السيمر / الثلاثاء 29 . 11 . 2016 — ليسَت الفعاليةَ الأولى التي تقتصر على العنصر الأنثوي، لكنّ الجديد في معرض «مبدعات من مصر» أنه يعطي مساحةً للفنانات التشكيليات اللائي يتلمّسن طريقهن لعرض أعمالهن والتواصل مع الجمهور ومع الأجيال الفنيّة المخضرمة. كما أن الغِنى الذي يمتع به المعرض يجعله وِجهةً لمحبّي الفنّ التشكيلي بمختلف اتجاهاته ومدارسه، فتضمن النحت والرسم والخزف والتصوير والطباعة والجرافيك.
13 فنانة مصرية وزِّعت أعمالهن في فضاء مركز ابن هانئ الثقافي، وقد افتتح المعرض يوم 16 برعاية قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة ويستمر لغاية 1 كانون الأول. الفنانات المشاركات هنّ علا يوسف، سهير عثمان، صفية القباني، سلوى رشدي، نازلي مدكور، زينب سالم، نازلي يحيى مصطفى، زينب منهى، سلوى الحمامصي، سالي الزيني، نهلة وجدي عابدين، منى عبد الرحمن غراب، زينب سالم.
للفن التشكيلي تاريخٌ متجذر عبر العصور، فالمصريون وثّقوا يومياتهم وعبّروا عن حياتهم برسوم ونقوش لا تزال حتى اللحظة على جدران المعابد والمقابر، كصورة تعكس التصورات الفنية في ذلك الوقت، ومع تعاقب العصور شهدت الحضارة المصرية منعطفات في أشكال واتجاهات الفن التشكيلي من النحت إلى العمارة مروراً بالنسيج والخزف، وصولاً إلى الخط والرسم، وعبر تلك الرحلة كان للمرأة المصرية بصمتها الخاصة، وصولاً إلى النهضة الفكرية في عشرينيات القرن الماضي والتي كان للفن التشكيلي شأن كبير لمعت خلاله أسماء نسوية عديدة كمرغريت نخلة وعفّت ناجي وغيرهما.
الفكر التشكيلي
تَعتبر الفنانة علا يوسف أن المعرض يقدّم لمحبي الفن وجبة دسمة من الفكر التشكيلي، خاصة أنه تنوّع في اتجاهاته الفنية ومجالاته «المعرض منصةٌ شاملة تُظهر ما وصلت إليه الفنانات المصريات، خاصة أنه تضمّن أكثر من مجال، نحت، تصوير، رسم، خزف، طباعة، جرافيك، كما يشكل جسراً للتواصل بين الأجيال، فيأخذ الجيل المخضرم بيد الشابات اللواتي مازالن يتلمّسن طريقهن في الفن». قدّمت يوسف ستة أعمال فنية، تنوّعت من حيث الاتجاهات والتقنيات والمواد المستخدمة، تعلل ذلك بأن الفنان يتعرّض لأكثر من اتجاه للفن التشكيلي خلال رحلته، خاصة أنه يتأثر بالمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية.
علا يوسف أستاذ ورئيس قسم التصوير بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، درست الفن التشكيلي في ألمانيا وأقامت معارض عدة في العالم العربي والعالم، إلى جانب مشاركتها في تنظيمات فنية وندوات وورش عمل محلية وعالمية. أكثر ما أثّر على تجرتها وحاولت التركيز عليه في أعمالها التي تخلّلت المعرض هي نظرية اللون وعمادها إظهار التوافق والتباين والتكامل بين الألوان، حيث استخدمت الألوان الصريحة معلّلة أنها تثري العمل الفني وتجعله أكثر بعداً وعمقاً. أما الأسلوب فقد اعتمدت يوسف في أعمالها على السريالية والرمزية التي عبرت فيها عن الحضارة المصرية القديمة وما تضمنت من فنون شعبية، معرجةً في أحد الأعمال على تناول الناس للعالم الافتراضي والوسائط المتعددة، أيضاً خصصت مساحة للاتجاه التجريدي من خلال أشكال هندسية مجردة.
«الفنانة المصرية تتبوأ مكانة رفيعة في عالم الفن التشكيلي اليوم»، تقول يوسف، مؤكدة أن الفنانات المصريات حققن انتشاراً كبيراً في مصر والعالم، فضلاً عن الجمعيات والمؤسسات الداعمة للفن التشكيلي التي كان لها دور في فتح قاعات وإقامة معارض في أنحاء مصر، مشيرة إلى أهمية الفن التشكيلي في رفع مستوى الذوق العام للمجتمع، وهذا هو جوهر وغاية الفن التشكيلي «الفن التشكيلي هو رؤية وفكر يرقى بالذوق الإنساني ويخدم كل مجالات الفن الأخرى كالمسرح والسينما ويرفع قيمتها أيضاً».
مساحة وجود
هو ليس المعرض الأول الذي يجمع فنانات مصريات، لكن الجديد أنه يشمل أجيالاً عدة بين ذواتِ خبرة ومستجداتٍ في عالم الفن التشكيلي، فالمعرض يُعطي الفنانات الشابات مساحة للوجود في الوسط الفني والاقتراب من الجمهور، تؤكد الفنانة نازلي مدكور لافتة إلى أن المعرض على درجة من التنظيم والتنسيق.
نازلي مدكور صاحبة تجربة ثرّة في الفن التشكيلي ومقتنياتها حاضرة في متاحف عربية وعالمية، تتّسق أعمالها والفن الحديث الذي يُعطي للفنان مساحة للاجتهاد الفردي بعيداً عن القواعد الأكاديمية، فحاولت استحداث بعض التقنيات التي تعتمد على البيئة الريفية المصرية بهدف خلق تلاحمٍ أصيل بين الشكل والمضمون. تضرب مدكور فرشاتها في عالمين هما الطبيعة والمرأة، إلا أنها اختارت أن تكون المرأة عنواناً لعمليها اللذين تخللا المعرض، أحدهما كان وجهاً أخذ مساحة اللوحة بمقاسات 80/60 سم، وقد استخدمت الأكريليك وألواناً اختلطت مع مواد أخرى خلقت بروزاً في اللوحة. الأمر الذي يعطي إحساس الملمس للوحة فتكون أكثر عمقاً، أما الألوان التي استخدمتها فبعيدة عن القوة ركزت في أغلبها على الرمادي والألوان الترابية المستوحاة من البيئة المصرية.
تضيف نازلي مدكور لـ «السفير» «ليست غاية المعرض الفصل بين الذكور والإناث بقدر ما هو محاولة لدعم الفنانات الجدد من خلال توفير مكان لعرض أعمالهن»، لافتة إلى أن الفنانة التشكيلية المصرية رائدة في مجالها، والمتابع لحركة الفن التشكيلي منذ انطلاقها في مصر عشرينيات القرن الماضي يلاحظ أن المرأة اعتلت أدواراً مهمة، فلا يغيب عن الذاكرة أسماء كإنجي أفلاطون «1924ـ1989)، الفنانة عفت ناجي (1905ـ1994)، الفنانة مرغريت نخلة (1908ـ1977).
تتابع أن الفن التشكيلي لم يقع في مصيدة العنصرية تجاه المرأة، فالنهضة التي شهدها الفن التشكيلي تزامناً مع النهضة الفكرية وكانت المرأة على قدم وساق إلى جانب الرجل، في حين أن الفن التشكيلي لدى الغرب عانى من العنصرية تجاه المرأة في القرن 19، وفي القرن العشرين بدأت تظهر أسماء نسوية تصدرت في ما بعد المشهد الفني منهن كيت كولفيت وبولا مندرسن بيكا.
معرض «مبدعات من مصر» فسيفساء أنثوية تعكس في أغلبها وجوهاً للحياة في مصر، لتؤكد أن المصرياتِ مبدعاتٌ وخلّاقاتٌ في مجالاتهن، وأنّ الفن كما قيل هو «التأثير الوجداني للحياة والفنان الأصيل هو الذي يعبّر بصدق عمّا يجول في دواخله».
وئام يوسف / السفير اللبنانية
(القاهرة)