السيمر / الأربعاء 14 . 12 . 2016 — لم يكن ظهور تنظيم داعش في العراق عاملا يستهان به في تحويل التنظيم من جماعة مسلحة أخرى ضمن غيرها، الى أحد اقوى التنظيمات الجهادية التي اعادت تشذيب معنى الإرهاب، ليتحول من خلايا صغيرة فاعلة على عدة مساحات متباعدة، الى قوة شبه عسكرية تمتلك كيان مقارب لدولة، يعمل بانظمة وقوانين على مساحة ارض يسيطر عليها بشكل تام.
ذلك التحول في واقع التنظيم، حصل بعد ان تمكن عناصره من السيطرة على مدينة الموصل، ومعها سهل نينوى، وقواعده العسكرية الضخمة، التي كانت تابعة للجيش العراقي، قبل الانكسار المفاجئ عام 2014، والانسحاب الذي تبعه، تاركا تلك المعدات ذات العدد الكبير والجودة الجيدة، لصالح التنظيم.
لكن، هذه الأسلحة والعربات وحتى الدبابات التي خلفها الجيش وسيطر عليها التنظيم، لتكون عماد قوته للسنوات المقبلة التي شهدت انتشاره وتوسع سلطته، ورغم انها العامل الرئيس، الا انها ليست الوحيد طبعا، فعربات الهامفي ودبابات الابرامز وحتى بنادق الام 16، مثلت العصب الأساس الذي انطلقت منه قوة داعش العسكرية لاحقا، لكنها بالطبع لم تكن لتستمر، خصوصا مع القتال الكثيف الذي خاضه التنظيم في عدة مناطق عبر سوريا والعراق، وهنا يأتي دور التصنيع، الذي اثبت ان لداعش “مصانع سلاح مقاربة لجيش نظامي” تحت خدمته، خصوصا في العراق.
منظمة كار “بحوث التسليح في الصراعات” البريطانية، اكدت عبر تقرير لها، ان تنظيم داعش تمكن بشكل ما من إقامة مؤسسات تصنيع عسكرية، تضاهي في انتاجها تلك المعايير التي تصدر عن الجيوش النظامية، خصوصا في العراق، حيث كان التنظيم يحصل على المواد الأولية عبر “تركيا”، بحسب التقرير، ثم يقوم بإعادة تصنيعها نحو أسلحة “مستحدثة”، مثلت الامكانية اللوجستية العسكرية للتنظيم.
بالرغم من ان المواد المستخدمة غير دقيقة التصنيع والمصانع غير صالحة تماما، الا ان طبيعة الإنتاج تثبت وجود تخطيط وسيطرة مركزية على الإنتاج وبشكل معقد جدا، التقرير أشار، مضيفا، بان التنظيم لو استمر في عمله لوقت أطول لما كان من الممكن ان يتم حزر ما ينتجه، بناء على ما لديه الان، من تنوع في الإنتاج والقياسات وأساليب النقل والتخزين.
المنظمة عادت لتؤكد بعد زيارة عناصرها لبعض المصانع التي تم السيطرة عليها من قبل قوات الجيش العراقي في مناطق سهل نينوى، بان المؤسسات الصناعية التابعة للتنظيم لم تكن عشوائية، انما عملت على أسس دقيقة وتحت ضوابط صارمة من سلطة اعلى تتابع جميع الاعمال في كل مؤسسة تصنيع، فيما مثل القطاع الإداري في هذه المؤسسات شكلا صارما اخر من اشكال العمل، حيث ترفع التقارير بشكل شبه يومي عن نسب الإنتاج وطبيعته وكذلك كمياته الى قادة التنظيم في الموصل.
الإنتاج في هذه المؤسسات، غلب عليه طابع الذخيرة، من حيث انتاج كميات كبيرة من الصواريخ وقنابر الهاون، فيما احتلت الأسلحة المستحدثة مثل القناصات بعيدة المدى ومضادات الدبابات المحمولة المركز الثاني، لتحل تصنيع المفخخات وتدريعها المركز الثالث في الأولويات، بالإضافة الى اعمال منوعة أخرى، مثل انتاج العبوات والافخاخ.
التقرير الذي خرجت به المؤسسة بعد زيارتها المناطق المحررة في العراق والاطلاع على طبيعة عمل لوجيستية التنظيم الصناعية بخصوص الأسلحة، أجاب على سؤال لطالما طرح عبر وسائل الاعلام المحلية وحتى العالمية، حول المصدر الذي يأتي بالتنظيم بكل الأسلحة والمعدات الضرورية لاستمراره في عملياته الإرهابية وقتاله على جبهات المناطق التي يسيطر عليها، حيث اكد التقرير، ان تركيا، كانت والى الان المصدر الأول والوحيد تقريبا، لاستيراد المواد الأولية التي يستخدمها التنظيم لتصنيع أسلحته.
التصدير والاستيراد عبر تركيا، لم يكن حديث عهد بالنسبة الى العلاقة المشبوهة بين تركيا والتنظيم، فعمليات تصدير النفط من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، كانت تتم عبر تركيا، فيما اكدت منظمات وتقارير عالمية أخرى تناولتها “و1ن نيوز” في وقت سابق، ان تركيا كانت ممر تصدير المنتجات الداعشية، واستيراد المتطوعين والمعدات.
الحجم الهائل للاستيراد الذي كان يتم عبر تركيا والمنافذ الأخرى المتاحة لداعش، يثبته حجم امتلاك واستهلاك التنظيم للأسلحة المستحدثة، ومنها القنابل والعبوات، فعلى الرغم من انها ليست أسلحة بالمعنى الشامل ولا هي صعبة الإنتاج، الا ان وجود خزين كبير ومصنع او اكثر لها في كل حي او قرية او حتى قصبة يتم استعادتها من التنظيم بجهود القوات العراقية، يؤكد ان الاستيراد للمواد الأولية المستخدمة في تصنعيها، كان هائلا.
في النهاية، فان الأسلحة التي كان التنظيم يعتمد عليها في قتاله، لم تعد متاحة له بذات الشكل السابق، بعد تحول الاحداث المتسارع، الذي أدى الى فقدان التنظيم الأراضي التي كانت فيها هذه المصانع، بالإضافة الى تراجع قوته العسكرية على الأرض، وخسارته مصادر تمويله.
وان نيوز