السيمر/ الأربعاء 12 . 04 . 2017 — تنشر ” جريدة السيمر الإخبارية ” المقال كما تم نشره في صحيفة الخليج اونلاين القطرية و“المدار السياسية“ فقط كتحليل سياسي ، بغية اطلاع القراء على محتواه .. وهي غير مسؤولة عن كل ماورد فيه من تحليلات ..
**********
هزّت صواريخ “توماهوك”، التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على النظام السوري، أركان البيت الشيعي في العراق مجدداً، وأفرزت أول هجوم من زعيم شيعي ضد نظام بشار الأسد، المدعوم من إيران، في مشهد واضح لزحف سطوة ترامب نحو أذرع طهران في المنطقة.
الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، وعشية إطلاق واشنطن 59 صاروخ “توماهوك”، من مدمرتين للبحرية الأمريكية على مطار الشعيرات العسكري (طياس)، جنوب شرقي مدينة حمص، وسط سوريا، سارع لإطلاق تصريح فريد من نوعه، طالب فيه زعيم النظام السوري بشار الأسد، بالاستقالة “قبل فوات الأوان”، على حد قوله.
وفي بيانه الذي أعلنه السبت الماضي، قال الصدر: “لعلي أجد من الإنصاف أن يقدم الرئيس بشار الأسد استقالته، وأن يتنحى عن الحكم؛ حباً بسوريا الحبيبة؛ ليجنبها ويلات الحروب وسيطرة الإرهابيين، فيعطي زمام الأمر إلى جهات شعبية نافذة تستطيع الوقوف ضد الإرهاب لإنقاذ الأراضي السورية بأسرع وقت؛ ليكون له موقفاً تاريخياً بطولياً قبل أن يفوت الأوان، ولات حين مندم”.
تصريح الصدر وقع كالصاعقة على قرابة 15 – 20 ألف عراقي من المقاتلين الشيعة في سوريا، الذين طالما كانوا حصناً منيعاً حَمى الأسد طيلة الأعوام الستة للثورة السورية، مثلهم مثل 7 – 10 آلاف مقاتل من حزب الله اللبناني، و5 – 7 آلاف مقاتل من الأفغان والإيرانيين، بحسب ما تشير آخر إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
تصريح الصدر الجديد، يمّس زعيم “حزب الله” حسن نصر الله بشكل مباشر، حيث يدعم الأخير، بكل ما أوتي من قوة، نظام الأسد، ويشكل حجر الأساس في ثبات قوات النظام بعدة مناطق سورية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لقيام نصر الله بـ”تنبيه” الصدر، وتهدئة نصائحه “المتعجلة في خصوص قضايا المنطقة المعقدة.
الصدر يتمرد مجددا
استبق الصدر تصريحاته تلك بعودته إلى التظاهر ضد العملية السياسية في العراق، التي يقودها أحزاب شيعية تدين بالولاء لإيران، عززها بدعوة أنصاره، أواخر مارس/آذار الماضي، لمواصلة الاحتجاجات ضد الفساد بالبلاد في حال اغتياله، مؤكداً تلقيه رسائل تهديد بالقتل بسبب “تبنيه مشروع الإصلاح”.
وخرج الزعيم الشيعي في الـ 24 من الشهر نفسه، بـ”مليونية” كان قد دعا أنصاره لها، استجاب له عشرات الآلاف، وتجمهروا بساحة التحرير وسط بغداد، وأنصتوا لندائه: “أبلغكم ببعض النقاط المهمة تسيرون عليها، أولها استمرار الثورة الإصلاحية بلا كلل أو ملل، حتى وإن قتلت”.
المظاهرات التي طالما هزّت بغداد على مدار العام الماضي، تسببت بخرق أمني لافت، وصل من خلاله أتباع الصدر إلى مبنى رئاسة الوزراء، ومجلس النواب، وأحدثوا خراباً كبيراً، وهو ما أشعل خلافات قسمت البيت الشيعي العراقي، وفتح تحقيقات أمنية ما زال التكتم على نتائجها سيد الموقف حتى اليوم.
نصر الله.. والوساطة المؤثرة
وعلى مدار سنوات من تكرار المواجهة الشيعية – الشيعية في العراق، وعلى مسرح العملية السياسية التي يتعاضد فيها أحزاب الشيعة، للحصول على امتياز ترشيح رئيس للوزراء مع أغلبية برلمانية، كان زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، مقصداً شيعياً للتأثير على “نفور” الصدر من البيت الشيعي.
بزيارات لا يعلن عنها رسمياً، يطير الصدر إلى موقع تواجد نصر الله، في لقاء تكشفه تسريبات لاحقاً، يعود بعدها الصدر برضى نسبي عادة ما يقطع تصريحاته الشديدة على الحكومة لفترة.
في زيارة لم يعلن عنها، وكشفت عنها وكالة “إرنا” الإيرانية، زار زعيم التيار الصدري العاصمة اللبنانية في 31 أغسطس/آب 2016، بصورة مفاجئة، بعد خلاف وتصريحات تحذيرية تتعلق “الحشد الشعبي”، ولم تحظَ الزيارة بتغطية إعلامية في مطار بيروت الدولي، كما هو الحال عند وصول “الصدر” لطهران عادة.
وجاءت زيارة “الصدر” لبيروت، بعد أربعة أشهر ونصف الشهر من زيارة مماثلة في أبريل/نيسان 2015، وفي حالة توتر سياسي مشابهة بين الأقطاب الشيعية العراقية، تلاها آنذاك قرار من “الصدر” بالاعتكاف أكثر من شهرين في إيران.
وزار الصدر لبنان مرات عدة، ومن أهمها زيارتان في العامين 2008 و2014، تخللتها محاولات إيرانية للضغط عليه للتوافق مع القرار الشيعي على عدة مواقف سياسية سبق أن عارضها الزعيم “الصدري”، وسط قلق طهران من تشتت الصف الشيعي في العراق مستعينة بحزب الله.
لماذا نصر الله؟
لا يخفى على أحد الدور الذي تضطلع به إيران من خلال أذرعها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، الذي يرتبط أمينه العام بعلاقات متينة مع زعماء شيعة العراق، وعلى رأسهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ولا يبخل الحزب بتوجيهاته للساسة العراقيين الشيعة، إلى جانب قتاله خلف راياتهم.
وتجدد الحديث عن دور الحزب بشكل مباشر في العراق، مع ما كُشف عن دوره في إخماد الحراك الذي قاده “الصدر” للضغط على حكومة العبادي بعد خضوعها لضغوط أمريكية في إيجاد حكومة تكنوقراط، الصيف الماضي، وهو ما شكل خلافاً داخل البيت الشيعي، استدعى تدخل حسن نصر الله لإقناع “الصدر” بـ”الحفاظ على اللُّحمة الشيعية”، في الزيارة التي قام بها “الصدر” لبيروت أبريل/نيسان 2016.
ولم يتوقف دور الحزب على عناصر للتدريب والقتال؛ بل إن النشاط السياسي الشيعي في العراق للحزب فيه دور رئيس، وذلك من خلال زيارات سرية يقوم بها “نصر الله” نفسه للعراق، كُشف عن إحداها في ديسمبر/كانون الأول 2015، زار فيها النجف وكربلاء والمرجعيات هناك، كما أشارت المعلومات إلى أنّه التقى قيادات من “الحشد الشعبي”، وناقش قضايا مهمة، إضافة للقائه “العبادي” الذي توجه إلى هناك من بغداد خصوصاً لذلك الأمر.
سطوة ترامب.. تحول مفصلي
وبدت نبرة الهجوم على إيران وحلفائها لدى الرئيس الأمريكي الجديد، مصدر قلق لافتاً، تواجهه طهران وحلفاؤها، خصوصاً مع قرب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في مايو/أيار القادم، فبعد أشهر قليلة على تولي ترامب للسلطة، يمكن قراءة تصريحاته حول استيلاء إيران المتزايد على العراق، ووصفها بـ”الراعي الأكبر للإرهاب في العالم”، وأخيراً فرض عقوبات اقتصادية على عشرات الشركات والشخصيات الإيرانية رداً على تجربة الصاروخ الباليستي، بأنها مقدمة لترتيب البيت العراقي بين الطوائف النشطة هناك، والتي لا تتم وفق سير العملية السياسية في العراق، إلا بتقويض سيطرة التيارات الشيعية وسطوتها أمام أي تيارات سياسية أخرى منافسة.