السيمر / الاحد 28 . 08 . 2016
عبد الجبار نوري
المحور/ بحث تأريخي في ديماغوجية ” البرامكة ” وميكافيلية ” الرشيد” *
أن أسرة البرامكة ترجع في أصولها إلى جدهم الأول ( برمك المجوسي ) ، وكانت لها مشاركة فاعلة في تاسيس الدولة العباسية ، ببث فكرة تأسيس الدولة وتحصيل التأييد من حشود الكتل البشرية وبآلاف مؤلفة من شعوب الفرس والترك القاطنة في الجهات الشرقية من بلاد العرب والتي فتح الأسلام أجزاءاً واسعة منها في العهد الأموي ، وتشمل اليوم آسيا الوسطى أفغانستان و شمال شرق أيران وبلأخص أقليم خراسان وخوارزم .
لم تكن ظاهرة البرامكة حدثاً طارئا على الدولة العباسية وبالذات على الخليفة الرشيد ، بل كانو جزءاً مكملا ومؤسسا لكيان الدولة ، وليس كما يذكر بعض المؤرخين بأنهم طارئين على النظام بل بالعكس هذه ترتيب شجرة الأسرة :
-برمك المجوسي – خالد أبن برمك وهو من دعاة الدولة العباسية ، وتولى الوزارة في عهد السفاح – يحي أبن خالد البرمكي وهو أشهر شخصية في الأسرة ، ووزير هارون الرشيد ، وأبوه في الرضاعة – الفضل أبن يحي القائد الكبير وخليفة أبيه – جعفر أبن يحى نديم الرشيد – موسى أبن يحي قائد حربي مميز بشجاعته النادرة والذي شارك في أطفاء جميع الفتن التي ألمت بالدولة العباسية – محمد أبن يحي ليس له ذكر واسع ربما كان واحدا من تلك الأسرة الموالية للحكم العباسي ، وربما حمله التأريخ بعض أوزار أسباب النكبة .
أفضال البرامكة على الدولة العباسية :
*منذ التأسيس كان لهم دورٌ مؤثر وفاعل في كسب التأييد وتجييش المريدين لهدف أقامة الدولة العباسية في الجزء الشرقي من بلاد العرب والتي هي خراسان وأقليم خوارزم وما بعدهما وخصوصا بزمن خالد بن برمك الذي أصبح وزيرا وسيفا للسفاح الذي أقام الدولة بالحديد والنار والدم كما روت سيرته الدموية صفحات التأريخ .
* الأب يحي بن خالد هو مربي الرشيد .
* أبنهُ الفضل وهو أخو الرشيد بالرضاعة ، والمسؤول عن تربية الأمين أبن الرشيد وهو الذي قضى على فتنة ( يحي بن عبدالله )في بلاد الديلم ، ووليّ حينها على خراسان ، وشكّل جيشاً كبيرا تعدادهُ خمسين ألف جندي جعل ولاءهم للخليفة الرشيد مباشرة وسماهم ب( العباسية ).
* أما جعفر نديمهُ وجليسهُ وصديق ترحاله وسفراته وصاحبهُ في نزهات الصيد ، ولهُ الفضل في القضاء على فتنة التعصّب القبلي في بلاد الشام عام 180 هجرية ، وجعل لهُ ولاية الشام ومصر ، وجعلهُ مربي المأمون .
* أما موسى بن يحي فكان محاربا همهُ القتال والغزو بحكم شجاعته الفائقة لتثبيت أركان الدولة العباسية .
نكبة البرامكة
أن بذخ وأبهة البرامكة وأعطياتهم السخية وقصورهم الفارهة المنيفة وضياعهم وومزارعهم الواسعة وحفلات أنسهم وهوايات صيدهم برتل من الحاشية والعبيد حيث أصبحوا عبئا ثقيلا على المزارعين الفقراء في تخريب مزارعهم أثناء الصيد العشوائي الغير مهتم بأحد من خلق الله ، وكانت عبئاً وعملية أستنزاف لبيت المال لدى الدولة والرشيد ، فقد تغلغل البرامكة في جميع مفاصل الدولة ، وأصبح لهم الكثير من الأعوان والأنصار .
للوصول إلى الحقيقة وفي هذا البحث المتواضع أختزلتُ من الزمن أكثر من ثلاثة أشهر في البحث والتقصي لتوضيح الكلمة الحيادية والصادقة ، وجدتُ كل التشويش والضبابية والقيل والقال في هذه الحادثة المأساوية التي سميّتْ بنكبة البرامكة وخاض في مستنقعها من خاض وأدلى بدلوه من كتاب وعاظ السلاطين والمتزلفين والمنافقين ، وبعض المؤرخين أعتمد من تلك الأشاعات والتفسيرات ما يتفق وأهوائهم ، وشوّهوا بها حقائق التأريخ ، وهناك والحساد الذين ظهروا في كل زمان ومكان في أزالة صعود فئة ما سلّم الجاه والمناصب والثروة وقد تكون ضريبة النجاح والتفوق ، كما هو متبع اليوم من تسقيط سياسي في عراقنا وربما تكون صحيحة أو مبنية على الكيدية في ألغاء الآخرين .
من هذه الأشاعات ” قصة العباسة ” أخت الرشيد ووزيرهُ جعفر بن يحي ، أتفق معهُ الرشيد بتزويجه العباسة بشرط عدم الأختلاء بها للقفز على الشرع بألغاء المحرم عن جعفر الذي الذي هو ليس وزيرا فقط بل نديما وصديقا حميما لكثرة مرات مجالسة الرشيد والعباسة وجعفر معا ، فقبل جعفر لطلب الخليفة ولكن تقول الأشاعة : بأن يوما أختلى بها وحملتْ طفلا أبعدتهُ إلى الحجاز لتخفي الحدث عن أخيها ، ولكن الرشيد علم بهذه التطورات المخلة بشرف العائلة العباسية ونكب البرامكة .
ولكن المؤرخ والمحقق الرائع الدكتور” عبدالجبار الجومرد ” في كتابه هارون الرشيد ج2 ص 460-468 يدحض هذه التخرصات وبشدة وبالوثائق والحجج ذكر بعض الأسباب المنطقية والمقبولة عند العاقل والمنصف ومنها :
1 – أنهُ لا يمكن للرشيد أن يزوج أختهُ العربية من رجلٍ فارسي الأصل ، وكيف يصح القول بأن الرشيد كان لا يصبر عن مجالسة أختهِ العباسة بحضور رجل غريب عنها ، وأن أصبح زوجها .
2- ثُمّ أن العباسة كانت متزوجة محصّنة ، ولكنها فشلت في زواجها الأول ثُمّ تزوجت ثانية بوالي مصر ” أبراهيم أبن صالح الهاشمي ” ثُمّ أن جعفر نفسهُ كان متزوجاً مبكرا .
3- ويضيف الجومرد أن السبب الحقيقي لنكبة البرامكة هو سبب (سياسي ) حين قُويّ نفوذهم وأستأثروا بالسلطة .
4- وأن القصة ذُكرتْ في كتاب أبن جرير الطبري في تأريخه ج10 ص84 غير دقيقة لا تستند إلى سند كما هو ديدن الطبري في ذكر أخبار الملة والعباد .
5- وقد أستعرض الجومرد ما ذكرهُ ” أبن خلدون ” في مقدمتهِ ج1ص15 : أنما كانت نكبة البرامكة أستبدادهم وأحتجابهم أموال الجباية ، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من الأموال فلا تصل أليه ، فغلبوه على أمرهِ ، وشاركوه سلطانه ، ولم يكن معهم تصرّف في أمور ملكهِ .
6- والسبب المباشر لنكبتهم يقول فيه الدكتور عبدالجبارالجومرد في كتابه هارون الرشيد – ج2- ص469 ملخصهُ : أستبدّ كلٌ من يحي أبن خالد وجعفرأبن يحي وسيطروا على جميع مؤسسات الدولة وخراجها ومواردها ونفوذها ، وتمكنوا الأيقاع بين الأخوين الأمين والمأمون ، وذلك بألتزام جانب المأمون وجمع الؤيدين والمحبين حولهُ ، حتى قام ( الفضل أبن يحى ) الذي عينهُ الرشيد واليا على الجانب الشرقي للدولة بأتخاذ خراسان مقراً لولايتهِ ، وكوّن بها جيشاً عظيماً بتعداد 500 ألف جندي لأتخاذ الحيطة لأنفسهم من بطش الرشيد ويجعلون مصير الرشيد والخلافة العباسية في قبضة أيديهم ، وأعتبرالمؤرخون هذا ليس ألا أنقلاباً عسكرياً وأجتماعيا وقوميا ومناطقيا ، والسبب المهم الذي يعتبربداية النهاية هي ثورة يحى بن عبدالله الطالبي في بلاد الديلم سنة 176 هجريه ، وأرسل الرشيد أليه الفضل أبن يحى ، ولكن الفضل حلّ الأشكال بطريقة سلمية خالية من الدم وأعطى الأمان لذلك الثائر ، ولكن الرشيد نقض الأمان وحبسهُ عند جعفر أبن يحى ولكن جعفر أطلق سراحهُ لعدم قناعته بأمر الرشيد ، وأعتبرها الرشيد الخروج عن طاعته وكتمها في نفسه وأضافها على أخطائهم الكثيرة المتراكمة ، نجحت الدسائس والوشايات في أيغار صدر الرشيد وذلك بتصويرهِ بمظهر العاجز أمام أستبداد البرامكة .
7- وقد يكون سير البرامكة على مبدأ الديماغوجية في طلب السلطة والجاه وتأطيرها بالشعوبية لتغيير مسار الدولة العربية سبباً في تلك النكبة ، ونشر الفتنة بين الأخوين ، والتدخل في أحكام الخليفة لأمور الدولة من غير حق ، فأصبحت للبرامكة مكانة عليا في الدولة مستغلين وشائج القربى بينهم والرشيد بالذات يعود إلى أن زوجة يحى بن خالد البرمكي أرضعت الرشيد فأصبح الخليفة أخاً للفضل بن يحى شرعاً ، لذا أصبح يحى مسؤولاً عن تربية الرشيد وأصبح وزيراً مفوّضاً لجميع الأمور من قبل الخليفة .
مؤشرات النكبة
وقبل الحديث في مثل هذا المطب التأريخي الدموي والمأساوي أضع سيرة الخليفة الرشيد تحت أضواء الكاشف التأريخي نجد : – أن الخليفة حكم كأسلافه وأتباعه بموجب ( نظرية الحق الألهي ) أطاعته واجبة شرعاً ، والعكس يقع تحت مقصلة سيافه ” مسرور ” – وان الرشيد يتعامل بميكافيلية (الغاية تبررالوسيلة) هدفه الحفاظ على كرسي الحكم ومهما كلف الأمر أليس هو الخليفة الغير رشيد الذي حبس أبن عمه الأمام ” موسى بن جعفر” عشرين عاماً في طاموراته وأغتاله ورمى به على جسر بغداد ؟؟ ، وأنه يعاني من فوبيا زوال حكمه بشكلٍ هستيري بحيث عامل جميع الفتن والثورات بكل قساوة وضراوة ، وكان سريع الغضب بحيث تضطر حاشيته أبعاد مسرور عنه قليلا حتى يهدأ .
المؤشر الأول /بدأ بوادرهُ من زبيده زوجة الرشيد المدللة والتي لها حظوة كبيرة لدى الخليفة وهي ذات الأصل العربي الهاشمي والتي طلبت البيعة لولدها ” محمد” الذي لقبه أبوه بالأمين ، وحصلت على ما تريد وبتأييد من الملّة والعباد والأخوال .
المؤشر الثاني/ موقف الخليفة كان رأيهُ يميل إلى أبنهِ الأكبر ” عبدالله المأمون ” وقد كان يقول فيه : أن فيه حزم المنصور ، ونسك المهدي ، وعزّة الهادي ، ولو شئت أقول الرابعة التي في القلب : فأنهُ قُدِمَ أبن زبيده على أخيه الأكبر ، وهو رغبة أمراء البيت العباسي وأجتماعاتهم المتكررة على تولية الأمين فكانت وراء نزول الرشيد على رأيهم وتحقيق تلك الرغبة التي أجتمعوا عليها ، كانت حجتهم ان الأمين هاشمي الأبوين ، وأن ذلك لم يجتمع لغيره من الخلفاء العباسيين .
المؤشر الثالث / كان تأييد البرامكة على خجل وتوجس وفيه شيء من الكراهية لهذه الطغمة التي تنفذ الغيرة والحسد والتي تتنامى يوما بعد يوم وأصبح الجميع في طريق اللاعودة والتي أعتبرت بداية النهاية لأزالة الغيمة السوداء التي تغطي قصور الخلافة العباسية ففي يوم الخميس 6 من شعبان 175 هجريه – 8 ديسمبر 791 م عقد الرشيد البيعة لمحمد الأمين وولاهُ في الحال بلاد الشام والعراق ، وحينها أبدى البرامكة رضاهم بطعم المرْ وتمكنوا بالتقرب والتزلف ويوغرون صدره لمكر زبيده وصغر سن الأمين الذي لم يتجاوز الخمسة سنوات ووجدوا بغيتهم بالمأمون وهو من أمٍ فارسية ، وأشهد الخليفة ولاية العهد للمأمون في 180 هجرية – 798 م بعد مضي ثمان ، وهكذا أصبح الخليفة أضحوكة للقاصي والداني سنوات من بيعته الأولى للأمين ، وأصبحت رائحة ” شعوبية ” البرامكة تزكم الأنوف ولم يتمكنوا أخفاءها لاحقا.
فأتبع الرشيد سياسة الكتمان مع عنصر المفاجأة ففي ليلة السبت الأول من صفر187هجريه- 803م أمر بالقبض عليهم جميعا بدون أستثناءوشغّل سيف جلاده مسرور برقابهم وصادر أموالهم وضياعهم ، فنكبة البرامكة مصطلح يشير إلى ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد ، من قتل وتشريد ومصادرة أموال بالأمس كانوا وزراء الدولة ، وأصحاب الأمر والسلطان ، وتُعدْ هذه الحادثة أحد أبرز الأحداث السياسية المؤثرة في حكم الرشيد ، وبقيتْ بصماتها المأساوية الدموية في الذاكرة العباسية ، وتعتبر حلقة في سلسلة نكبات طالت وزراء الدولة العباسية منذ قتل أبي مسلم الخراساني بتدبير الخليفة أبو جعفر المنصور ، وقتل معظم المقربين (كآل سهل)لاحقا ، وتصفية أكثرأئمة العلويين غيلة بالسُمْ —-
*الديماغوجيه/اللهث وراء المناصب / الميكافيليه- الغايه تبرر الوسيلة
الهوامش/ البداية والنهايه / اسماعيل الدمشقي – تأريخ بغداد / ابو بكر احمد الخطيب البغدادي – مقاتل الطالبيين
المصادر/كتاب اعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس- محمد دياب الأتليدي ، بيروت 1990- كتاب هارون الرشيد ج2 ص460 ص468 الدكتور عبدالجبار الجومرد – ابن خلدون – المقدمه ج1 / ص 15