الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / قيادي سابق في “البعث” العراقي يكشف لـRT أسرار انقلاب صدام على البكر وتخريب الوحدة مع سوريا! (1)

قيادي سابق في “البعث” العراقي يكشف لـRT أسرار انقلاب صدام على البكر وتخريب الوحدة مع سوريا! (1)

متابعة السيمر / الاحد 24 . 07 . 2016 — في 22 تموز/يوليو تمر الذكرى السنوية لما يعرف بـ”مؤامرة القيادة” أو “مجزرة قاعة الخلد”، التي دشنت حقبة انفراد صدام حسين بقيادة العراق بعد انقلابه على أحمد حسن البكر عام 1979.
بهذه المناسبة كشف طاهر توفيق العاني، عضو القيادة القطرية لحزب البعث وعضو مجلس قيادة الثورة في العراق سابقا لـ RT الأجواء التي مهدت ورافقت لهذا الحدث المفصلي في حياة العراق.

وسنقدم لقرائنا هذه المادة على حلقتين:

(الحلقة الأولى)
كثيرا ما نردد أنه، وبالرغم من صدور قرار مجلس قيادة الثورة أحكاما بالإعدام على كل من كان ينتمي إلى “حزب الدعوة” خلال الحرب مع إيران، لأنهم كانوا يعتمدون على الأجهزة الإيرانية عندما كانوا يقومون بعمليات ضد أجهزة ومؤسسات الدولة، فإن الإحصاءات تُظهر أن من أُعدم أو قُتل من قادة وكوادر “حزب البعث” على يد نظام البعث نفسه يفوق ما قُتل أو أُعدم من قياديي “حزب الدعوة”.
ولدى الحديث عن هذا الموضوع، تمر على الخاطر إعدامات واغتيالات فردية كثيرة طالت قيادات الحزب وكبار ضباط الجيش العراقي خلال الحرب مع إيران، والذين كان يظهر بعد إعدامهم عدم تقصيرهم فيكرَّمون ويُحسبون من الشهداء!
بيد أن ما بات يعرف بـ “مجزرة قاعة الخلد”، التي وقعت في تموز/ يوليو من عام 1979، كانت أكبر عملية قتل وإعدام لقيادات الحزب. وقد قيل الكثير عن مؤامرة حاكها عدد من أعضاء القيادة القطرية في العراق مع القيادة السورية للاستيلاء على السلطة في بغداد وإعلان الوحدة مع سوريا. ولكن ذلك لم يثبت سواء في حينه أو بعد ذلك؛ حتى لقد تولدت قناعة لدى أكثر الحزبيين بأن الموضوع مفبرك للتخلص من بعض البعثيين القياديين البارزين، ولإتاحة الفرصة للانفراد بالسلطة، وهذا ما تحقق لاحقا.
فقد كان معظم البعثيين يتطلعون إلى الوحدة مع سوريا باعتبارها تطبيقا عمليا لأهداف وشعارات الحزب، ولأنها تمحو الآثار السلبية لوحدة مصر وسوريا، نظرا لأن البعث يقود القطرين الشقيقين. وقد يكون بعض الذين اتُهموا بالتآمر وأُعدموا قد تحدثوا في مجالسهم الخاصة عن حماسهم للوحدة، أو عدم ارتياحهم لاستقالة الرئيس أحمد حسن البكر، التي أعلنها في السابع عشر من تموز/ يوليو من نفس العام.
ولكن، لا شيء كان يشير إلى وجود مؤامرة كما أُعلن. وقد رافقت عمليات الاعتقال وتنفيذ أحكام الإعدام قساوة بالغة. فقد نفذها كوادر الحزب وأعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، والذين كانوا أعضاء في لجنة التحقيق والمحكمة (أنا لم أحضر التنفيذ لأنني لم أكن عضوا في لجنة التحقيق أو في المحكمة.. والحمد لله وهذه رحمة من الله).
كما أشيع الكثير عن تعذيب بعض المعتقلين حتى الموت، إضافة إلى حشر اسم عبد الخالق السامرائي، أحد أبرز القيادات التاريخية البعثية في العراق، وإعدامه. هذا، على الرغم من أنه كان معتقلا، ومحكوما بالإعدام قبل عام 1979 بسبع سنوات مع منع المواجهة عنه حتى لعائلته باستثناء والديه كل ستة أشهر مرة واحدة بحضور أحد منتسبي الاستخبارات.

البداية
في شهر مايو/أيار 1979، استدعاني الرئيس البكر إلى مكتبه في القصر الجمهوري وأسرَّ إلي بنيته الاستقالة، “لأنه لم يعد يتحمل الوضع”!
وقال إن “هذا الجدار أيضا يضعف بمرور الزمن”، وأشار بيده إلى جدار مكتبه. فقلت له: “إنك أنت الذي جئت بالآخرين، وإن الآخرين لم يأتوا بك؛ وأنت كبير الجميع، ومن لا يقر بذلك فهو خاطئ وجاحد”. فقال لي: “أنت تقول هذا لأنك ابن أوادم”.
وذهبت من فوري إلى دار عزة إبراهيم الدوري عند بوابة القصر الجمهوري، فوجدته يتناول الغداء، وكنت وقتها جائعا فشاركته الطعام، وخاصة أنني قابلت البكر في نهاية الدوام الرسمي. وكان عزة أقرب البعثيين إلي، كما أنني أقربهم إليه. وأعلمته بنية البكر الاستقالة. فقال: سنعمل أنا وأنت وعدنان خير الله على ثنيه عن الاستقالة. وقال لي: اِعلم أن البكر يقول ذلك كلما غضب. لكنني قلت له إنك لا تتصور الحالة التي هو عليها؛ و”أعتقد أنه جاد تماما هذه المرة”.
لقد كان واضحا مذ أن بدأت خطوات الوحدة بين العراق وسوريا أن صدام لا يحبذها؛ في حين أن موقف البكر والأسد كان معاكسا. فهما كانا متحمسين لها، وكان البكر مستعدا للتنازل عن كل مواقعه لإقامة الوحدة. وفي عام 1978 ترأست وفدا حزبيا شكلته القيادة (من كوادر الحزب المتقدمة وعضو القيادة القطرية حكمت العزاوي)، ومكث الوفد في سوريا مدة تزيد عن الشهر، واطَّلعنا على واقع التنظيم الحزبي والمهني في جميع المحافظات السورية.
والتقينا الرئيس حافظ الأسد، الذي كان واضح الحماس للوحدة. وفي ذلك اللقاء، تحدثت بحماس عن أهمية تحقيق الخطوات الوحدوية، وقلت: قبل أن ينجز العرب الوحدة عليهم ألا يحاولوا استرداد حق أو كرامة أو أرض سليبة، لأنهم سيفشلون حتما.
فعلق الرئيس الأسد قائلا: “يجب أن نسلمكم إياها أنتم الشباب”.
وفي اجتماع مشترك للقيادتين القطرية والقومية، كانت المسألة المطروحة للمناقشة تتعلق بالوحدة بين العراق وسوريا؛ حيث قال الرئيس البكر: “لا تحسبوا حسابي” كناية عن أنه لا يريد أيا من المنصبين: رئاسة دولة الوحدة أو الأمانة العامة للقيادة القومية للحزب الموحد. فقال صدام: أبو هيثم (الرئيس احمد حسن البكر) يريد أن يبيعنا إلى حافظ الأسد. فقال البكر: “أنا ما بعتكم ولن أبيعكم”.
وعلى الرغم من أن المجتمعين استهجنوا كلام صدام، فإن أيا منهم لم يعلق عليه حتى ميشيل عفلق، الذي لم تتلاءم مواقفه في سنواته الأخيرة مع تاريخه العتيد بالتقشف والزهد والمبدئية. فقد باع نفسه للامتيازات، التي مُنحت له ولعائلته. حتى أنه تخلى عن حلمه بالوحدة التي كرس لها حياته. فتحول إلى مداح وشاعل بخور، وخضع لإملاءات الدولة التي حُسبت على حزب البعث ظلما وجورا.

صفحات عفلق
في أوائل السبعينيات من القرن الماضي كانت العلاقة بين ميشيل عفلق الأمين العام لحزب البعث، والذي كان يقيم في بيروت، والقادة في العراق يشوبها التوتر. وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، كتب ميشيل عفلق مقالا بعنوان “الفراغ الكبير”، أشاد فيه بقيادة عبد الناصر، وساوى بين النظامين في العراق وسوريا، وانتقد مواقف وسياسة السلطة في القطرين وبالأخص في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ ما أغضب البكر وصدام والقيادة العراقية، وجعلهم يتهجمون عليه في اجتماعاتهم المغلقة.
وفي عام 1975، كلفت برئاسة لجنة شكلتها القيادة القومية للإشراف على الانتخابات القطرية في لبنان؛ وكان الخلاف محتدما بين أعضاء القيادة السابقة بعد حجب مسؤولية قطر لبنان عن بشارة مرهج الفائز بالانتخابات (وزير داخلية لبنان بعد انفصاله عن الحزب)، ومعاقبه نائبه معن بشور بتخفيض مستواه الحزبي.
وكان ميشيل عفلق يقف مع بشارة ومعن، اللذين استطاعا كسب الجهاز الحزبي وكانا الأنشط والأقوى على الساحة الحزبية. وفي الجانب الآخر، كان الدكتور عبد المجيد الرافعي ونقولا الفرزلي، الذي كان أمين سر قطر لبنان لفترة سابقة. وفي لقائي الأول مع ميشيل عفلق، كان غير راض وغاضبا لتوقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، ورأى فيها تنازلا عن نصف شط العرب، وسأل لِـمَ هذه الاتفاقية؟؟!!
فقلت له إن الرفيق صدام فور عودته من الجزائر، عقد اجتماعا مشتركا للقيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، وتحدث فيه صدام قائلا: إنه ذهب إلى لقاء شاه إيران بتفويض من القيادة. وإنه إذا كانت إيران قد حصلت على خط التالوك في شط العرب، فإن العراق قد حصل على أراض حدودية واسعة ومهمة، وإن إيران ستتوقف عن إرسال السلاح إلى المتمردين الأكراد ودعمهم. وبذلك، ينتهي التمرد في الشمال الذي شكل نزيفا لاقتصاد العراق. كما ستوقف إيران تدخلها في الشؤون الداخلية للعراق ودول الخليج العربي، وستعتمد سياسة حسن الجوار، وحل المشكلات كافة بالمفاوضات.
وذكر صدام أنه قال للشاه إن العراق لا يمكنه السكوت إذا ما حصلت مشكلة بين إيران ودول الخليج العربية، وأنه تحدث مع الشاه لكي تقبل إيران بالتحكيم بشأن الجزر العربية (طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى)، وأن الشاه لم يرفض ذلك.
وأضاف صدام أن العراق بهذه الاتفاقية سيتفرغ للتنمية الاقتصادية وقضية فلسطين، وقال: “كلما توجهنا نحو فلسطين نظل نلتفت خلفنا صوب الحدود مع إيران”. وذكر أن العراق ضمَّن المعاهدة فقرةً مهمة جدا تنص على أن اتفاقية الجزائر كل لا يتجزأ، وأن الإخلال بأي فقرة منها تجعل الاتفاقية برمتها لاغية. وقال: “عندما نجد أن الاتفاقية لا تحقق مصلحة العراق فسنلغيها”.
وقد أبلغت أنا عفلق بكل هذه التفاصيل.

زيارة لم تتحقق
وقام صدام بزيارة إلى طهران على إن يقوم الشاه بعدها بزيارة إلى بغداد. وعند بحث ترتيبات زيارة الشاه، طلب الإيرانيون ألاَّ يكون الخميني في مدينة النجف عندما يزورها الشاه (الخميني كان لاجئا في العراق ويقيم في مدينة النجف منذ عام 1963)، فكان الرد عليهم أن الخميني ضيف على العراق ورجل دين كبير السن وتقاليدنا العربية لا تسمح بذلك. والمهم ترتيب الإجراءات الأمنية الصارمة، وهذه مسألة قادرون عليها بكل تأكيد.
وعندما تأخرت الزيارة، قابل سفير العراق في طهران الشاه، وطلب تحديد موعد للزيارة، ففاجأه الشاه، قائلا: إن الوضع الداخلي في إيران سيئ جدا، وهو يلتمس تأجيل الزيارة إلى وقت مناسب. وعندما اندلعت الثورة في إيران وتصاعدت التظاهرات والاحتجاجات، قامت زوجة الشاه فرح ديبه بزيارة مدينة النجف والتبرك بالأضرحة، وكانت في وضع مُزرٍ ومنهارة، كما ذكر لنا محافظ النجف آنذاك المرحوم جاسم الركابي.
وفي لقائي الثاني بميشيل عفلق، كان هادئا وقال لي إن الدكتور عبد المجيد الرافعي ونقولا الفرزلي يترددان على بغداد لنقل صورة غير صحيحة عن الآخرين، فقلت له إن القيادة في العراق يكنون لكم الاحترام وخصوصا البكر وصدام، لذلك فإنهما لن يستطيعا فعل أي شيء لتغيير القناعات، وإن البكر وصدام على قناعة تامة بأن الحزب سيكون في نهاية المطاف مع الطرف الذي يؤيده الأستاذ ميشيل عفلق، وذلك مترسخ منذ عام 1963، حين حاولت لجنة تنظيم القطر السيطرة على تنظيمات الحزب في العراق. لذلك أرى أن تذهب أنت أيضا إلى بغداد لقطع الطريق على الرافعي والفرزلي، فقال سأفعل وأسافر إلى بغداد، لذلك قلت له لن أعود إلى بغداد إلا معك.
غير أنه اعتذر بأنه ينتظر أن ينهي أولاده امتحاناتهم السنوية، وامتدحني قائلا أنت رفيق أصيل وصادق ونقي. وفعلا، جاء إلى بغداد عام 1975، وأعلن إسلامه، وكان يريد إشهار إسلامه، لكن البكر أخبرني بأنهم طلبوا منه تأجيل الإشهار بسبب ظروف لبنان والحرب الطائفية فيه؛ ما قد يولد انعكاسا سلبيا على موقف قواعد الحزب.

استقالة البكر
في اجتماع القيادة القطرية الذي قدم فيه البكر استقالته، لم يعترض أحد على تنحي البكر غيري. إذ طلبت منه بإلحاح العدول عنها وبقاءه قائدا للمسيرة. وعندما رفض، قلت له: أتوسل إليك أن تبقى أبًا وخيمة للجميع.. شكرني، لكنه أصر على الاستقالة. وقال عدنان الحمداني في ذلك الاجتماع: أنتم عودتمونا (يقصد البكر وصدام) أن لا نعارض ما تتفقون عليه. كما أن محيي الشمري قال مرات عدة بصوت منخفض جدا وكأنه يحدث نفسه: لا- السيد الرئيس لا يستقيل. فغضب البكر، وقال له: هل أنت تتحدث بالنيابة عني؟
وعندما تحدثت مع عزة الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عن موقفي وحديثي في القيادة، اقترح علي أن أذهب إلى الرئيس صدام وأتحدث معه بشأن الموضوع لأنه غضب لموقفي، فكان أن ذهبت إليه في مكتبه ببناية ندعوها بناية المجلس الوطني، لأنها بنيت لتكون مقرا للبرلمان لكنها لم تستخدم لهذا الغرض، فوجدته يهم بالمغادرة وقد رد على تحيتي بتثاقل وبرود، ليقول لي إنك خرجت في كلامك أمس على إجماع القيادة، والمفروض أن لا تكون عضوا في القيادة في المؤتمر المقبل. فرددت قائلا: إذا شئتَ، فإنني أستقيل من الآن؛ وكان الحديث وهو في طريقة إلى الباب الخارجي للبناية، فغادر المكان وافترقنا.
فعدت إلى عزت الدوري، وأخبرته بما جرى وأضفت أنني لن أحضر اجتماعات القيادة بعد الآن. بيد أنه لامني على ذلك، وعندما أجبته: ألم نتفق على أن نتصدى للاستقالة، قال بلهجته الشعبية المعروفة (“ماتوا أهلك لقد تغيرت الأمور”)، وكان قلقا ويخشى علي من عاقبة موقفي هذا. لذلك طلب مني أن أحضر الاجتماعات، وأحاول إصلاح الأمور وعدم ذكر ما حصل لأحد وكأن شيئا لم يكن؛ مشددا على ضرورة حضوري اجتماعات القيادة. وقد كتبت إلى الرئيس صدام رسالة أوضحت فيها الأمور، وذكر لي عبد حميد سكرتير الرئيس صدام أن عضوين في القيادة حرضا صدام ضدي، وقالا له في لقاء مغلق إنني اعترضت على استقالة البكر، فرد عليهما قائلا إن اعتراضه كان بحسن نية.

leteer_taher_3434562567

وفي يوم (19/07/1979)، قال محيي الشمري في اجتماع القيادة القطرية إنه قابل البكر، وهو لا يرغب بالاستقالة، وإن بإمكان القيادة التأكد من البكر نفسه، وكان يضحك مستهزئا.
فقال له صدام غاضبا: “حتى هذا تستكثره على أبو هيثم والله لأطلع خيوطك أين ترتبط”، وطرده من الاجتماع إلى قاعة جانبية صغيرة؛ موجها كلامه إلى فرَّاشه الخاص كامل حنا لاعتقاله. وبعد اعتقال محيي، توالت الاعتقالات. فاعتُقل أعضاء القيادة القطرية عدنان الحمداني وغانم عبد الجليل ومحمد عايش، ثم محمد محجوب (بعد عودته من خارج العراق، التقى عزت الدوري، الذي نقل إلى صدام أن محمد محجوب قد اعترف له بمشاركته في المؤامرة).

كما اعتقُل العديد من كوادر الحزب المتقدمة العسكريون والمدنيون، منهم: مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي وشقيقه كردي وشكري صبري الحديثي وشقيقه محمد وبدن فاضل وخالد عبد عثمان الكبيسي وماجد السامرائي ووفيق السامرائي ومحمد مناف ووليد الأعظمي وإسماعيل النجار ومعز الخطيب وطالب صويلح (فلسطيني) وحسن محمود طه (فلسطيني) وخليل القصاب وعلي جعفر..
أما العسكريون فقد اعتقل منهم سليم شاكر الإمام وحامد الدليمي ورياض قدو ومحمد عبد اللطيف ونافع الكبيسي ووليد سيرت وفارس حسين وصالح الساعدي وغيرهم. ومعظمهم إما أُعدم وإما دُبر موضوع وفاتهم في السجن، ولم ينج منهم إلا القليل. حتى أن صدام قال في اجتماع للقيادة القطرية، محاولا تبرير هذا العدد الكبير من المعتقلين، إن المتآمرين يذكرون أسماء كثيرة وهو يخشى أنهم يريدون من ذلك توريط الآخرين معهم. وطلب من أعضاء القيادة كتابة تقارير يذكرون فيها العلاقات التي كانت تربطهم بالمتآمرين والأحاديث التي كانت تدور بينهم. وأعتقد أن غرضه من ذلك لم يكن الخشية التي تحدث عنها، بل تخويف الآخرين لكي يظن كل واحد من أعضاء القيادة أنه قد يُتهم ويُعدم، فكانت أيام وساعات رعب. حتى أن عبد الله فاضل بكى ونفى علاقته بهم واستشهد بي بأن له رأيا سلبيا فيهم فأيدت صحة أقواله (فقد سبق أن نصحته بالابتعاد عن جلسات الشراب الليلية فانتقد تلك اللقاءات)، وكانت تلك إجابته على قول صدام “بس لا عبد الله متورط وياهم؟”. وقال طارق عزيز بصوت منخفض جدا: والله ما ندري فقد كنا نجلس معهم ونتحدث ولا ندري ماذا قالوا عنا وماذا يخبئون. وكان قلقا جدا ومرتبكا، فقد كان يحضر معهم أحيانا جلسات الشراب وتربطه علاقة متينة بالقيادة السورية منذ أن كان لاجئا في دمشق خلال الفترة (1963 الى 1967). ثم أحضر محمد محجوب وعدنان الحمداني وغانم عبد الجليل ومحيي الشمري إلى اجتماع القيادة القطرية في المجلس الوطني، وطلب منهم صدام أن يعترفوا وأن يبينوا الأسباب التي دعتهم إلى التآمر، قائلا: “إذا أقنعتمونا، نترك المسؤولية ونسلمها لكم ونحن ذاهبون إلى المؤتمر، فقال محمد محجوب مخاطبا صدام: إنك تعلم أنني أكثر من يكره حافظ الأسد، وكانت تخنقه العبرات، فأجابه صدام هذا ما نقوله لرشيد محسن (مدير الأمن العام قبل 17/تموز/1968) وليس بيننا، أما عدنان الحمداني، فأقسم ألاَّ علاقة له ولا علم بأي مؤامرة، وأصروا على مواقفهم فأمر صدام فرَّاشه الخاص كامل حنا بإخراجهم من قاعة الاجتماع، قائلا لعدنان الحمداني: أنت مدلل حتى في تآمرك “والله لأسوي روسكم طوس”، وهذا تعبير ريفي يعني: “لأجعلن رؤوسكم جماجم”.

تابعوا غدا الحلقة الثانية

روسيا اليوم

اترك تعليقاً