجزائريين، هذه الأولى. أما الثانية فإن إنتشار وتواجد البرغوث حسب المناطق. المهم حيث يوجد الأهالي يوجد البراغيث، ليست البراغيث الموجودة في الكلاب، إنما تلك الموجودة في القطط، وتطير.
الجزائري أشد مقاومة للبرغوث من الأوربي، لذلك لاتراه يقوم بحركات حك، ويكفي ضربة من برنوسه. القوم الذين لاينامون إلا قليلا بسبب البرغوث، سيبقون طيلة حياتهم في حالة غضب، ناهيك عن آثار ذلك على سلوكاتهم اليومية. كأن يقتل الجزائري زميله من أجل بعض الفرنكات. وقد إشتكى الأوربيون في المدن الأوربية من سرعة رد فعل الجزائري، ثم قال..
علينا أن نعترف أن في الجزائر يوجد البشرة البيضاء، مثلها مثل تلك الموجودة في أوربا، بل أحيانا تضاهي تلك الموجودة في إسكندنافيا، ويوجد أيضا البشرة السمراء، وأقل من تلك الموجودة في البرتغال. إذن كل شعوب البحر الأبيض المتوسط، يتشابهون في اللون. ضف لها تأثير الطقس المتقلب جدا على الغضب الذي يتميز به الجزائري. وأطالب الأطباء بدراسة تأثير الطقس على الإفرازات التي يفرزها الجزائري، والمتعلقة خاصة بظاهرة الغضب الشديدة. والقدرة الجنسية المفرطة هي نتاج الغضب الشديد الذي يمتاز به الجزائر، ثم يوصي الفرنسيين المستدمرين من أمثاله..
إجعلوا الأهالي من الجزائريين يهدِؤون، حتى يتقبلوا بسهولة حضارتنا. وما يجعل الأهالي يرفضون حضارتنا ليس الإسلام، إنما البرغوث. البرغوث الذي لايتركهم ينامون جيدا، ولا يفكرون غير في الحك. مايجعل الأهالي ( الجزائريين ) يرفضون حضارتنا ليس الإسلام، إنما البرغوث.
ويعترف بأنه حيث يوجد الأهالي ( الجزائريين ) يوجد البراغيث، وليست البراغيث الموجودة في الكلاب، إنما تلك الموجودة في القطط وتطير إلى مسافات. وقد إشتكى الأوربيون من سرعة الغضب الجزائري، التي تؤدي إلى القتل أحيانا، ويرى أن القدرة الجنسية التي تميّز الجزائري مردها لهذا الغضب المفرط.
هذه خلاصة ما توصل إليه الكاتب في مقدمة الفصل وخاتمته. فالبرغوث في نظر الفرنسي، هو الذي يسكن الجزائري يحرمه من النوم، ومن التفكير في فضائل الحضارة الغربية، ويجعله في حالة غضب شديد تحرمه من التمتع بفضائل فرنسا. ويوصي الأساتذة المختصين بجعل الجزائري أكثر هدوء ليقبل الحضارة الغربية.
طبعا، الكاتب يتعمد عدم ذكر مساوىء الاستدمار الفرنسي على السلوك الجزائري، وكيف أنه كان عاملا من عوامل الغضب الجزائري ضد أوضاعه المزرية، فيحصرها ببساطة وحقد وكره شديد في البرغوث. هذه هي حضارة الغرب واستدمار فرنسا، تريد أن تعالج غضب الجزائري، ليس بالحد من البرغوث، بل ليقبل بالاستدمار الفرنسي، والقابلية للاستدمار.
ويرى في صفحة 157، أن الإسلام قوة موت وليس قوة حياة. أعترف أن الإسلام عائق بالنسبة لنا. وأعترف أن حماقتنا هي السبب في هذا العائق. وتتمثل هذه الحماقة في أننا لانعرف الظروف الداخلية. لقد أسلمنا شمالنا الإفريقي، ونحن الآن بصدد إسلام إفريقيتنا الغربية. لم نكون قوة سياسية، إنما كونا حالة فكر معارضة تماما لمصالحنا.