الرئيسية / مقالات / 105 الفرائض والعبادات والشعائر في الإسلام 3/3

105 الفرائض والعبادات والشعائر في الإسلام 3/3

السيمر / الاثنين 19 . 06 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة الخامسة بعد المئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل» وهذه الأخيرة من ثلاث حلقات حول الحكمة والجدوى من العبادات والشعائر الدينية وبعض الواجبات والمحرمات في الإسلام

الذبح الشرعي ومحرمات الأطعمة
بالغت الأديان، لاسيما الدين اليهودي والدين الإسلامي، بتوسيع قائمة المحرمات للطعام، لاسيما اللحوم، ووضعت شروطا مشددة، وأحكاما صارمة، وطقوسا لذبح الذبائح لما يؤكل لحمه، ووسع المذهب الشيعي بالذات في المحرمات أكثر مما عند سائر المسلمين، فأضاف محرمات، كالأرنب والأسماك غير ذات الصدف، مما له شبيه في الديانة اليهودية. إذا كان الإسلام قد حرم أكل اللحوم للذبائح التي تذبح تقربا لأصنام وأوثان، فهذا تحريم قد تكون له مبرراته، من أجل القضاء على عقائد خرافية، ولكن ألّا يكون لحم الذبيحة حلالا، ما لم تُوجَّه إلى القبلة أثناء الذبح، وما لم يُذكَر عليها اسم الله، وما لم يكن الذابح مسلما، علاوة على ألّا تكون مخدرة، كما يشترط بعض الفقهاء والمفتين لاسيما من السنة، فهذه شروط من الصعب فهم فلسفتها، إلا إذا افترضنا أن الله أوجبها، حينها سنعمل بلا أدنى شك بها، سواء أدركنا الحكمة منها، أم لم ندركها. نعم قد يكون شيئا جميلا أن يستحضر الذابح ذكر الله، باعتباره يزهق روحا لكائن حي، هو مِن خَلقِ الله، وله حق الحياة، إلا أنه يذبحه باستحضار إذن الله له بذلك، ليس من أجل القتل لذات القتل، بل لأن ذلك يعتبر غذاءً له أباحه الله له، مع مراعاة الرفق والرأفة بالحيوان، من حيث عدم إشعاره قدر الإمكان بالألم أو الخوف، وعدم ذبحه أمام أنظار أقرانه، وغيرها. من هنا إذا كان الذبح الشرعي يحرّم تخدير الحيوان، يكون الذبح غير الشرعي أقرب إلى مُراد الله، لأنه أرأف وأرفق بالحيوان من الذبح الشرعي. مع إنه من الجدير بذكره أن أكثر علماء الشيعة لا يقولون بحرمة التخدير، ما زال الحيوان لم يفارق الحياة، هذا مع وجود بعض علماء السنة الأكثر مرونة، ممن يُجوّزون أصلا أكل اللحوم غير المذكاة، أي غير المذبوحة على الطريقة الإسلامية، حيث يمكن التعويض عن ذلك بذكر اسم الله قبل تناول تلك اللحوم، حيث يعتبرون أنهم حققوا بذلك الشرط القرآني بقول «فَكُلوا مِمّا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيهِ»، ويكونون قد انتهَوا عما نهاهم الله عنه، بقول «وَلا تَأكُلوا مِمّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيهِ»، وربما لأنهم رأوا في ذلك تطبيقا للقاعدة القرآنية «يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ»، ولو إن القرآن نفسه لم يلتزم بها في الكثير من تفاصيل الأحكام التي فرضها على المسلمين.

أحكام الطهارة والنجاسة
في الوقت الذي نجد فيه الكثير من المتدينين لا يلتزمون بالنظافة، رغم تكرار ترديدهم للحديث النبوي «النظافة من الإيمان»، فنجد غالبا في المجتمعات ذات الأكثرية المسملة أن غير المسلمين أنظف من المسلمين، وغير المتدينين أنظف من المتدينين، وغير العرب أنظف من العرب، ولو إن هناك من الملتزمين بالنظافة من المتدينين، ومن هم غارقون في القذارة من غير المتدينين، لاسيما في البيئات الريفية، أقول رغم إن النظافة لا تتخذ أهمية مركزية عند متديني المسلمين، إلا أنهم يبالغون بهوس الالتزام بالطهارة الشرعية، واجتناب النجاسة، سواء كانت عين النجاسة، أو المتنجس، أو المشكوك بطهارته، رغم إن الإسلام يقول بأصالة الطهارة، إلا إذا تحقق اليقين من نجاسة أو تنجس الشيء، وبأصالة الإباحة، إلا إذا حصل اليقين من الحرمة، إلا أن أكثر المتدينين، خاصة المتشددين منهم، ينجسون كل ما يشكون تعرضه للنجاسة. ومن أسوأ ما نراه في أحكام النجاسة هو إننا عندما نقرأ مصاديق عين النجاسة في كتب الفقه، فنجد في تلك القائمة الغائط والبول والمني والميتة، والكلب والخنزير، ثم نفاجأ، بل نصدم، بأن نجد في القائمة من هو على غير دين الإسلام، إذ يُعَدّ (الكافر) من مصاديق عين النجاسة، والبعض يستثني أهل الكتاب، والبعض لا يستثنيهم، فما هو يا ترى شعور غير المسلم، أو من ينطبق عليه هذا الحكم، أن يرى اسمه مدرجا مع الغائط والبول والكلب والخنزير؟ وهنا جدير ذكره أننا عرفنا في زمننا فقيها شيعيا واحدا، هو الراحل محمد حسين فضل الله، قال بطهارة عموم الإنسان، وعدّ النجاسة الواردة في القرآن بقول «إِنَّمَا المشركونَ نَجَسٌ …» إنما هي نجاسة معنوية أو اعتبارية، استخدمت بالمعنى المجازي هنا، وكانت له أدلته المتينة والمقنعة في ذلك.

الشعائر الحسينية والمبالغة في الزيارات والمآتم
الشيعة لهم أربعة عشر معصوما، هم النبي، وفاطمة، والأئمة الاثنا عشر، ولكل من هؤلاء الأربعة عشر معصوما يوم ولادة، كما لكل منهم باستثناء الإمام الثاني عشر يوم وفاة، أو يوم استشهاد، علاوة على مناسبات دينية مركزية أخرى، كعيد الغدير، وبالتالي فإنهم في تصوري قد حققوا الرقم القياسي بالمناسبات الدينية من كل الأديان والمذاهب والملل، وفي كل مناسبة تقريبا هناك زيارات، وفي مناسبات الوفاة أو الاستشهاد مجالس عزاء ومآتم وشعائر وطقوس، مما يسبب هدرا هائلا لا يتصور في الأموال، وفي الوقت، والطاقات، وتأثيرا على الاقتصاد والمال العام والنظام العام والحياة العامة، وهذا ما نشهده بصورة مُسِفّة في العراق ما بعد 2003. فضرر هذه الشعائر أصبح أضعافا مضاعفة نسبة إلى فوائدها، إن فرضنا أن لها ثمة فوائد. بالذات الحزن على الحسين يمثل قضية مركزية عند الشيعة، كما يمثل صلب المسيح القضية المركزية عند المسيحيين، فلو ثبت بتحقيق تاريخي عدم حدوث واقعة الطف، وعدم صلب المسيح، لانهارت كلا العقيدتين، أو لأفلستا، أو كادتا تفلسان. وكثير من هذه الشعائر مما يرفضه حتى الكثيرون من علماء الدين للمذهب الشيعي، لكنهم إما لا يجرأون أن يصدموا العواطف الشعبية الملتهبة للعامة من الشيعة، وإما إنهم رغم ما يشخصون فيها من مفاسد، يرون فيها تقوية للمذهب وللولاء، وإما أنها تحقق لهم ثمة فوائد دنيوية. مع إن هناك بعض المراجع والمجتهدين وخطباء ما يسمى بالمنبر الحسيني ممن يتبنون هذه الشعائر الغارقة في التخلف والخرافة. وبعضهم ذهب إلى استعارة عقيدة التخليص المسيحية، ليعتبروا أن الحسين بتضحيته بنفسه، قد غسل ذنوب شيعته وخلصهم من عذاب الآخرة، إذ إن حبهم له ولعموم أهل البيت، وذرفهم الدموع وإقامتهم العزاء، كفيل بأن يشفع لهم يوم القيامة، ولطالما كُفِّر بعض عقلاء وشجعان علماء الشيعة عندما انتقدوا هذه الشعائر، أو بعضها، وخطّأوا تلك العقائد، فاعتُبِروا مارقين عن المذهب، ضالّين مُضلّين. ولطالما كررت في محاضراتي، عندما كنت داعية إسلاميا شيعيا، عندما كنت أقول للجمهور الشيعي الذي أحاضر فيه، إننا كشيعة نعمل عكس ما عمل عليّ الذي ندعي الانتساب إليه، فهو قد جعل الله هو محور ومركز وقطب تفكيره وإيمانه وعبادته، عندما يقول «ما عبدتُّك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، بل وجدتُّك أهلا للعبادة فعبدتُّك»، وعندما يقول «لم أرَ شيئا إلا رأيتُ الله فيه وقبله وبعده»، إذا صحت نسبة الولين له، بينما نحن الشيعة (عندما كنت شيعيا) نجعل أهل البيت هم المحور والمركز والقطب، ونجعل حتى الله فرعا يتفرع عن هذا المحور، فنحبه ونعبده، لأن أهل البيت كانوا يحبونه ويعبدونه، بينما المطلوب هو العكس، ذلك أننا إنما ارتبطنا بأهل البيت بسبب شدة ارتباطهم بالله، وحبهم له، وتعلقهم به، وإخلاصهم له، وهنا أتكلم طبعا عما أسميه بالتشيع الشعبي. ولا يبرأ السنة وسائر الدينيين من سائر الديانات، من رفع ما هو دون الله إلى ما يضاهيه ويُنادِدُه، ويُنافسه، ويُدافعه، مثل رفع (الدين الإسلامي نفسه، والنبي محمد) من قبل المسلمين، ورفع (ابن الله عيسى) من قبل المسيحيين، إلى مستوى الربوبية والألوهية والإطلاق، إما لاهوتيا، وإما عمليا، وكنتيجة.

انتهيت من كتابة البحث في 13/10/2012 في هامبُرڠ

فريضة الإرهاب المسماة بـ(الجهاد)

الجهاد إذا ما درسناه دراسة موضوعية متجردة ومحايدة، فهو لا يعني إلا مقاتلة غير المسلمين، حتى يحقنوا دماءهم بالنطق بالشهادتين، أي بدخولهم الإسلام، خاصة إذا لم يكونوا من أهل الكتاب، وإلا فتكرّم الإسلام على اليهود والنصارى، إذ خيّرهم بين دخول الإسلام أو القبول بأن يكونوا مواطنين بدرجة ثانية، باعتبارهم من أهل الذمة، مع وجوب دفعهم للجزية وهم صاغرون مُذَلَّون. وذهب معظم فقهاء الشيعة إلى أن الجهاد لا يجب إلا كجهاد دفاعي لا ابتدائي، وإلّا على نحو الواجب الكفائي، لا الواجب العيني. وتخلى معظم معتدلي فقهاء المسلمين من كل المذاهب عن الجهاد الابتدائي، أي جهاد الفتح والغزو ابتداءً ضد غير المسلمين، لأن هذا أصبح غير ممكن مزاولته من جهة، ومن أجل تجميل صورة الإسلام من جهة أخرى. وقال الشيعة بأن صلاحية إعلان الجهاد الابتدائي محصورة في المعصوم فقط، وبما أن المعصوم هو إما الرسول أو أحد أئمتهم الاثني عشر، وبما أن الرسول وأحد عشر إماما لم يعودوا على قيد الحياة، انحصرت صلاحية إعلان الجهاد الابتدائي في الإمام الثاني عشر الغائب، وذلك عندما يظهر، والذي ينتظرون ظهوره منذ أكثر من أحد عشر قرنا بحساب السنين الشمسية، وسيظلون ينتظرونه إلى الأبد، أو حتى غياب الأديان من وجه كوكب الأرض. وكثير من فقهاء السنة، لاسيما السلفيون يعتبرون فريضة الجهاد لا يسقط وجوبها، تماما كالعبادات الواجبة، مثل الصلاة والصيام والحج. نعم ذهب بعض المعتدلين، إما إيمانا منهم بذلك، وإما ادعاءً بهدف تجميل صورة الإسلام، بأن المقصود بالجهاد بالدرجة الأولى هو الجهاد الأكبر، أي مجاهدة النفس من أجل تزكيتها وتهذيبها وتقويمها. مع العلم إن الجهاد بهذا المعنى لم يرد أبدا في القرآن، بل هم يعتمدون على حديث نبوي واحد، لا يُعلَم مدى صحته، ولكن حتى مع ثبوت صدوره عن محمد، فهو ليس إلغاءً لفريضة الجهاد بمعنى مقاتلة الكفار أي غير المسلمين.

11/11/2016

اختلال الأولويات في الأحكام الشرعية

عندما نلقي نظرة على الأحكام الشرعية للدين الإسلامي، وترتيبها في كتب الفقه، بدءً بأحكام الطهارة والنجاسة، ثم أحكام الصلاة، ثم أحكام الصيام، وهكذا، وكل تفصيلاتها المملة، ونحاول أن نتجرد عما ألفناه، واعتدنا عليه، سنكتشف خللا كبيرا في الأولويات والأهميات. لو كانت الشريعة هي شريعة الله، لتصورنا ترتيبا آخر للأولويات.
من أجل أن يكون الدين إنسانيا وتشريعاته إنسانية، كان يفترض في تقديري أن يبدأ التشريع بالنواهي (المحرمات)، قبل الأوامر والفروض والواجبات. فالمهم عند الله في تقديري، لا أن يعبده المؤمن به بصلوات وعبادات وأذكار وتهجدات، بل المهم عنده أن ينهاه أولا عن الموبقات. لا أعني هنا بالموبقات أو محرمات الله، التي هي محرمات الدين، كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، فليست هذه هي المخالفات التي يهتم الله بها بدرجة أساسية، إنما كان الله سيؤكد على حرمة القتل، ثم حرمة الظلم والعدوان، وحرمة الرق، وحرمة العنف، وحرمة الكذب، بما في ذلك متفرعا عنه حرمة الغش والتزوير وشهادة الزور. وإذا ما فرغ من تأكيد محرماته، وانتقل إلى الفروض والنوافل، كان سيؤكد على الإنفاق، ووجوب مساعدة المحتاج إلى مساعدة، من أي نوع كانت، وكان سيؤكد على الصدق، والقسط والعدل والإنصاف، وعلى العفو والتسامح، وعلى إفشاء السلام. لو كانت مواعظ الدعاة إلى الدين عبر هذه القرون قد ركزت على السلوك الإنساني، والتحلي بالأخلاق، لكانت قد أفلحت في صياغة إنسان، كما يحبه الله، لا يكون جهولا، ولا يكون ظلوما، كي يكون أهلا لحمل الأمانة، تلك التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال والبحار والكواكب والنجوم والمجموعات الشمسية، وأشفقن منها، كما عبّر القرآن تعبيرا مجازيا، ولم يكن ذا أهلية لحملها غير الإنسان، لكونه الكائن الوحيد على كوكبنا الذي امتلك شروط المسؤولية ومؤهلات حمل الأمانة، بشرط ألا يكون ظلوما، عبر سقوطه أخلاقيا، وألا يكون جهولا، عبر انحداره معرفيا.

09/11/2014 – هامبُرڠ

اترك تعليقاً