الرئيسية / مقالات / 106 الإشكال على لبس العمامة من منظور شرعي

106 الإشكال على لبس العمامة من منظور شرعي

السيمر / الأربعاء 21 . 06 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة السادسة بعد المئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل
وأنا أعدّ هذا الكتاب، تذكرت أني كنت في الفترة بين 2006 و2008 أكتب مقالات سياسية ناقدة بشكل خاص للإسلام السياسي وقواه السياسية ورموزه باسم مستعار (عطاء منهل)، حيث كنت أكتب تحت هذا الاسم بعض ما كنت أراه متجاوزا للخطوط الحمراء التي قد تعرضني للخطر، ولكني كففت عن الكتابة بهذا الاسم، بعدما أخذت أكتب أكثر ما كنت أكتبه تحت ذلك الاسم، وبما يقترب من نفس درجة الإفصاح، باسمي الصريح. فراجعت ما كتبته عام 2007 فوجدت مقالتين يصلح إدراجهما في كتابي هذا، الأولى في 10/01 بعنوان «مدى المخالفة الشرعية في لبس العمامة»، والثانية في 17/05 بعنوان «سيرة المعمم بين رياءين». كان ذلك في نهايات مرحلة اعتمادي لـ(تأصيل مرجعية العقل)، حيث انتقلت في تموز من نفس السنة إلى (المذهب الظني)، وفي تشرين الثاني إلى (عقيدة التنزيه). عملت على دمج المقالتين، بحذف المكرر في الثانية، ولكن دون تغيير في العبارات التي حتّمها إيماني بالإسلام آنذاك وفقا لمذهب (تأصيل مرجعية العقل)، التي امتدت لعقد من الزمن من 1997 حتى تموز 2007، كما سأضع الإضافات والتعليقات اللاحقة بين مضلعين [هكذا]. ولا أخفي أني لبست العمة من 1997 حتى ما قبل خريف 2004، فالنقد موجه بهذه الحدود إليّ شخصيا أيضا، وإذا برأت نفسي من كوني كنت أعي الإشكالات المسجلة هنا على لبس العمامة، فبمثله أبرئ من لا يعي هذه الحقائق من عموم المعممين، لاسيما العقلانيين والإنسانيين منهم، الذين أحترم عقلانيتهم وأحب إنسانيتهم، وإن كنت لا أحب زيهم وما سواه. وليس للتبرير لنفسي، بل فقط لبيان حقيقة، هو أن سببين أساسيين دعياني للبس العمامة آنذاك، هما كثرة المعممين المتخلفين الذين كانوا يعتلون منبر الخطابة والنعي وإلقاء المحاضرات، والثاني وجدت إن العِمّة يمكن أن تكون مفتاحا إلى أذهان أوساط المتعلمين من المتدينين، كي أوصل إليهم فهمي الإنساني والعقلاني للإسلام.

مدى المخالفة الشرعية في لبس العمامة
قبل أن أبدأ بهذا الموضوع الذي أرجو أن يُنظَر إليه بعين الجدية والموضوعية، بعيدا عن تقديس الماضي، وكذلك بعيدا عن الحساسية المُفرطة تجاه المعممين من جهة، وتجاه الناقدين للمؤسسة الدينية من جهة أخرى.
كما أقدم مقدمة ثانية، ألا هي إني أعتذر من أصحاب الفضل من المعممين؛ أعتذر بشكل خاص من الأتقياء منهم، إذ لا بد لي من أن أحترم تقواهم، ومن العقلاء منهم، إذ لا بد لي من أن أطأطئ رأسي لعقلانيتهم، وأعتذر للمتنورين والمجددين منهم، إذ لا بد لي من أن أنسجم مع روح التنوير وأجلّ نَفَس التجديد.
بعد هذه المقدمتين أرجو من القارئ أن يصبر معي، قبل أن أحاول أن أزيل دهشته، أو أشبع فضوله. فإني ومن زاوية فهم شرعية بالدرجة الأولى، وعقلائية بدرجة ثانية، وصلت بحق إلى قناعة، أجد نفسي مطمئنا أن ألقى بها ربي يوم القيامة [يوم كنت أؤمن بثمة يوم قيامة، وإن كنت الآن أؤمن بالجزاء، ولكن وفق تصورات الأديان]، بمخالفة لبس العمامة لروح الشريعة [التي كنت ما زلت أؤمن بإلهيتها وقت كتابة هذه الأسطر]، ولسيرة العقلاء التي اتخذها علم أصول الفقه كواحد من ركائزه الأساسية. وسنبحث سوية عن أسباب المخالفة الشرعية المُدَّعاة من قبلي من جرّاء ارتداء ما يُسمّى بزي العلماء، أو طلبة العلم، أو الرَّوحانيين حسب مصطلح حوزة قم.
أستند في دعواي بمخالفة العِمَّة للشريعة إلى أربعة أدلة أساسية، هي المخالفة لسُنة الرسول وأهل بيته، والمخالفة للسيرة العقلائية بمخالفة ذوق وروح العصر، ومجانبة الحكمة، ثم المخالفة من حيث أنها تعبر عن لون من ألوان السلوك الذي يقع في دائرة الرياء، كما سيتبين لنا، وأخيرا المخالفة بعدم العمل بحث رسول الله [حسب عقيدة المسلمين] بوجوب جَبّ الغيبة عن النفس.

1. مخالفة السنة النبوية وسيرة المتقدمين:
الكل يعلم، والخطباء والوعاظ يرددون دائما، عندما يتناولون سيرة الرسول [رسولهم]، بأنه كان يلبس لباس زمانه، ولباس قومه. والاتباع الصحيح للسُّنة كما نعلم هو ليس اتباع شكل السنة، بل روح ومبادئ وجوهر السنة [حسب مبناي آنذاك باعتماد الجوهر دون الشكل]، فليست القضية أن ندرس في كتب السيرة كيف كان يلبس الرسول، فنُفصِّل لأنفسنا نفس اللباس. بل علينا معرفة ما هي الأسس التي قامت عليها طريقة ملبس النبي، فنستخلص من ذلك أنه اعتمد مجموعة مبادئ في الملبس، كما في بقية سلوكياته، هذه المبادئ هي النظافة، والبساطة، واجتناب ما يوحي بالتكبر والخيلاء، واجتناب البذخ المبالغ به والإسراف، وحسن الذوق الخاص، مع مراعاة الذوق العام، وكذلك مع مراعاة البيئة والطقس والجانب العملي، وكذلك الوقار والأناقة. ثم هو قبل وبعد ذلك لبس كما ذكرت بادئ بدء لباس قومه، فلم يستحسن لباس قوم آخرين ويتزيَّ به، كما إنه لبس من لباس قومه لباس الزمان الذي عاش فيه، ولم يستحضر تاريخ جده إسماعيل، ليلبس ما لبسه إبراهيم وإسماعيل. أما هذه العِمَّة والجبة أو الصاية والعباءة بأشكالها التي يلبسها المعممون، فكل ذلك يمثل لباسا من خارج الزمان، كما يشذ عما يلبسه سائر المجتمع. وهذا يؤدي إلى تَميُّزهم عن بقية الناس، وهنا تأتي المخالفة الثانية لسنة الرسول، وهي مخالفة في العمق، لأننا دائما نقول في خطبنا ومواعظنا بأن الرسول لم يكن ليتميز عن غيره من الصحابة، حتى أن القادمين من أطراف الجزيرة ممن لم يكونوا قد رأوا الرسول، لم يكن بمقدورهم عند حضورهم مجلسه لأول مرة أن يتعرفوا عليه. فالله [حسب ما ورد في قرآن محمد] كان يؤكد للرسول «قُل إِن أَنَا إِلّا بَشَرٌ مِّثلُكُم»، وكان كما يصفه القرآن في معرض إنكار القرآن لمن لم يتقبل أن يكون نبي مرسل ممن «يَأكُلُ الطَّعامَ وَيَمشي في الأَسواقِ»، ويركب الدابة كأي إنسان آخر في المجتمع. إذن لا معنى من الناحية الدينية أبدا للعمة والجبة، لأنهما ليسا من لباس هذا الزمان، ولأن بهما يتميز ما يُسمّى برجل الدين عن غيره من أبناء المجتمع، بعكس ما كان يفعل النبي والأئمة من أهل بيته، وكذلك أئمة المذاهب والفقهاء المتقدمون.

2. مخالفة السيرة العقلائية:
السيرة العقلائية ركيزة من ركائز علم أصول الفقه كما نعرف، ونعرف أيضا إن السيرة العقلائية متغيرة من زمان إلى زمان. ولبس العمة وما يرتبط بها من لباس غريب، مخالف للسيرة العقلائية، من حيث أنها لا تنسجم مع ذوق وروح هذا العصر، وبالتالي يكون لبسها مخالفا للحكمة، التي ينبغي أن تكون ضالّة المؤمن كما في الحديث النبوي.

3. المخالفة الشرعية لعلاقتها بالسلوك الريائي:
وهذه هي المخالفة الكبرى من مجموع المخالفات. ولا أتهم بذلك والمعاذ بالله الفقهاء والعلماء وأهل الفضل والخطباء بالرياء من حيث النية والقصد، ولكني أريد أن أنبّه إلى أن لبس العمة من حيث النتيجة، لا من حيث النية، هو لون من ألوان السلوك الذي يقع في خانة الرياء [الذي وقعت فيه من حيث لا أعي يومئذ لسبع سنوات 1997 – 2004 قبل أن أتوب]. سيُسأل هنا وكيف يكون ذلك؟ فأجيب بأن هذا الزيّ كما هو معروف عُرفا وكما يُعبَّر عنه غالبا يمثل (زيّ التقوى والعلم). إذن إني عندما أضع العمامة فوق رأسي، التي يحلو للبعض [في أوساط شيعة العراق] أن ينعتها تجنيا بتاج رسول الله، إنما أدعي عندها ضمنا بأني من أهل العلم من جهة، ومن أهل التقوى من جهة أخرى. وواضح إن من يقول للناس – ولو بمظهره – لا بلسانه – ولسان الحال أبلغ من لسان المقال -؛ من يقول عن نفسه بأنه عالم، وبأنه مُتَّقٍ، يقال عنه بالضرورة إن قوله هذا عن نفسه إنما هو رياء، والرياء كما نعلم هو من المعاصي الشرعية المؤكدة. يكون ذلك مجرد رياء – وكفاه مخالفة شرعية – إذا صحت هذه الدعوى عن النفس، ثم هي تعبير عن التكبُّر، والتكبر هو الآخر من أمقت ما يمقته الله سبحانه، أما إذا كانت الدعوى مخالِفة للواقع كما هو الحال مع الأغلبية الساحقة من المعممين، فهو كذب وغش للناس، وما أعظمهما من معصيتين. والله يقول [أو هكذا ينسب القرآن القول إليه، وهو قول يناسب الذات الإلهية المقدسة، وإن كان القرآن حسب عقيديت ليس منه]: «لا تُزَكّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعلَم بِمَنِ اتَّقى»، فكيف يستطيع إنسان أن يتجاوز ويتجرأ على الله، ويدعي أنه من أهل العلم، ومن أهل التقوى؟ تأملوا رجاءً في هذه المفردة جيدا جدا.

4. المخالفة بجلب الغيبة وسوء الظن على الذات:
هنا أتوقف عند ظاهرة ربما لم تكتمل ملامحها بعد، ولكنها بدأت في الظهور، وهي في حالة نموّ مطِّرد سيتسارع مع الوقت، وقد اتسعت دائرة هذا الوعي في بعض مناطق بلاد المسلمين. ذلك أن عموم العقلاء والواعين والمعتدلين، والكثير من هؤلاء هم من المؤمنين بالدين والملتزمين، أصبح لهم من الواضح بأن الحالة الغالبة لواقع المعممين هي سلبية أكثر منها إيجابية، فلهاث الكثير منهم وراء المال، أو وراء الشهرة ووراء المديح الباطل، وشعوذة وخرافية الكثير منهم، وجهل الكثيرين في مجال اختصاصهم، ناهيك عن جهلهم في الثقافة العامة، (وقد قال عن مثل هؤلاء المرجع الراحل محمد حسين فضل الله: إن واحدهم يقضي سنتين في الحوزة العلمية، فيقول عن نفسه إنه عالم، وهو لم يستطع في هاتين السنتين أن يتعرف على مستوى جهله)، وغياب الوعي الاجتماعي عند الكثير منهم، وتسييس المُتَسَيِّسين منهم للدين، بما ألحق بالدين وبالمجتمع من الضرر، ما هو فادح وخطير، واستعلاء الكثير منهم على الناس، باعتبار أنفسهم طبقة متميزة، وتسمية بقية الناس بالعوامّ، تقليلا من شأنهم، والترويج للتطرف السياسي، أو الغلو الديني أو المذهبي، كل هذا سيزيد من الصورة المنفِّرة للمُعمَّم في المجتمع. ولذا، ومن قبيل أن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم، فإن من الواجب أن يلتزم الإنسان المؤمن بالإسلام بنصيحة نبيه «رحم الله من جبّ الغيبة عن نفسه»، وهذه نصيحة إلى العقلاء والواعين والأتقياء من المعممين، أن عودوا أفرادا عاديين في المجتمع من حيث مظهركم، وليتعرف عليكم الناس بالتعرف على جوهركم ومحتواكم بالخبرة والتجربة والمعايشة، فمن كان منكم ذا علم، سيكتشف الناس علمه بعد حين، ليستفيدوا منه [كما إن الطبيب الحاذق والمهندس البارع وعالم الفيزياء المتميز لا يحتاجون إلى لباس خاص يشير إلى كفاءاتهم المتميزة]، ومن كان ذا تقوى، فيكفيه أن يعلم الله سبحانه وتعالى منه تقواه، فتكون تقواه شفيعته عند ربه «يَومَ لا يَنفَعُ مالٌ وَّلا بَنونَ إِلّا مَن أَتَى اللهَ بقَلبٍ سَليمٍ».
إنها مسألة تستحق وقفة تأمل ومراجعة بتجرد وموضوعية، لم أنطلق فيها من حساسية مفرطة تُفقدني والمعاذ بالله موضوعيتي، بل – إن شاء الله ولا أزكي نفسي – من حرص على الدين [لا أقل وقت كتابة هذه المقالة]، وعلى المجتمع، وعلى مستقبل الوطن والإنسانية والإسلام، الذي نريده [أو هكذا كنت أريده] إسلاما مدنيا كما يرى المفكر أحمد القبانجي، لا إسلاما سلفيا متحجرا، ولا إسلاما محافظا متقولبا بقوالب جامدة، ولا إسلاما أصوليا متطرفا، بل ليكن إسلاما إنسانيا عقلائيا ديناميكا، يتحرك بمرونة مع متغيرات العصر، فيما هي عناصره المتغيرة. أقول هذا، وأستغفر لي، وللمعممين وغير المعممين، وللمسلمين، للإسلاميين منهم وللعلمانيين، ولعموم الطيبين والخيرين والإنسانيين من أي دين، ولكل من آمن بمُثُل الخير، حتى لو لم يتعرف على بعض مفردات الحقيقة، فيما يمثل الحقيقة عند الله، فيما لا يملك أحد دعوى معرفتها بالمطلق واليقين.

10/01/2007

سيرة المعمم بين رياءين
كتبت في 10/01/2007 مقالا تحت عنوان «مدى المخالفة الشرعية في لبس العمامة»، بينت بأدلة شرعية وعقلية أن التزيّي بما يسمى بزيّ العلماء، أو من يسميهم البعض بـ «رجال الدين»، أو «الروحانيين»، حسب تسمية الإيرانيين، أو «المشايخ»، كما يُسمَّون في لبنان، أو «الطلبة»، أو «طلبة العلم»، حسب المصطلح فيما يسمى بأجواء الحوزة الشيعية، أو «المْوامْنة» حسب ما تسميهم بعض المناطق العراقية الشعبية في الجنوب. المهم أقصد بهم «المعمَّمين» عموما، سواء كانوا من الطلبة المبتدئين، أو من يُسمَّون بـ «أصحاب الفضل»، أو«المراهقين على الاجتهاد» أو كانوا من «المجتهدين»، أو «المراجع». ولخصت أدلتي على المفارقة الشرعية في لبس العمامة بأربعة أدلة شرعية.
وفصلت هذه الأدلة في وقتها، لذا أستغني عن التفصيل ثانية، حيث يمكن لمن يرغب أن يرجع إلى تلك المقالة، كما يمكن إضافة أن لبس هذا اللباس هو نوع من الاستغراق في الشكل دون الجوهر. والاهتمام بالشكل دون الجوهر أو أكثر بكثير من الجوهر مرض مستشر في جُلّ المجتمعات الشرقية، ويتمظهر بمظاهر متعددة وعديدة تكاد تكون لا حصر لها، وعلى مختلف الأصعدة، والدين أبرزها.
وأردت هنا العودة إلى دليلي الثالث على المخالفة الشرعية في لبس العمامة، وهو دليل الارتكاب الضمني لمخالفة الرياء. فإن المعمم يبدأ حياته الدراسية بالرياء، ويختمها بالرياء. فهو بمجرد دخوله الحوزة العلمية، ولما يزل في المراحل الأولى من دراسته يلبس الجبة أو الصاية والعباءة والعمة، وبعضهم يلبسها لكونه مُغنيّا شرعيا ذا صوت شجي، أي كما يعبر عنه خطيبا للمنبر الحسيني، يجيد النعي بأطواره، أي ألحانه المتنوعة بالفصحى، التي لا يتقن قواعدها أكثرهم، والعامية، ويجيد إبكاء الناس، حتى لو لم يكن له أي تحصيل علمي. وعندما يلبس كل ما ذكرته، إنما تصدح جبته وعباءته وعمامته صارخة كلها بلسان الحال: «أيها الناس، إني من العلماء، ويا أيها الناس، إني من الورعين الأتقياء». أفليس هذا بالرياء؟ ثم يواصل حياته المعممية، وما أن يبلغ ما يسمى بمرتبة الاجتهاد، حتى يتوّج مسيرته الريائية بأعلى مراتب الرياء. تقول الآن وكيف ذاك؟ نحن نعلم إنه إذا ما بلغ شخص ما مرتبة الاجتهاد، لم يجُز له، حسب الفقه الشيعي، من تلك اللحظة التقليد، بل لا بد له من أن يعمل باجتهاده. ولحد هذه المسألة لا نجد أية مشكلة في ذلك. ولكن هنا يضاف إلى كونه لم يعُد يجوز له التقليد، هو أن يجوز لغيره أن يقلّده. وبمجرد وجود مقلدين له، جاز تسميته بالمرجع، أي مرجع التقليد الذي يرجع إليه غير المجتهدين ممن يرون فيه الأهلية. وأغلب المجتهدين الشيعة باستثناء القلة النادرة جدا جدا (محمد حسين فضل الله مثالا)، يرون عدم جواز تقليد غير الأعلم. انظر هذا الرجل أصبح اليوم مجتهدا، وبمجرد بلوغه هذه المرتبة، يقول لمن يريد أن يقلده إن العمل بفتواه أي تقليده مبرئ للذمة، وفي نفس الوقت يفتي بوجوب تقليد الأعلم، وبالتالي، فبمجرد بلوغه مرتبة الاجتهاد يدعي ضمنا أنه أعلم من كل السابقين له في الاجتهاد منذ عقود من الزمن، قد تبلغ عقدين أو ثلاثة أو أربعة، وحتى أعلم من كل أساتذته. فأنبئوني كيف يكون لون الرياء والغرور والوهم بعد كل هذا؟ ولو من حيث لا يشعر الكثيرون منهم بذلك، ولا يلتفتون إلى هذه الحقيقة.
فعجب لأمة تقوم لأشد المرائين رياءً، إجلالا وتعظيما وتفخيما لهم، كما قامت الأمم السالفة للقياصرة والأباطرة، وتلثم أياديهم تقبيلا معبرة عن التذلل والخنوع والخضوع لهم، وتقلدهم شؤونها الكبرى، وقيادة مسيرتها، وتقرير مصيرها في حاضرها ومستقبلها، في سلمها وحربها، في عامّها وخاصّها، وتسلم لهم مفاتيح الولاية والوصاية والقيادة، فيكونون سادتها الذين تدين لهم بالرق والعبودية.
فمتى تعي الأمة، أو لنقل هذه الشعوب، أن تديُّنها وتقواها واستقامتها لا يكون من خلال اتباع رهبان وأحبار المسلمين، الذين لا يختلفون عن رهبان وأحبار السوء الذين وصفهم القرآن، فلا رهبان وأحبار وكهنة الأديان الأخرى كلهم سيئين، ولا رهبان وأحبار وكهنة المسلمين سنة وشيعة أكثرهم جيدين.
علينا، إذا كان لا بد أن نلتزم بالدين، أن نبحث عن جوهر الدين [واليوم أقول جوهر الإيمان منذ حسمت التفكيك واللاتلازم بين الدين والإيمان]، بعيدا عن اتباع المعممين وأحزاب تسييس الدين، فربما عندها سنجد [إن كان لا بد للبعض من دين] دينا أنقى وأطهر مما وجدناه عند هؤلاء. فهل سنعي قريبا هذه الحقيقة؟ وإلا فما زلنا قد سلمنا لحانا وشواربنا وأعناقنا وعقولنا وقلوبنا وسياساتنا وأوطاننا ومصائرنا ودنيانا وآخرتنا لهؤلاء، فلن ننتقل من حالنا هذه المزرية والمتردية والمتخلفة والمحزنة والمخجلة، إلى حيث أراد الله لنا، أو للمسلمين، إذا سلّمنا بإلهية الإسلام والقرآن، لنكون [أو ليكون المسلمون] شهداء على الناس كما كان الرسول عليهم شهيدا، بحسب النص القرآني الذين يؤمنون به وحيا من الله. [وخير للبشرية أن يكونوا مؤمنين من غير دين، أو يكونوا غير مؤمنين، أو لاأدريين، على أن يكونوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا إنسانيين وعقلانيين].

17/05/2007

اترك تعليقاً