السيمر / الثلاثاء 02 . 08 . 2016 — يؤكد محللون أن حادثة إسقاط المروحية الروسية فوق ريف إدلب لن تكون الفصل الأخير في المعركة الدائرة اليوم في ريف حلب الجنوبي.
المروحية المنكوبة كانت في مهمة لنقل المساعدات في إطار العملية الإنسانية، التي أعلنت عنها موسكو ودمشق عقب اكتمال الطوق، الذي أحكمه الجيش السوري على أحياء حلب الشرقية، والذي تكلل بتحرير حي بني زيد ومعامل الليرمون.
ورغم عدم تبني أي فصيل حتى لحظة كتابة هذه السطور عملية إسقاط المروحية والتنكيل الهمجي بطاقمها، فإن هذا التصرف الوحشي لا يبدو بعيداً عن سلوك “النصرة” الطامحة –للمفارقة – إلى الانضمام إلى صفوف المعتدلين على الطريقة الأمريكية في تصنيف الأخيار والأشرار.
فالتنظيم المصنف إرهابياً في لوائح مجلس الأمن يسيطر بشكل شبه كامل على محافظة إدلب وريفها، وتُقاسمه السيطرة في الريف الإدلبي تنظيمات لا تختلف عنه شيئاً إلا بالتسمية ربما.
وتعدُّ إدلب وريفها المنطلق الأساس وخط الإمداد الرئيس لعشرات الفصائل المسلحة وعلى رأسها “النصرة”، والمنضوية جميعاً تحت مسمى “جيش الفتح”، التي بدأت أمس هجوماً شاملاً على عدة محاور في محاولة لفك الحصار عن مسلحي الأحياء الشرقية لحلب.
وتأتي “غزوة حلب” الأخيرة بعد أيام قليلة على قرار “جبهة النصرة” فك ارتباطها بالتنظيم الأم “القاعدة”، كأول اختبار للتنظيم، وفاتحة معاركه بلبوسه الجديد “فتح الشام”.
المعركة التي أطلقها القاضي الشرعي لميليشيا “جيش الفتح في إدلب” السعودي عبد اللـه المحيسني تحت اسم “ملحمة حلب الكبرى”، رافقها ضخٌّ إعلامي هائل عن اختراقات كبيرة للمسلحين، ففاضت مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات المناصرة للمسلحين بأخبار المعارك والتقدم والحشود الكبيرة للفصائل على مختلف الجبهات.
وفيما يبدو كـ”عودة الروح” لأنصار التنظيمات الإسلامية المتطرفة بعد الإحباط الناتج عن إنجازات الجيش في الآونة الأخيرة، جرى تناقل أخبار عاجلة عن سيطرة “جيش الفتح” على بلدة العامرية على مشارف مدينة حلب، وعلى السيريتل ومشروع 1070، أول أحياء المدينة في محيط قرية المشيرفة، بعد السيطرة على تل الجمعيات في ريف حلب الجنوبي”. كما ذكرت تنسيقيات المسلحين أن “الفتح” سيطر أيضاً على كتيبة الصواريخ في محيط الراموسة.
الهجمات التي انطلقت من عدة محاور امتدت على طول يقارب 20 كيلومتراً، وفقاً لأحد الناطقين باسم “حركة أحرار الشام؛ “ابتداءً من قرية السابقية في ريف حلب الجنوبي، وصولاً إلى مدرسة الحكمة المقابلة لمنطقتي الراشدين الرابعة والخامسة والراموسة، لتكون بوابة حلب الجنوبية هي الهدف الأساس للمرحلة الأولى من الهجوم، بحثاً عن اختراق للطوق المحكم الذي ضربه الجيش السوري وحلفاؤه على الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة المسلحين قبل أيام.
والمعارك التي اندلعت مساء أمس دُشنت كالعادة بالهجمات الانتحارية، وتلتها هجماتٌ على شكل “موجات” متلاحقة، وبشكل متزامن على أكثر من محور.
أما الجيش السوري، فامتص الهجوم، وأفشل بالتعاون مع حلفائه اندفاعة المسلحين صوب جنوب وغرب حلب. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن الاشتباكات توقفت في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة على جبهة مدرسة الحكمة – الراشدين.
كما أحرز الجيش تقدماً ملحوظاً في مخيم حندرات في ريف حلب الشمالي بعد اشتباكات مع المسلحين. واستعاد نقطتين في سد الشقيدلي وأطراف قرية السابقية في ريف حلب الجنوبي.
في هذه الأثناء، كان الطيران الحربي المشترك السوري والروسي يدمر أرتال التعزيزات القادمة من إدلب. وبحسب “الإعلام الحربي”، فقد شن سلاح الطيران طوال نهار أمس (31/07/2016) غارات مكثفة على طرق إمداد “فتح إدلب” باتجاه حلب، وشن أكثر من 30 غارة على ريف حلب الغربي المتصل مع ريف إدلب الشمالي-الشرقي، ودمر ثلاثة أرتال للمسلحين قرب بلدة الدانا ومغارة الأرتيق وبابيص وعنجارة، ورتلين قرب بلدة الأتارب. في حين لاحق سرب من المقاتلات رتل تعزيزات ضخماً متجهاً من الريف الغربي إلى الجنوبي مؤلفاً من 12 بيك آب و3 مدافع عيار 23 و4 مدافع متحركة ودمره بالكامل بمن فيه من المسلحين.
وأشار المصدر إلى أن الجيش الذي كان قد اتخذ احتياطاته لمثل هذا الهجوم، واصل استهداف مواقع المسلحين ومراكزهم عند مدخل حلب الجنوبي الغربي في خان العسل وجمعية الصحافيين، ودكت مدفعيته وصواريخه تجمعاتهم في ريف حلب الجنوبي في بلدات خان طومان والعيس والزربة والقراصي وخلصة وزيتان وبرنة والحميرة وطريق حلب دمشق.
وتكتسب “معركة فك حصار حلب” أهمية استثنائية لطرفي المعركة؛ فهي بالنسبة إلى الجيش السوري وحلفائه تُمثِّل أول وربما أخطر اختبار للطوق المضروب حديثاً، فيما تبدو أهميتها على المقلب الآخر أكبر بالنسبة للمجموعات المسلحة وداعميها. حيث تمكّن من إنهاء حصار مسلّحي الأحياء الشرقيّة قبل أن تتظهّر مفاعيله على الأرض، كما يبدو هذا الهجوم كفرصة أخيرة لإعادة التوازن قبل مباحثات جنيف المرتقبة في أواخر هذا الشهر.
في الوقت نفسه، من شأن إخفاق الهجوم في تحقيق أهدافه أن يؤدي إلى نتائج معاكسة تماماً، سواء من الناحية المعنوية، أو العسكرية، خاصة أن المعركة تُعدُّ اختبارا جديدا لمدى قدرة المجموعات المسلحة على الانسجام بعد أن أقدمت “النصرة” على خطوة “فك الارتباط” بما نجم عنه من خلافات حتى بين صفوف مقاتليها.
المعركة لم تنته، وستكون قاسية وعنيفة، وكذلك العملية الإنسانية التي أطلقتها موسكو ودمشق مستمرة. والمروحية، التي تم إسقاطها اليوم، كانت ضمن القوافل الجوية الإنسانية التي تسيّرها موسكو من حميميم إلى حلب عبر إدلب. وإسقاطها لن يمر من دون ثمن، لعل أوله بدأ بالتزامن مع معركة الدفاع عن طوق حلب بقصف قوافل الإمداد من إدلب. وأما ما يليه فستكون النصرة، الخارجة زوراً ونفاقاً من أصلها القاعدي، على قائمته المرتقبة والعاجلة، سواء كان ذلك بدعم أمريكيين ومشاركتهم، كما ينص التفاهم الأخير بين البلدين، أم من دونهما.
علي حسون – دمشق
روسيا اليوم