السيمر / الأحد 04 . 06 . 2017 — بعد ان تابع (المدار) تحركات الكتل السياسية السنية المحمومة واجتماعاتها العلنية والسرية لتحديد مستقبل السنة في العراق في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الارهابي، وبعد ان توصلنا الى نتيجة بان هناك اختلافات وتقاطعات كثيرة قد تبقي سنة العراق يدورون في دوامة عدم الاتفاق على رؤيا موحدة، اصبح لزاما علينا معرفة رؤية ابناء العشائر السنية في المناطق المحررة لمستقبل هذه المناطق.
وكانت شخصيات وكتل سياسية مشاركة بالعملية السياسية ومعارضة شاركت ، في مؤتمر قيل انه عقد بصورة سرية في العاصمة البلجيكية بروكسل الشهر الماضي، لتحديد مستقبل السنة في العراق في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الارهابي. وتم رفع توصيات اهمها ازاحة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري عن رئاسة الحراك السني، والغاء كافة القرارات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر انقرة الذي عقد قبل مؤتمر بروكسل. ورغم هذا الاصرار من الكتل السياسية السنية والمعارضين للعملية السياسية، الا ان رأي العشائر العربية التي شاركت بقتال تنظيم داعش الارهابي كانت مختلفة بالمرة ومتقاطعة بشكل ينسجم مع ما توصل اليه (المدار) في تحقيقاته السابقة الخاصة بهذا الامر.
فقد اتهم رئيس مجلس اسناد الفلوجة الشيخ عبدالرحمن النمراوي، بعض الكتل السياسية السنية بقتل وتهجير اهل السنة من مناطقهم نتيجة تعاونهم مع داعش، رافضا بالوقت نفسه ان يتم تحديد مستقبل السنة من قبل الكتل والاحزاب السنية المشاركة بالعملية السياسية والمعارضين لها.
وقال النمراوي، ان “الاخطاء السابقة التي وقع بها اهل السنة بوضع ثقتهم بالكتل السياسية لن تتكرر ، اذ من المستحيل ان تعود هذه الكتل لحكم المناطق السنية بعد كل الذي فعلوه من سياسات ادت الى قتل وتهجير السنة من مناطقهم”. واضاف، ان “ابناء العشائر العربية الاصيلة التي قاتلوا داعش مع اخوانهم الشيعة ، سيخوضوا الانتخابات المقبلة بالتحالف مع الشيعة انفسهم، وسيكتسحوا الشارع السني وسيسحبوا البساط من تحت اقدام الاحزاب السنية التي باعت العراق للدواعش وللاجنبي”.
واوضح، ان “الوضع العام في المناطق السنية تغير كليا بعد تحرير المناطق، فالمواطن السني الذي كان يستمع للاحزاب السنية التي تتحدث عن الشيعة بلغة طائفية، عرف من هو اخيه الشيعي الذي احتظنه في وقت الشدة في البصرة والحلة والناصرية وباقي المناطق وكيف تقاسم معه رغيف خبزه ورعاه وكرمه”. وتابع ، ان “المتعاونين مع داعش كانوا يرومون الاضرار بالعراق واثارة الحرب الطائفية ، لكن (رب ضارة نافعة)، اذ ان تجربة داعش الارهابي اصبحت مفيدة جدا للسنة رغم التضحيات، اذ كشف لهم الوجه الحقيقي للاحزاب السياسية السنية التي لا تبحث الا عن مصالحها الشخصية وكانت تحاول تشويه صورة باقي العراقيين بحجة الدفاع المذهبي”.
وحمل النمراوي الاحزاب السنية مسؤولية “المنطلقات السيئة في المرحلة المقبلة ، مشيرا الى عدم سماح اهل السنة ان يكون مصير وتحديد مستقبلهم بيد الاحزاب السياسية التي تعاونت مع داعش، معبرا عن اسفه ، بان “الاحزاب السياسية التي تعاونت مع الارهاب هي نفسها تحكم مناطقنا حاليا”.
الى ذلك اعلن رئيس العشائر المنتفضة ضد داعش الشيخ فيصل العساف، عن تمسك سنة العراق الوطنيين بوحدة العراق، لكنه اشار الى انه اذا تم فرض الفدرالية على المناطق السنية فان من سيديرها هم اهل السنة الذين قاتلوا ودافعوا عن ارضهم وعرضهم، وليس الكتل السياسية. وكانت احدى مقررات مؤتمر بروكسل هو تأسيس الاقاليم السنية في العراق، بشكل مشابه الى حد كبير باقليم كردستان.
وقال العساف ، ان “العشائر السنية لن ترضى ان تحكم مناطقهم الاحزاب السنية المنتفعة اللاهثة وراء مصالحها، فهذه الاحزاب هي السبب الرئيس بسقوط المناطق السنية بيد تنظيم داعش الارهابي”. واضاف، ان “ابناء العشائر السنية الابطال الذين ضحوا بدمائهم هم من يقرر مصير مناطقهم وليس ممن يجوبون العواصم العربية والاوربية لعقد مؤتمرات عن مستقبل السنة في العراق، مشيرا الى ان ابناء العشائر لن يسمحوا بان يحدد مصير اهلهم الاحزاب السنية”.
وتابع، انه “لو كانت الاحزاب والقيادات السنية الباحثة عن فدرالية سنية صادقة بتوجهها وان عملها بمصلحة السنة، كان عليها اولا ان تناقش هذا الامر في داخل العراق وان تقدم الدعوى لكل المجمتع السني، ولا تتخفى وراء طاولات الاجتماعات السرية”. لكن العساف عبر عن اسفه من “موقف الحكومة من الخط الوطني السني المجاهد الذي قاتل داعش وضحى بابنائه”، مشيرا الى ، ان “الحكومة تستضعفنا لاننا لا نملك احزاب سياسية ، لهذا فانها لا تستمع الينا مثلما تستمع لباقي الاحزاب السياسية”.
وافاد العساف، ان ” اعتقاد الحكومة باننا ضعفاء هو اعتقاد خاطيء ، اذ اننا نملك الكثير من اوراق القوة التي تثبت باننا الاولى بتحديد مستقبل السنة ، مشيرا الى انه “واحدة من اوراق القوة هي اننا على اتصال دائم بالامم المتحدة وباقي المنظمات العالمية التي تعتقد باننا نحن من نمثل السنة في العراق”. واكد العساف ، ان “مستقبل السنة لن يكون بيد الدواعش والمطلوبين ومن تلطخت ايديهم بدماء العراقيين ، بل سيكون بيد اهلها الحقيقيين الذين سيحكمون مناطقهم تحت ظل خارطة العراق الواحد الموحد”.
اما الاعلامي والمحلل السياسي نزار السامرائي، فقد ايد ما ذهبت اليه العشائر السنية من رأي بفقدانها الثقة بالاحزاب والكتل السياسية السنية، مشيرا الى ان هذا الامر يمكن ان ينطبق ايضا على الاحزاب والكتل الشيعية. وقال السامرائي لـ(المدار)، ان “ان ثقة اهالي المناطق المحررة بالسياسيين ضعيفة جدا أن لم تكن معدومة وهذا يشمل جميع السياسيين سنة وشيعة، مبينا ، أن “السياسيين الذين يتحدثون عن السنة إنما يقصدون أنفسهم وأتباعهم فقط فهم يناقشون أمورا مثل توزيع المناصب والتوازن الوظيفي والمشاركة بالقرار وهذه أمور لا تهم البسطاء من الناس بقدر ما يهمهم توفير الأمان والدرجات الوظيفية وان تتم معاملتهم بعيدا عن الاتهامات المسبقة بدوافع طائفية أو عرقية”.
واشار السامرائي الى، أن “قوة العشائر التي قاتلت داعش هي مرتبطة بالسياسيين الحاليين بشكل أو آخر ، اذ ان التركيبة السياسية في هذه المحافظات وربما في عموم العراق ترتبط بالتركيبة العشائرية أكثر منها بالتنظيمات السياسية التي هي في غالبيتها تنظيمات عشائرية عائلية تم إعلانها لأغراض المشاركة في الانتخابات”. ورأى ، إن “العشائر التي قاتلت داعش ستدفع بالبارزين من أبناءها للمشاركة في التركيبة السياسية ، وان الآخرون يقبلون بعمل يوفر لهم راتب شهري “.
من الواضح جدا ان الخارطة السياسية في المناطق السنية ستشهد ولوج منافسة قوية بعد النية الواضحة للعشائر السنية بدخول الانتخابات المقبلة وسحب البساط من تحت اقدام الكتل والاحزاب السنية التي مثلتهم على مدى اكثر من 13 عاما.
كما انه من المتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة ظهور قيادات سياسية جديدة تمثل العشائر السنية التي قاتلت داعش، وهذا الامر سوف يصنع خطين في هذه المناطق، الاول هو الخط الحزبي المتعارف عليه، والثاني نستطيع تسميته بـ (المجتمعي) الذي سيمثله ابناء العشائر. لكن المهم بالامر ان الخط المجتمعي سيكون اكثر تفاهما مع الحكومة العراقية وباقي المكونات العراقية في المرحلة المقبلة فيما اذا كان لهم وجود حسي ملموس بعد الانتخابات، لانها اكثر انسجاما مع الوضع الراهن من الاحزاب السياسية السنية التي تنتهج اغلبها نهج المعارضة وتصدر فكرة الاعتراض على اي منطلق ينطلق من الحكومة المركزية.
وهذا الامر سيدفع الحكومة والكتل السياسية الممثلة لباقي المكونات السياسية بتفضيل التعامل مع العشائر السنية اكثر من التعامل مع الاحزاب السنية، وهذا الامر يمكن الى حد بعيد ان يساعد باستقرار العراق في المرحلة المقبلة ، بل سيساعد على استقرار المناطق السنية من الناحية الامنية لانه سوف لن يدع اي مجال بان تخترقه التنظيمات الارهابية مثلما حدث بالماضي، وسيكون مانع نموذجي يحول عن ولادة اي خلايا نائمة يمكن ان تصحوا من سباتها التطرفي لتنطلق بتأزيم الوضع الامني.
لذا ان اعتقاد الاحزاب السياسية السنية والمعارضة بانها هي الممثلة الوحيدة للسنة في العراق يعد خطأ استراتيجي، وان التعويل على بعض الاتصالات بالمنظمات العالمية بهذه الصفة هو خطأ اكبر ، لانه من الواضح ومن خلال سياق هذا التقرير ان العشائر السنية هي الاخرى بدأت تتصل بهذه المنظمات التي بالتأكيد ستقوم بتغيير قناعاتها مستقبلا بمن له الحق بتمثيل السنة بالعراق.
سكاي برس