السيمر / الأربعاء 12. 07 . 2017 — تستند بعض الشعوب إذا ما أرادت الاستقلال عن الاتحاد وفي ظروف معينة، على الأساس الدستوري، الذي يقيد حركة الدولة ويضبط ايقاعها، مثلما حدث مع جنوب السودان الذي حصل على الاستقلال بناء على استفتاء ناجح كفله الدستور السوداني بعد حرب التحرير التي دامت أكثر من عقدين.
الشيء نفسه حصل بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي، إذ انفصلت سبعة جمهوريات فدرالية وأعلنت استقلالها وفقا للدستور اليوغسلافي الذي كان يضمن الانفصال.
وتنشغل حكومة إقليم كردستان منذ أشهر بالتمهيد لإجراء استفتاءها المصيري الذي يحدد استقلاليتها من عدمه.
يحدث هذا في ذات الوقت الذي تشهد فيه محافظة نينوى الحدودية بين حكومة العراق الاتحادية والأمتار الأولى لأرض الإقليم، معاركا ضارية مع تنظيم داعش، حيث تتوغل القوات العراق إلى آخر أحياء الموصل، فيما تلتزم قوات البيشمركة الكردية بحدودها محافظة على تقدمها، وعيونها تتطلع للسيطرة على سنجار، لكن انتشار قوات الحشد الشعبي الممتدة حتى غرب المدينة والحدود مع سوريا، يحول دون ذلك.
الأحزاب الكردية في إقليم كردستان، لم تستطع الانتظار في إعلانها لقرار الاستفتاء، بعد أن تتحرر الموصل بالكامل، ويشهق العراق أنفاسه، بعد حرب استمرت لأكثر من عامين ونصف، فقد اتفقت، يوم الأربعاء الماضي 7 يونيو 2017، على إجراء الاستفتاء الشعبي على مصير الإقليم في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل.
حيث كشفت القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني أشواق الجاف، الخميس الماضي، لـ”عين العراق نيوز”، عن ان الاتفاق الذي جرى بين الأحزاب الكردية على تشكيل مجلس أعلى برئاسة رئيس الإقليم مسعود بارزاني وبعضوية الأحزاب الكردستانية للإشراف على استفتاء استقلال إقليم كردستان، والذي أكد على “ضرورة تفعيل برلمان الإقليم قبل حلول موعد إجراء الاستفتاء إلى جانب حل الأزمة الاقتصادية”، فيما دعت كتلة التغيير والجماعة الإسلامية إلى “إنهاء مقاطعة الاجتماعات والمشاركة فيها نظراً لكونها تخص القضايا القومية للمواطن الكردي ولا تخص القضايا السياسية”.
الرفض السريع لاجتماع الأحزاب الكردية ومخرجاته، بدا جامحا من كتل سياسية وأحزاب، واصفة إياه بالخطوة التي تقود إلى التقاطع والانقسام.
أولى الكتل الرافضة، كانت كتلة الفضيلة البرلمانية، حيث ذكر رئيسها عمار طعمة، في بيان تلقته “عين العراق نيوز”، “في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي يواجهها العراقيون وتقلبات المنطقة وتوتراتها المتزايدة نجد الالتزام بوحدة العراق وتعزيز تماسك مكوناته وتجنب أي قرار أو خطوة تقود للانقسام والتقاطع والنزاع أمر في غاية الضرورة وتفرضه معطيات الواقع، وانطلاقا من هذه الحقيقة نعلن رفضنا لقرار بعض القوى السياسية الكردية بالتمهيد لاستفتاء حول استقلال الإقليم”، مشيرا إلى أن الاستفتاء “يفتقد المستند الدستوري والمبرر القانوني”.
ويؤكد الخبير القانوني طارق حرب، ما جاء به طعمة، حيث أوضح حرب لـ”عين العراق نيوز”، أن “كردستان لا تملك مقومات الدولة، وان انفصالها عن بغداد يؤدي الى ضياع المليارات التي يحصل عليها الإقليم سنويا من١٧ بالمائة الى جانب رواتب رئيس الجمهورية والوزراء والنواب والدرجات الخاصة إذ للإقليم الثلث من المناصب على الرغم من كونه يشكل ١٥ بالمائة من السكان”.
وعن غياب المبرر القانوني لإجراء الاستفتاء، أكمل حرب أن “المرجعية السياسية والقانونية التي يجب الرجوع إليها هو الدستور العراقي وان مثل هذه المسائل لا يمكن أن تخضع لإرادة الإقليم فقط، فهي مسألة وطنية تهم العراق بأكمله وليس اربيل فقط ولا بد أن تكون من اختصاص الحكومة الاتحادية في بغداد والتي تمثل العراق، إما حكومة الإقليم فهي تمثل جزءا من العراق”.
وهذا ما يعمل به يهذب اليه رئس الوزراء حيدر العبادي مع رأي الإقليم العازم على الاستفتاء، بأن “العراق يستند إلى الدستور كمرجعية لتحديد العلاقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان”.
جاء ذلك في بيان صدر عن المكتب الإعلامي للعبادي، تلقته “عين العراق نيوز”، أكد فيه على أن “اي قرار يخص مستقبل العراق يجب ان يراعي النصوص الدستورية، فهو قرار عراقي ولا يخص طرفا دون غيره”، مشددا على انه “يجب ان يكون لجميع العراقيين كلمتهم بخصوص مستقبل وطنهم، ولا يمكن لاي طرف تحديد مصيره بمعزل عن الآخرين”.
العبادي، الذي يتعكز على الدستور في تعامله مع كردستان، بحث، اليوم السبت، مع مسعود بارزاني في اتصال هاتفي تلقاه الأول من الثاني، الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلد، إضافة إلى سير المعارك في الموصل والانتصارات المتحققة واستمرار التنسيق العالي بين القطعات العسكرية ومن ضمنها قوات البيشمركة لإكمال تحرير بقية المناطق والقضاء على تنظيم داعش، وجرى خلال الاتصال “التأكيد على أهمية وحدة الصف والابتعاد عن كل ما يؤثر على إدامة زخم الانتصارات المتحققة، حيث اقتربت القوات البطلة من تحقيق الانتصار النهائي على الإرهاب وإعادة الاستقرار للمناطق المحررة، ما يتطلب بذل المزيد من الجهود في هذا المجال”.
دون التطرق لما تخطط له الأحزاب الكردية، أو ذكر مفردة “الاستفتاء” على الأقل.
ولم يتوفر حتى الآن، ذلك التأييد الذي يحلم به بارزاني، لا من داخل العراق، سيما من عدوه اللدود المتمثل بكتلة التغيير التي أكدت على لسان نائبها في البرلمان مسعود حيدر، ان “برلمان إقليم كردستان يجب ان يكون هو المرجع لقضية الاستفتاء وهذا هو مطلبنا الرئيسي”، مبينة أن “الموضوع الأهم للاستفتاء هو دراسة الوضع الداخلي للإقليم والوضع العراقي وحتى الظروف الإقليمية والدولية”.
كذلك الحال، مع تركمان العراق، أصحاب الموقف الأزلي المعارض لقرارات بارزاني وتطلعاته.. فقد تساءل رئيس الجبهة التركمانية، ارشد الصالحي، اليوم السبت، في تصريح لـ”عين العراق نيوز”، عن ان “حكومة اقليم كردستان تقول انها تريد الانفصال عن العراق، ولا نعرف إذا كانوا يريدون الانفصال عن العراق بمحافظاتهم الحدودية الإدارية الثلاثة ام أنهم يريدون ابتلاع مناطق اخرى وتحول الى مناطق كردستانية؟”، مبينا ان “على الإقليم بحث هذه القضية مع حكومة بغداد بشكل شفاف وليس عبر بيانات إعلامية، واذا كان الآمر بهذا النهج الذي ينتهجه الإقليم فأنه تفتيت لوحدة البلاد”.
ولم تكتف الكتل السياسية، بإيضاح عدم شرعية الاستفتاء، بل رأت أخرى قرار الاستفتاء “مؤامرة لتأمين إسرائيل”.
ففي بيان صدر اليوم عن نائب كتلة مستقلون البرلمانية صادق اللبان، وصف فيه استفتاء الأكراد الهادف للانفصال عن العراق بالمؤامرة الصهيونية، داعيا الشعب الكردي إلى ان يكون موقفه وطنيا من هذا الإجراء.
كتلة بدر النيابية، اكبر الكتل وأهمها في مجلس النواب، رفضت فكرة الاستفتاء وشددت على ضرورة الابتعاد عن “الديكتاتورية”.وأكد النائب عن الكتلة رزاق الحيدري، لـ”عين العراق نيوز”، على “ضرورة الابتعاد عن الديكتاتورية في حكم كردستان”، مبينا أن “قضية الاستفتاء الكردي إذا حصل، فلابد أن يكون بإشراف الحكومة المركزية”.
الحشد الشعبي، صاحب العلاقة المتوترة مع كردستان وقواتها، بعد التلميحات الكردية الكثيرة والمستمرة، الموحية بعدم شرعية الحشد، والمشيرة لأكثر من مرة بأنه يمارس انتهاكات على مدنيين في مناطق النزاع، هو الآخر لم يكتف بقراءة بيانات الكرد العازمة على إجراء الاستفتاء المصيري، بل أبدى موقفه على طريقة التحدي، متخذا من تحرير قضاء “الحويجة”، التي تدعي كردستان كرديتها، الحرف الأول من خطابه.
محمد مهدي البياتي القيادي في الحشد، أشار أمس الجمعة، إلى أن “إثارة موضوع استقلال كردستان هي محاولة استغلال انشغال قوات الحشد في معركة الموصل”، داعيا الكرد الى “تحرير الحويجة بقوات البيشمركة، إذا ما كانوا يصرون على أن محافظة كركوك كردستانية”.
هذا ما حصلت عليه الأحزاب الكردية وبارزاني من ردود مناهضة لقرار الاستفتاء، ويبدو ان هذه الردود ليست بصدمة، سيما وان أغلب المعارضون مواقفهم الرافضة واضحة وبديهية حتى قبل إعلانها، لكن الصدمة التي ستقصم ظهر الإقليم بأكمله، هي مفاجئة البيانات الخارجية المحذرة من السعي وراء مخطط الاستفتاء.
ألمانيا، وفي سابقة لها، عن التدخل بشؤون العراق الداخلية، أعربت الخميس الماضي، عن قلقها من خطط إقليم كردستان لإجراء استفتاء الانفصال في سبتمبر القادم، مرجحة أنه قد يؤجج التوتر في المنطقة، محذرة الإقليم من هذه الخطوة.
واشنطن هي الأخرى حذرت، الخميس الماضي، من أن إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق قد يشتت الانتباه عن محاربة تنظيم داعش.
تركيا، صاحبة العلاقة الطيبة مع كردستان، لم تدعم هذه المرة، حلم بارزاني في تحقيقه للاستقلال ببيت صغير قرب أهله، حيث وصف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، أمس الجمعة، خطة أكراد العراق لإجراء استفتاء على الاستقلال بأنها “غير مسؤولة” مبينا أن “المنطقة بها ما يكفي من المشاكل”.
إيران المتخوفة من أي حركة حمقاء في المنطقة، بعد تعرضها لهجمتين من تنظيم داعش، شلت حركتها وجعلتها تدرك قوة داعش وإمكانياته بالوصول إلى أي مكان يريده، من تجربتها بضرب ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، أكدت، اليوم السبت، أن قرارات كردستان المنفردة ستؤدي الى تفاقم المشاكل في البلاد.
وبحسب استطلاعات رأي محلية فإن الغالبية العظمى من أبناء شعب الإقليم ما عادت تثق بالأحزاب الكردية التي حكمت كردستان منذ إعلان استقلالها شبه النهائي إثر انتفاضة الشعب الكردي في ربيع عام 1991، وهناك معلومات شبه مؤكدة بأن عدد الناخبين المسجلين بسجلات مفوضية الانتخابات “البايومتر” أي الناخبين المجددين سجلاتهم الانتخابية والمستعدين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات لا تتجاوز نسبة 25 بالمائة.