السيمر / الاثنين 01 . 08 . 2016
نـــــــــــــزار حيدر
انّ تشريع التّجريم بمثابة التّحذير المستمرّ للعراقييّن الذين ابتلوا بآفةِ النّسيان رُبما لطيب قلوبهِم ولذلك يتكرّر عندهُم التاريخ حتى القريب مِنْهُ بكلِّ تفاصيلهِ البشِعة المؤلمة والمُملّة للأَسف الشّديد.
ولذلك يسهُل عندهم صناعة المستبدّ، وتسهُل عندهم عمليّات الاستنساخ للمعاناة والآلام!.
سيُحقّق التّشريع بنفسهِ توارُثاً مطلوباً للتّجربة بكلّ آلامها جيلاً بعد جيلٍ! وسيحقّق تنشيطاً ذاتيّاً للذّاكرة!.
كما انّ التّشريع، من جانبٍ آخر، تحذيرٌ للسّاسة والزّعماء الذين يتناوبون على السّلطة وبكلِّ مستوياتها، فعلى اعتبارهِم جزءٌ لا يتجزّء من هذا الشّعب فانّهم كذلك ينسون بسُرعةٍ ولذلك تراهم يتقمّصون شخصيّة الجلّاد بسُرعةٍ فائقةٍ، والا بالله عليكم مَن كان يتصوّر انّ ضحايا صدّام يتقمّصون شخصيّتهُ عندما يصِلون الى الحكْمِ؟ لدرجةٍ انّ بعضهُم استعارَ مِنْهُ حتّى الكثير من العبارات والمصطلحات والحركات والسّكنات التي كان يكرّرها الطّاغية الذّليل مثل عبارة [بعد ما ننطيها].
لقد اقترحتُ يوم أَن أَخرجوا الطّاغية الذّليل من البالوعة التي كان يختبئ بها كالجُرذِ المرعوب، ان توضعَ صورتهُ القبيحة التي انتشرت وقتها في العالم في مكاتبِ المسؤولين وخلف طاولات السياسيّين ليكونَ مصير مَن يطغى ويتجبّر ويقول {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} شاخصاً وحاضراً أمامَ أَعينهِم دائماً، فلربما يتعلّمُ الانسانُ فيستقيمَ سلوكهُ كلّما وقعت عيناهُ على مصير الطّاغوت.
ولذلك نُلاحظ انّ كلّ شعوب العالم قديمها وحديثها تسعى في مناهجِها التعليميّة والتربويّة تكرار المقارنة بين عهدَين، عهدٌ قديمٌ وآخرَ جديدٌ، الاوّل سيّء والثّاني أفضلَ مِنْهُ، كما ورد ذلك في كلّ قصص القرآن الكريم التي تتحدّث عن تجارب الأُمم والشّعوب والأقوام، اذ نُلاحظ انّها تذكر ما قبلَ وما بعدَ المراحل المفصليّة التي تنتقل بها الأُمم من مرحلةٍ لأُخرى، فالمقارنة مُهِمَّةٌ جداً في خلق الوعي، فنقرأ مثلاً في قصّة نبيّ الله موسى عليهِ السّلام {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} وكذلك في قصّة الاسلام والبعثة النبويّة الشّريفة قولهُ تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وقولهُ تعالى {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وهكذا.
ولقد حرصت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزّهراء (ع) إِجراء المقارنة بين ما قبلَ وما بعدَ البعثة النبويّة الشَّريفة في خطبتِها المشهورة لذاتِ الغرضِ، فقالت (ع) {وكُنتُم على شَفا حُفْرَةٍ من النّار، مُذقةَ الشّاربِ ونهزةَ الطّامعِ وقبسةَ العجلانِ وموطئَ الأقدامِ، تشربونَ الطّرق وتقتاتونَ الورَق، أَذِلَّةً خاسئينَ {تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ} فأنقذكُمُ الله تباركَ وتعالى بمحمدٍ (ص) بعدَ الُّلتيّا والّتي، وبعد أن مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وذُؤبانِ العَربِ ومرَدةِ أَهْلِ الْكِتَابِ}.
كما توظّف شعوب الارض الفنّ بأرقى اشكالهِ وألوانهِ في الشّوارع والأماكن العامّة والمباني الاساسيّة للتّذكير بعهدَين.
وكلّ ذلك لتنشيط ذاكرة النّاس.
واذا صادفَ ان أَصبح الحاضرُ أَسوء من الماضي، فهذا لا يبرِّر لنا تمجيدَنا بالماضي او الحنين اليهِ اذا كان أَسوداً بكلّ المقاييس، فليس الخطأ في التغيير وانّما الخطأ كلّ الخطأ في طريقة تعامل الخلَف مع عمليّة التغيير والانقلاب التي تشهدها البلاد!.
في هذه الحالة، فبدلاً من الحنينِ الى الماضي الذي لن يعود، ينبغي المثابرة لاصلاحِ الحاضر من أجلِ مستقبلٍ أفضل!.
السّؤال هنا هو؛
هل يكفي التجريم للقضاءِ على الجريمةِ؟ وهل يكفي التّشريع للقضاءِ على هذا النّوع من التّنظيمات والعقائدِ الفاسدة؟!.
*يتبع